2025- 03 - 26   |   بحث في الموقع  
logo إزالة العوائق من أمام مبنى فصيلة التل في طرابلس logo بالصور… مياه ملوثة مقابل خليج جونية logo اجتماع "مفصلي" اليوم... وتلويح بالتصعيد في حال المماطلة! logo نظرة شاملة للموضوع الإصلاحي... وهذا الحل الأنسب لإعادة الودائع! logo "قرار منتظر" ينعش آمال اللبنانيين! logo عملات جديدة وخطة للمودعين... تصريحات "مهمة" لمنصوري logo توقيف شقيقين سوريين… إليكم ما ضبطه الجيش بحوزتهما logo وزير الإعلام: آلية التعيينات الإدارية لا تشمل تلفزيون لبنان
مائدة الإفطار: التجريب ممنوع!
2025-03-24 20:27:05

ربما لم تعرف موائد رمضان تغييرات تُذكر في المجتمع السنّي الذي ولدتُ فيه وعشت صباي. وحتّى حين عدت إليه بعد غربة عقد ونيف، وجدته على "حَطّة أطباقه"، كما كنت في لاوعيي أتمنّى.تغيّر شكل الحياة وخريطة العالم، وانقلب المناخ وتصدّع الهرم الاجتماعي، لكنّ مائدتنا الرمضانية بقيت تقريباً هي نفسها. غاب أحبّة عن تلك المائدة، وزاد أحبّة. غاب وجه جدّتي وسيجارة يخطفها أبي بين الحساء والطبق الرئيسي. غاب أبي ولم نخصّ أحداً بأخذ كرسّيه بل تناوبنا عليه. في المقابل، حلّت وجوه أزواجنا وأولادنا. بكينا كثيراً في أوّل رمضان من دون أبي، لأنّ المائدة مرتبطة بحضوره. هذا يؤكّد أنّها أكثر من تقليد عائليّ. هي جزء من العائلة وفرد من أفرادها. لكنّها فرد تقليديّ متزمّت، تقاوِم التغيير قدر المستطاع، وتتشبّث بالموروث والذكريات والوفاء للراحلين.من ناحية دينية، ليست موائد الإفطار الرمضانيّة مرتبطة بالشريعة الإسلاميّة. فليس في القرآن ما يخصّ مائدة رمضان، وهو حدّد القواعد الأساسيّة والعامّة لما أُحِلّ من الطعام وما حُرِّم (تحديداً الحيوانات والطير وشروط أكل لحومها)، وشدّد على الأكل من طيّبات ما رزق الله عباده، مقدّساً بضعة أطعمة مثل التمر والتين والزيتون. أمّا طقوس الطعام والإفطار عندنا فترجع إلى السنّة النبويّة، وتقتفي مستحبّات النبيّ، مثل الإفطار على التمر، والأكل باليد اليمنى وممّا أمام الآكل في حال الطبق المشترك، أي ألّا يأخذ ممّا أمام شركائه من الطبق نفسه، وآداب أخرى ترتبط بتناول الطعام عموماً. يعود ذلك على الأرجح إلى فقر طيّبات مكّة وجوارها ومحدوديّة موائدها في زمن التنزيل، ومعاني رمضان العقائديّة التي تعتبره شهر التعبّد، والتقرّب لله وليس للمعدة. لكنّ التشجيع على الأكل من الطيّبات في القرآن- رغم النهي عن الإسراف- جعل موائد رمضان تستقطب أطباقاً كثيرة، أكثر من قدرة المعدة على الاستيعاب، ومن قدرة الميزانيّة أيضاً.استغربنا الفول المدمّس رغم تقديسنا فتّة الحمصتحفل الموائد الرمضانية بأطباق ووجبات، يكاد جمعها معاً في المعدة خلال جلسة واحدة يسبّب مشاكل عديدة من التلبّك المعويّ إلى الصداع وارتفاع الكولسترول... مع ذلك، وفي أصعب الظروف، تعتبر غالبيّة الصائمين أنّ رمضان ليس كاملاً من دون مائدة مكتظّة بالأطباق المختلفة. يجب على هذه المائدة أن تحتوي على الأساسيّات التالية: الماء والجلّاب وأنواع أخرى من العصائر والمشروبات الغازيّة، التمر والمشمش المجفّف أو "قمر الدين"، الحساء، السلطة المسمّاة الفتوش، الفتّة (غالباً فتّة الحمص باللبن)، المقالي وأبرزها البطاطا المقليّة، العجّة المقليّة، المعجّنات من سمبوسة ورقاقات وفطائر (مقليّة أو مشويّة)، الكبّة المقليّة، مقبّلات أخرى مثل ورق عنب بزيت ومتبّلات الحمّص والباذنجان، ثمّ الطبق الرئيسيّ- غالباً طبقان رئيسيّان لمراعاة أذواق أفراد الأسرة. وبعد هذا كله، تأتي التحلية، وهي تضمّ عادة صنفين من الحلوى ينصّ العرف أن يحتويا على القشطة والقطر والمكسّرات، ولا ضير من فاكهة الموسم، ولا مفرّ من الشاي والقهوة.