قرار أميركي بإطلاق يد إسرائيل في لبنان
2025-03-24 07:25:51
"" - عبدالله قمحإذا وضعنا الصواريخ الثلاثة التي أُطلقت من على ست خشبات تستخدم في "ورش عمار" تحت المجهر، فسنجد أنها أفادت إسرائيل أكثر ممّا أفادت لبنان. هذه الصواريخ "المجهولة المصدر" التي أُطلقت صباح السبت كلّفت لبنان سبعة شهداء وأكثر من أربعين جريحاً، سقطوا دون وضوح الهدف الذي استشهدوا لأجله، بالإضافة إلى الدمار الذي خلّفته الغارات الإسرائيلية التي جاءت رداً على إطلاق هذه الصواريخ. إلى جانب ذلك، كشفت عن ضعف الدولة اللبنانية في السيطرة على الوضع الأمني في الجنوب أو حمايته، سواء من الإختراقات الأمنية أو الإعتداءات الإسرائيلية، خلافاً لما سبق أن أعلنت.المشهد الأخطر كان في منح إسرائيل اليد العليا. للمرة الأولى منذ زمن بعيد، أصبحت تل أبيب الطرف الذي يصنع المعادلات، وليس لبنان، ما عزّز موقعها السياسي والعسكري. وقد أثار ذلك شكوكاً عمّا إذا كانت تل أبيب قد استغلّت جهات معينة لافتعال هذا الحادث، بهدف زيادة الضغط السياسي على لبنان.في الداخل، وُجّهت اتهامات ل"حزب الله" بالوقوف وراء إطلاق الصواريخ، وفق ما يُعرف بـ"نظرية النملة" التي لا تدخل إلاّ...، لكن الحزب، نظراً إلى توقيت العملية وأسلوبها، اعتبر أن الأمر مشبوه من حيث الأهداف. وعليه، تولّى عبر القنوات الرسمية المعتمدة إبلاغ رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب بعدم مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ، واضعاً الحادثة في إطار الريبة والشك.وفُهم أن بعض أركان السلطة تمنى على الحزب إصدار بيان ينفي علاقته بالأمر، وهو ما حصل بالفعل. وكان الهدف اللبناني من البيان، إلى جانب تبرئة الحزب، محاولة تطويق رد الفعل الإسرائيلي، خاصة أن تل أبيب هدّدت بشنّ عملية قصف واسع لن يستثني بيروت. لكن الجيش الإسرائيلي نفسه أقرّ بصعوبة تحديد الجهة المسؤولة عن الإطلاق، ما جعل استهدافه لمواقع تابعة للحزب، وأخرى مدنية، أمراً مستغرباً، ويوحي بأن إسرائيل تريد التصعيد لأجل فرض شروط سياسية.في هذا السياق، كان يُفترض أن تكتفي إسرائيل بالرد المدفعي التقليدي على إطلاق الصواريخ التي تمّ اعتراضها أصلًا ولم تسقط في مستعمرة "المطلة" التي استهدفت. لكنها تعاملت مع الحادثة كـ"فرصة إستثمارية"، فوسّعت نطاق ضرباتها، مستهدفة مواقع مدنية وأخرى ادعت أنها تابعة للحزب، ثم شنّت موجةً ثانية من الغارات العنيفة ليلاً، رغم صدور بيان الحزب وإقرار الجيش الإسرائيلي بعدم تحديد هوية الجهة المسؤولة، ما أمكن إسقاط توصيف "الحرب المصغّرة" على ما مارسته إسرائيل.ما جرى يضع الدولة اللبنانية في دائرة التساؤلات، خاصة أن مواقف بعض المسؤولين، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة، لاقت صدى إيجابياً لدى إسرائيل، التي اعتبرت هذه التصريحات تشجّع على شنّ الضربات.تتصرف إسرائيل وكأنها فرضت على لبنان واقعاً جديداً منذ توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني الماضي، وكأن لبنان خرج مهزوماً من الحرب، وأن الحكومة الحالية تشكلت نتيجة لهذه الهزيمة، ما يسمح لها بفرض شروطها على بيروت.يبقى السؤال: لماذا هذا الردّ المبالغ فيه من قبل إسرائيل؟من الواضح أن القصف لم يكن ليتمّ دون ضوء أخضر أميركي. في بيروت يقال أن واشنطن أطلقت يد إسرائيل وأعطتها حرّية التصرّف – ولو بشكل محدود – لتحقيق ما تبقّى من أهداف الحرب، مستفيدة من التصعيد في قطاع غزّة أيضاً.إضافة إلى ذلك، جاءت الضربات الإسرائيلية في سياق فرض شروط جديدة على لبنان، وإجباره على الإستجابة للضغوط الأميركية. فقد فهمت واشنطن أن بيروت تتلكأ في تشكيل اللجان المدنية الثلاث التي اقترحتها المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، كما أنها تعرقل خطط التطبيع التي تحدث عنها المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف أخيراً، والتي تشمل لبنان وسوريا.ورغم أن أورتاغوس استخدمت دبلوماسية ناعمة في خطابها الأخير، إلاّ أنها أوكلت المهام "الأكثر حدة" إلى مندوبتها التي تتخذ من السفارة الأميركية في عوكر مقراً دائماً لها، حيث تتولى الضغط على السياسيين اللبنانيين ونقل رسائل "معلمتها" إليهم، إضافة إلى التأثير في بعض وسائل الإعلام وفق الرؤية الأميركية.في المقابل، طرح لبنان بشكل رسمي وقف الضربات العسكرية الإسرائيلية قبل البدء ببحث تشكيل اللجان المطلوبة كونه يُريد توفير أجواء داخلية مؤاتية، إلاّ أن واشنطن وتل أبيب رفضتا ذلك بشكل قاطع، بدليل استمرار القصف. يبدو أن الطرفين يسعيان إلى تكثيف الضغوط على بيروت، واستثمار الضربات العسكرية لتحسين شروط التفاوض، ودفع لبنان إلى اتخاذ خطوات معينة تحت الضغط.وفي هذا السياق، تأتي مواقف وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي الأخيرة كجزء من استراتيجية حكومية تهدف إلى تقليل الضغوط، لكنها لم تؤدِ إلاّ إلى استغلال إسرائيل لهذه التصريحات، ما جعلها ترى أن لبنان لا يمانع تلقي ضربات بهذا الحجم.على مستوى آخر، يبدو أن إسرائيل تسعى إلى إبقاء الحزب تحت ضغط متواصل. فالمعلومات الإستخباراتية الإسرائيلية تشير إلى أن الحزب يواصل تطوير قدراته رغم الظروف الصعبة جنوباً، وهو ما لا ترغب تل أبيب في حدوثه، ما يدفعها إلى تكثيف ضرباتها في محاولة للحد من قدراته المتنامية، وهو ما يؤشّر إلى تكثيف الضربات شمالي الليطاني. من ناحية أخرى، تريد واشنطن إبقاء ورقة الأسرى و"النقاط الخمس" عالقة، لغاية أن تتولى "اللجان المدنية أو الدبلوماسية" طرحها، ما يفهم منه أنها خطوة أميركية تجاه تحويل إتفاقية وقف الأعمال العدائية الحالية إلى "اتفاقية لوقف إطلاق النار، كمرحلة أولى، ثم العودة إلى اتفاقية الهدنة القديمة الموقعة عام 1946 كمرحلة ثانية، قبل الوصول إلى استبدال كل ذلك بـ"ورقة تطبيع"!
وكالات