بات ملفّ إعادة إحياء مطار الرئيس رينيه معوَّض، أقرب إلى التطبيق، في ظل المتغيّرات السياسية التي يشهدها لبنان. علماً أن تشغيل المطار المعروف بمطار القليعات، سيرفد لبنان عموماً ومنطقة الشمال خصوصاً، بالكثير من الخدمات الاقتصادية. ويكتسب الملف مزيداً من الدعم، من خلال تأكيد البيان الوزاري، على تشغيل المطار، فضلاً عن إشارة وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، إلى أنّ "الوزارة تعمل حالياً على إعداد الدراسات الفنية والاقتصادية اللازمة لإعادة تشغيل مطار القليعات في شمال لبنان، بهدف تعزيز حركة النقل الجوي وتحقيق تنمية اقتصادية متوازنة بين مختلف المناطق اللبنانية". على أنّ هذا السعي، يرتبط بضرورة تأمين الأموال اللازمة لإعادة التشغيل، مع ما يستتبع ذلك من تأهيل للبنى التحتية المحيطة بالمطار، وهذا يستدعي اجتذاب الاستثمارات من القطاع الخاص.التزام رئيس الحكومةأخَّرَت التجاذبات السياسية إعادة إحياء مطار القليعات الذي أنشأته "قوات التحالف" في العام 1941 والموضوع تحت سلطة الجيش اللبناني منذ العام 1966. فبقي مطار بيروت هو المنفذ الجوّي الوحيد للبنان، ومع ذلك، استمرّت المطالبات بتشغيل مطار القليعات، لما له من أهمية اقتصادية.
وصبَّت التحوّلات السياسية التي يعيشها لبنان منذ وقف إطلاق النار إثر الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وانتخاب رئيسٍ للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، في مصلحة فتح ملف المطار. والتزاماً بما جاء في البيان الوزاري، سيستقبل المطار يوم غد الثلاثاء، رئيس الحكومة نواف سلام الذي سيقوم بجولة استطلاعية في المطار، وذلك ضمن زيارة إلى محافظة عكار، سيتخلّلها ترؤساً لاجتماع مجلس الأمن المركزي، وإطلاق خطة أمنية لتثبيت الهدوء والاستقرار ولضبط الحدود. كما وسيتخلّلها لقاء مع نواب المحافظة.وهذه الزيارة يراها رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النائب سجيع عطية، من زاوية "التزام رئيس الحكومة بما وعدَ به في البيان الوزاري". ويشير عطية في حديث لـ"المدن" إلى أنّ "وزير الأشغال العامة يناقش موضوع التلزيم"، ما يعني أنّ القضية جدية، وتكتسب جديتها من خلال "الإنماء الذي سيحدثه المطار في المنطقة"، فمن المتوقّع أن يؤمّن المطار عند تشغيله، نحو 2000 فرصة عمل، فضلاً عن تسهيل عملية تصدير الإنتاج اللبناني، لا سيّما الإنتاج الزراعي، ممّا ينشِّط الحركة الاقتصادية في الشمال، وخصوصاً منطقة عكار. علماً أنّ تشغيل المطار سيسهم في زيادة حركة مرفأ طرابلس ومعرض رشيد كرامي الدولي، إلى جانب تنشيط الحركة السياحية.استثمارات القطاع الخاصوتأتي خطوة إعادة تشغيل مطار القليعات في وقت لا تستطيع فيه الدولة دفع الأكلاف المالية المطلوبة لهذه الخطوة، وذلك بفعل انعكاس انهيار قيمة الليرة على إيرادات الدولة، وتالياً قدرتها على التمويل. خصوصاً أن التقديرات تشير إلى أنّ تلك الخطوة تحتاج إلى نحو 300 مليون دولار. كما تعتبر شركة "الدولية للمعلومات"، أنّ "كلفة تأهيل المطار بهدف إعادة التشغيل تقدر بحدود 200 مليون دولار، تضاف إليها قيمة استملاكات نحو مليوني متر مربع من الأراضي المجاورة"، وذلك وفق دراسةٍ وضعتها الشركة استناداً إلى كشف أجرته لجنة فنية من وزارة الأشغال.
عدم قدرة الدولة على تأمين هذه الأكلاف، يعني بحسب عطية، أنّ "التأهيل يحتاج إلى تعاون مع القطاع الخاص". وبهذه الحالة، على الدولة السعي لاستقطاب أموال القطاع وتوجيهها نحو الاستثمار في المطار "على غرار استثماره في مطار بيروت، في مختلف المجالات والأعمال المتعلّقة بتسيير عمل المطار وتقديم الخدمات فيه". ويضيف عطية، أنّ إعادة تأهيل وتشغيل المطار، تستوجب "سلة متكاملة من الخدمات المرافقة للتشغيل، ومنها تأهيل الأوتوستراد".على أنّ هذا الاستقطاب قد لا يكون بالسهولة المتوَقَّعة. فاستقطاب الاستثمارات يعني نشر المزيد من الطمأنينة السياسية والأمنية في لبنان، بالتوازي مع قرار سياسي خارجي يعطي الضوء الأخضر للمستثمرين بالمساهمة في تطوير البلاد. في حين أنّ عقبة داخلية ستبقى موجودة، وتتعلّق بالتحاصص لأجل الاستفادة من عائدات المطار وفرص العمل التي سيؤمّنها. كما أنّ بطء عملية الإصلاح في ظل عدم وجود قرار سياسي بذلك، يؤخِّر إتمام بعض الخطوات الإصلاحية التي تصبّ في مصلحة تطوير مطارَيّ القليعات وبيروت أيضاً. ومن تلك الخطوات، تشكيل "الهيئة الناظمة للطيران المدني" استناداً إلى القانون رقم 481 تاريخ 12/12/2002. وهذا التشكيل سيساهم في تطوير قطاع الطيران المدني، من خلال خبرة الاختصاصيين الذين سيعَيَّنون ضمن الهيئة. لكن الخلافات السياسية والطائفية، لا زالت تؤخّر التعيين.حتى اللحظة، تحظى عملية إحياء مطار القليعات بتأييد واسع النطاق، إلاّ أنّ العبرة في الخواتيم. فالانعكاسات الاقتصادية الإيجابية لا تحسم وحدها قرار التأهيل والتشغيل.