تحكي الموائد الكثير عن البشر، وتحكي مائدة رمضان ببلاغة خاصّة. كانت مفاجأة مستهجنة حين أخبرتنا صديقتنا السورية أنهم يعدّون الفول المدمّس كلّ يوم في رمضان. لماذا نستهجن ونحن نعدّ حساء العدس يومياً وفتة الحمّص؟! والفول ابن عمّ الحمص والعدس. رغم هذا لم نتصوّر أنّ فكرة الفول هذه موفقة على مائدة الإفطار. وحتى حين أعجبتني طريقة التونسيين في تقديم التمر محشواً بالزبدة واللوز، إلا أنّها لم تجد طريقها إلى مائدتي ومائدة أهلي، بحجّة أنه من الصعب استعمال الزبدة في الصيف، وأكل اللوز مع بقيّة المكسرات على الريق، وذلك قد يكون لسبب طريف وهو أنّ المكسرات تتطلّب مضغاً وهرساً متأنّياً لا يملك له الصائم صبراً، على عكس أكل التمر الطريّ. ومع اختلاف التبريرات، فإنّ تمسّك كلّ بيئة بالمنيو الخاصّ بها هو فعل دفاع عن التفرّد.إيطالياقليلة الأصناف التي غابت عن "منيو" رمضان في حياة أسرتي مع الزمن، لا أذكر منها سوى "قمر الدين". أمّا الأطباق الوافدة فلها شروط. وفدت أطباق أجنبيّة إلى مائدتنا اليوميّة غير الرمضانيّة، وانتقلت إلى الرمضانيّة بعدما اعتادتها الأسرة، سواء برضاها أو بضغط من الأجيال الشابّة. المثال الأبرز هو الوجبات الإيطاليّة التي تعلّمتها أمّي من الكتب أوّلاً، ثمّ من منصّات الإنترنت حالياً، مندفعة نحو شغفها بكلّ ما يتعلّق بإيطاليا الأقرب إلى قلبها بين دول العالم، وأبرزها الفتوتشيني واللازانيا.حضور وسائل التواصل الاجتماعيّ ملحوظ على موائدنا، من عادات تقديم الأطباق إلى الطهو والتخزين وحتّى أصغر التفاصيل. لكن ثمّة عوائق أمام سيطرتها، فمن الصعب علينا في لبنان استعمال القلّاية الكهربائيّة بسبب انقطاع الكهرباء وارتفاع ضرائبها، ونحن نستبعد الوجبات التي تحتاج ساعات في الفرن بسبب غلاء قوارير الغاز التي سبق أن فُقدت من السوق خلال الأزمات وبقي كابوس اختفائها حاضراً في الوعي. كما أنّ المغامرة في رمضان ليست مطروحة. لا تجرؤ طاهية أو طاهٍ على تقديم طبق جديد اقترحه عليه الانترنت في رمضان، لأنّ أدنى فشل في التنفيذ سيدفع ثمنه الصائمون المساكين ممّن يتوقّعون أطباقاً مثاليّة، لا هنّة فيها. التجريب على مائدة رمضان غير مسموح.اجتهاد الأمّهاتيبقى أنّ مستوى ربّات المنازل والأمّهات الثقافيّ والتعليميّ والاجتهاد الشخصيّ، يلعب الدور الملحوظ في مائدة رمضان. قبل الثورة الرقميّة كانت لأمّي مراجع غذائية عديدة في مكتبة المنزل، وهذا من حسن حظّنا بالتأكيد، واليوم تقصد مراجع أوسع عبر الانترنت الذي يمدّها بملايين الوصفات والإرشادات. يوم قالت جارة لنا إنّها تقدّم الليموناضة بدلاً من الجلاب على الريق، حاولت أمّي بلباقة أن تقول لها إنّ الحموضة في الليمون ليست جيّدة على لحم معدة الصائم. وكان من الصعب على قريبة عجوز أن تفهم ما قالته أمّي عن وجوب تحضير الفتّوش قبل ساعة فقط من الإفطار لأنّ الخضار حين تُقطّع تبدأ تتأكسد. ظلّت العجوز حتّى وفاتها تقطّع مكوّنات الفتوش عند الظهيرة وتملّح البطاطا قبل قَليها. الإصرار على العهد الأوّل، والبقاء في دائرة الأمان، ينطبق على موائد رمضان المنزليّة لما تبقّى من عائلات الطبقة المتوسّطة وهي تحاول النهوض من انهيارها، غير واثقة من التعافي، كعدم وثوقها في وجبات هواة "تيكتوك" وإخوانه.



المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top