لا يشبه النائب أديب عبدالمسيح الإصطفافات السياسية الحادة ولا النكايات ولا الكيديات، ولا المحاولات الدائمة من قبل التيارات والأحزاب لتسجيل النقاط على بعضهم البعض ولو على حساب البلاد والعباد.
منذ إنتخابه نائبا عن الكورة في العام 2022 حاول عبدالمسيح تقديم نموذج جديد يوازن بين العمل السياسي والمسؤولية الخدماتيه، فلا إستخدام لأدوات السياسة لتحقيق شعبية ولا إستثمار في الخدمات وحاجات الناس لتحقيق مكاسب سياسية.
خاض أديب عبدالمسيح تجربة سياسية ضمن كتلة تجدد التي سرعان ما إكتشف أنها لا تشبهه لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، فكان قراره وبالرغم من عوده السياسي الطري بإتخاذ قرار جريء بالانسحاب منها تكريسا لإستقلالية تهدف الى أن يكون قرار عبدالمسيح كورانيا صرفا لا يتأثر بمناطقية ولا يرضخ لإقطاعية ولا يسير في ركب تحريض من شأنه أن يؤذي مصلحة لبنان وأمنه وإستقراره.
لم يكن إنسحاب عبدالمسيح من كتلة “تجدد” جريئا فقط، بل كان صائبا، خصوصا أن “تجدد” قد تصدعت بعدما فرّقت المصالح والسعي الى المناصب بين أعضائها ما أدى الى إنفراط عقدها، في وقت كان فيه أديب عبدالمسيح يرسم مساحته السياسية الخاصة في مشهد لم تعتد عليه الكورة التي لطالما كان نوابها منضوين في تكتلات نيابية على مستوى الوطن أو على صعيد منطقة الشمال، لكن عبد المسيح أراد أن يصنع لنفسه مساحة تستقطب من يشبهه وطنيا ومحليا، ولعله النائب الوحيد في تاريخ الكورة الذي رسم لنفسه خطا واضحا تجسّد في مكتب سياسي خاص يضم مجموعة من المستشارين والمهتمين ويجمع بين الاعتدال والاستقلالية والحرية والتنمية وخدمة المواطنين، ويستقطب التنوع الكوراني الطائفي والاجتماعي والثقافي.
في أول عهده النيابي وبعد أقل من ثلاث سنوات على إنتخابه، نجح أديب عبدالمسيح المتماهي مع المجتمع الكوراني المدني ومع بعض من يشبهه من رجال السياسة في إيجاد حضور سياسي وازن يوازي حضور وفاعلية تيارات وأحزاب تاريخية في الكورة، حيث كسركل أنواع التبعية التي كانت تفرض على أي طامح للنيابة لمصلحة التيارات الكبرى، وأوجد تيارا سياسيا كورانيا مستقلا يهدف للوصول الى وطن حر سيد مستقل وحيادي، والى قضاء كورة مزدهرا ومتطورا ينعم أهله بإنماء نموذجي لا يرتبط بالولاءات.
بعد شهر واحد من إطلاق مساحة أديب عبدالمسيح في 20 شباط الفائت، جاء الاختبار الأولي في 19 آذار الجاري خلال حفل الإفطار الرمضاني السنوي الذي أقامه برعاية مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام في قصر الشاطر حسن، وكانت النتيجة أن نجحت هذه المساحة التي رسمها عبدالمسيح في إستقطاب أكثرية المكونات السياسية اللبنانية، فجاء الافطار جامعا على المستوى الوطني وعابرا للطوائف والمذاهب، ومؤكدا حاجة الناس الى تغيير جذري بعيدا عن التقليد والاقطاع والهيمنة والنفوذ المتعارف عليهم في العمل السياسي.
لم ينتظر عبدالمسيح طويلا لمعرفة ردات فعل المعنيين تجاه مساحته السياسية، فجاء الافطار السنوي والحشد المتنوع ليمنحه شرعية أضيفت الى شرعية أبناء الكورة المؤمنين بهذا النهج، ولتشكل الانطلاقة الوطنية لمساحة كورانية مستقلة قائمة على المصارحة والمصالحة وعلى السلام الداخلي الذي أكد عبدالمسيح أنه نقطة الإنطلاق نحو قرارات صائبة مبنية على الوضوح في القناعة والرؤية.