لاحظت سارة (35 عاماً) تغيراً شبه جذري بمعاملة الأمن العام لها خلال تنقلها بين بعض حواجزه المنتشرة في الساحل السوري، إذ لم يكن عناصره يسألونها عن طائفتها، وإلى أي المناطق تنتمي، كما كانت الحال عليه عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
لم تعرف سارة السبب الرئيسي في ذلك، وما إذا كانت أحداث الساحل قد أشعلت سُعار الطائفية لدى بعض العناصر غير المعروفين في هويتهم، لكنهم معروفون بأنهم ليسوا هم أنفسهم الذين كانوا يتعاملون مع سكان الساحل السوري باحترام ومحبة كبيرين.
شكوى سارة ليست حالة فردية، لأن هناك مئات الشكاوى من مختلف المحافظات والمدن السورية المختلفة، لا تقتصر على السؤال الطائفي، بل تمتد لتشمل حالات انتهاكات مثل التحرّش والسرقة والمعاملة الفظة، تجاه أشخاص، حتى من المحسوبين أنهم من ضمن حواضن الثورة.
شهرة وقبول
اكتسب جهاز الأمن العام في إدلب، شهرة وقبول شعبيين بعد انتشاره في مدن سورية خارج المحافظة، عقب سقوط نظام الأسد، لا سيما مناطق الأقليات، لكن هذه الحال تغيّرت خلال الفترة الماضية، لسبب أساسي يتمثّل بقبول عشوائي لمئات "الشبيحة" وعناصر الفرقة الرابعة ضمن صفوفه، من أجل تأمين التغطية الأمنية التي لم يستطِع الجهاز القيام بها، لعدم كفاية تعداده للانتشار في المساحات الشاسعة من الجغرافيا السورية.
تأسس الجهاز في العام 2020، بإشراف مدير الاستخبارات السورية الحالي أنس خطاب، وتم فصله عن "هيئة تحرير الشام" رسمياً في آذار/مارس 2024، ليصبح تابعاً لحكومة الإنقاذ في إدلب، قبل أن يصبح المسؤول عن حفظ الأمن في المناطق السورية المحررة حديثاً من قبضة قوات النظام والأجهزة الأمنية.
ومن دون الدخول في تفاصيل انتهاكات الجهاز في إدلب ضد المحتجين المطالبين بالتغيير في 2024، يُعرف عن جهاز الأمن العام انضباطه الشديد لجهة الالتزام بالتعليمات الصادرة عن خطاب آنذاك، بسبب الدورات الشرعية والعقائدية التي كان يخضع لها عناصره.
ولم يختلف ذلك الانضباط بعد انتشاره في المناطق المحررة حديثاً، إذ أثنى السوريون على معاملته لهم، بعد سنوات من "التشبيح" من قبل عناصر الأجهزة الأمنية في نظام الأسد، ما جعل انتشار عناصره المميزون بلباسهم الموحّد الأسود، مطلباً شعبياً عند كل حدث أمني، لا سيما بعد أحداث الساحل السوري.
الأمن العام تغيّر؟
إلا أن الفترة الماضية، خصوصاً بعد أحداث الساحل، شهدت انتهاكات بالجملة ضد السوريين في مناطق الأقليات وحواضن الثورة، شملت حالات من السرقة والتحرش والسؤال الطائفي من قبل عناصر محسوبين على الأمن العام.
تقول ندى (30 عاماً) من محافظة اللاذقية، إن عنصراً من الأمن العام قفز من سيارته بعد رؤيتها ذاهبة إلى مكان عملها، وصار يلاحقها أملاً في الحصول على رقم هاتفها الخلوي، لتسرع هاربة منه بعد زجره من قبلها لمنعه من ملاحقتها أمام المارة.
من جهته، أكد مازن (40 عاماً) من الطائفة العلوية، أن مشهد التلويح بـ"السكين" أصبح مشهداً معتاداً أثناء مرور سيارات الأمن العام في مناطق مختلفة من اللاذقية، مضيفاً أن حالات التحرش ضد الصبايا أصبحت منتشرة بكثرة، في حالة تستحضر ذكرى مثل تلك الحالات، من قبل هلال وهارون ووسيم الأسد ورجالهم. ويشير إلى أن العلويين أصبحوا لا يجرؤون على التقدم بشكاوى بعد أحداث الساحل.
وفي المقابل، يشير بعض الأشخاص في حديثهم لـ"المدن"، إلى أن هناك تبايناً واضحاً في معاملة عناصر الأمن، فمن جهة، يمارس بعضهم انتهاكات مثل السرقة والمعاملة الفظة تشمل مناطق في أرياف المحافظة، المحسوبة كحواضن للثورة، فيما يتمتّع آخرون بأخلاق ومعاملة رفيعة في جميع المناطق.
ما الذي تغيّر؟
ويقرّ مصدر من الأمن العام بتلك الحوادث، لكنه يشدد على أنها لا تستهدف مناطق الأقليات، إنما تشمل جميع المناطق السورية. ويقول المصدر في حديث لـ"المدن"، إن جهاز الأمن العام القادم من إدلب، لم تستطع كوادره تغطية المناطق السورية المحرّرة حديثاً، مما دفعه لفتح باب الانتساب إلى صفوفه بشكل غير مدروس، وأقرب للعشوائي، لتغطية النقص وفرض الأمن والأمان.
ويضيف أن أحداث الساحل، أظهرت ذلك النقص جلياً، وأظهرت معه الانتهاكات بشكل أكبر، بعد استقدام عناصر حديثي الانتساب، للانتشار في مناطق مختلفة، خشية تكرر هجمات الفلول.
ويوضح أن مئات العناصر من المنتسبين الجدد، كانوا سابقاً ضمن صفوف ميلشيات الأجهزة الأمنية والفرقة الرابعة، وتم ضمهم على عجل من دون التأكد من خلفياتهم، ما أدى إلى ظهور انتهاكات جديدة وواسعة ضد السوريين.
ويؤكد أن الجهاز بصدد العمل على فلترة العناصر والبحث في خلفيات أولئك "الشبيحة"، لكن هناك معضلتان أساسيّتان، الأولى هي الأقنعة التي يرتدونها، مما يحول دون التعرف على هويات المنتهكين، فيما الثانية خوف السكان من التقدم بشكوى ضدهم، لا سيما مناطق الساحل السوري، بعد الأحداث الأخيرة.