تشير التسريبات التي كشفتها وسائل إعلام أميركية عقب المكالمة التي أجراها الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والأميركي دونالد ترامب، منتصف آذار/ مارس الجاري، إلى انفراجة كبيرة بين واشنطن وأنقرة، بعد سنوات التوتر في ظل الإدارات الديمقراطية، التي رعت مشاريع مقلقة لأنقرة مثل تنظيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الذي كان يرفع شعار "الإدارة الذاتية"، والذي استبدله بعد سقوط الأسد والديمقراطيين في أميركا بمطلب "اللامركزية".
إدارة ترامب تسعى لتمكين تركيا من الحصول على طائرات "F16"، مع إمكانية إعادة أنقرة إلى برنامج طائرات "F35" التي أخرجت منه عقب شراء منظومة صواريخ "S400" الروسية، مما يوحي بوجود تفاهمات سياسية وأمنية أوسع بين إدارة ترامب وأنقرة.
ملء فراغ إيران
تعوّل إدارة ترامب فيما يبدو على دور تركي في ملء الفراغ الإيراني، لضمان عدم عودة طهران مجدداً إلى الساحات التي تغادرها، وفي هذا السياق أتت الجهود التي بذلتها الإدارة الأميركية لدى الحكومة العراقية المركزية لوقف عرقلتها تصدير النفط من أربيل إلى ميناء جيهان التركي، مما يعزز حضور محور أنقرة – أربيل، على حساب إيران – قنديل – السليمانية في الساحة العراقية، التي تحظى حالياً بتركيز إدارة ترامب، التي أوقفت أيضاً الإعفاء الممنوح للحكومة العراقية على استيراد الغاز الإيراني، في خطوة تهدف للمزيد من الفصل بين طهران وبغداد.
وبحسب ما يرشح من معلومات، فإن إدارة ترامب مرتاحة لزيادة مستوى التواصل بين حركة حماس وأنقرة، على أمل تقليص حجم التدخل الإيراني في ملف غزة.
تعزيز الاستقرار في سوريا
النفوذ العسكري التركي المتزايد في سوريا، والذي سيشمل قريباً منطقة البادية السورية التي تشهد عادة نشاطاً لخلايا تنظيم داعش، سيتيح للقوات الأميركية إعادة الانتشار في سوريا للتركيز أكثر على الحدود السورية-العراقية، خصوصاً في حال نجحت أنقرة في تأسيس تحالف أمني وعسكري إقليمي كما تحاول منذ مدة.
من ناحية أخرى، فإن خلفيات الإدارة السورية الجديدة والقوات التابعة لها تثير المخاوف داخل تيار ضمن إدارة ترامب، وبالتالي فالدور التركي يمكن أن يساهم في تعزيز الاستقرار، خصوصاً عن طريق المساهمة في إعادة هيكلة هذه القوات ضمن أطر الدولة، بما ينهي حالة الفصائل التي يمكن أن تشكل تهديدات للجوار.
المساهمة بالسلام في أكرانيا
من المحتمل أن تساهم تركيا بشكل فاعل في نشر قوات لحفظ السلام في أوكرانيا، إذا ما أثمرت المفاوضات الأميركية الروسية وقفاً لإطلاق النار، حيث تؤيد إدارة ترامب أن يتولى بعض الحلفاء القيام بنشر قوات في أكرانيا.
وتعتبر تركيا طرفاً مقبولاً بالنسبة لأوكرانيا نظراً للمساعدات المحدود التي قدمتها لكييف خلال الحرب، كما أن روسيا قد لا تعترض على هذا الخيار لأن أنقرة بقيت طيلة الحرب متوازنة في موقفها ولم تنحَز بالكامل لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ورعت اتفاقية لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود بموافقة روسيا.
المشاركة التركية ستكون محل ترحيب ترامب الذي يحظى بتقديم ضمانات لأوكرانيا، لكن دون انخراط القوات الأميركية بما يتيح تخفيف الأعباء.
ويمكن للجانب التركي أن يساهم في دعم جهود إدارة ترامب الرامية لوقف إطلاق النار بحكم علاقة أنقرة مع كل من موسكو وكييف.
ومن الواضح أن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة ينتظرها دفعات قوية، وقد نشهد إعادة تعريف العلاقة بينهما لترقى إلى درجة التحالف، خصوصاً وأن الممثل الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف وعد بـ"أشياء إيجابية مقبلة" بعد المكالمة بين الرئيسين التركي والأميركي، مشيراً إلى العلاقة القوية التي تربط الرئيسين.