منذ بداية شهر آذار/مارس الجاري، قُتل ما لا يقل عن 1400 مدني في سوريا، يتحدر معظمهم من الطائفة العلوية، وذلك على أيدي فصائل أمنية، بعد تمرد من عناصر موالية للرئيس المخلوع بشار الأسد أسفر عن مقتل عشرات من عناصر الأمن.
وبعد الانتهاكات، نُشرت وثيقة عبر الإنترنت قيل أنها رسمية، وتشير إلى أن وزارة الدفاع السورية طلبت من جنودها التوقف عن تصوير الانتهاكات التي يرتكبونها. لكن هذه الوثيقة مزورة ولم يصدر أي بيان يؤكد هذه المزاعم، حسبما أوضحت "خدمة مراقبون" الفرنسية للتحقق من الأخبار الكاذبة.وفي تغريدة عبر "إكس" بتاريخ 9 آذار/مارس الجاري، قال حساب "الناشط القومي الأفريقي" المقرب من روسيا ما يلي: "الإرهابي المفضل لدى الدول الغربية والذي تم الدفع به إلى رئاسة سوريا، الجولاني، أعطى أوامر لقواته المتوحشة من هيئة تحرير الشام بعدم تصوير التجاوزات التي يرتكبونها، عوض أن يأمرهم بالتوقف عنها. هل الحياة أكثر جمالاً الآن؟".وتم تداول هذه المزاعم على نطاق واسع من قبل عدد كبير من الحسابات الموالية لروسيا والناطقة باللغتين الفرنسية والإنجليزية، التي تدعي بأن الرئيس الانتقالي الجديد في سوريا أحمد الشرع، يحاول إخفاء الانتهاكات التي يرتكبها مقاتلوه الذين تم ضمهم إلى القوات النظامية.واعتمدت كل الحسابات التي أعادت نشر التوجيهات المزعومة للمقاتلين بعدم تصوير الانتهاكات التي يرتكبونها، على وثيقة باللغة العربية تمت ترجمتها إلى اللغة الانجليزية باستخدام تطبيق "غوغل لانز". وقيل أن الوثيقة صادرة عن وزارة الدفاع السورية بتاريخ 8 آذار/مارس الجاري، والتي تمنع بشكل رسمي "تصوير عمليات الاعتقال والإعدام التي تنفذها الجماعات المسلحة المنضوية تحت الجيش".كما أشارت الوثيقة المنسوبة للسلطات السورية الجديدة بأنه "يمنع منعاً باتاً تصوير عمليات القصف والتدمير التي ينفذها الجيش"، لكن البيان في الواقع مزوّر، إذ لم تنشر وزارة الدفاع السورية أي وثيقة تأمر بمثل هذه التوجيهات خلال شهر آذار/مارس الجاري.وأكد الباحث المتخصص في الشؤون السورية بمعهد "واشنطن إنستيتيوت" أرون زيلين: "إنها وثيقة كاذبة بالكامل ولا تتطابق بتاتاً مع ما تم نشره رسمياً"، علماً أن زيلين تابع من قرب تطورات عملية الانتقال السياسي في سوريا منذ شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي. وطيلة هذه الفترة، لم تنشر وزارة الدفاع السورية في الواقع سوى بيانين، وذلك عبر صفحتها الرسمية في "فايسبوك".وعلى عكس البيانات السابقة، فإن الوثيقة المزورة لم تكتب بأشكال الحروف نفسها التي تشير إلى تاريخ النشر في أسفل النص، كما أن الوثيقة المزورة لم تحمل رقماً تسلسلياً، على عكس البيانات الصحيحة. ولم يشر أي من البيانين اللذين نشرتهما وزارة الدفاع السورية إلى منع التصوير المزعوم. فكان البيان الأول يطلب بكل بساطة من "كل الوكالات العسكرية التنسيق مع مكتب العلاقات مع وسائل الإعلام قبل إجراء حوارات صحافية أو الإدلاء بتصريحات"، فيما أشار البيان الثاني إلى "منع بيع كل المعدات العسكرية" خارج الطرق الرسمية.وبالنسبة إلى زيلين، فإن نشر الوثيقة المزورة "يندرج في إطار حملة تضليل إعلامي أوسع نطاقاً تم رصدها عبر الإنترنت" منذ 6 آذار/مارس الجاري، بعد تمرد أنصار نظام الرئيس السابق بشار الأسد. وفي سياق يشهد تجاوزات يرتكبها مقاتلون ينتمون إلى الحكومة السورية الجديدة، تم تداول عدد كبير من الأخبار الكاذبة خصوصاً ما يتعلق بعدد الضحايا وهوية الجماعات المستهدفة.وأوضح زيلين في مقال منفصل أن "الشبكات يديرها أشخاص موجودون في إيران ومن داخل حزب الله ومنتمون إلى النظام السابق ونشروا حصيلة كاذبة عن عدد القتلى وصوراً كاذبة بهدف تضخيم هذا الحدث الأليم أصلاً". وتحدث هؤلاء بالخصوص عن "تقارير كاذبة عن حدوث مجزرة بحق المدنيين المسيحيين".وأعلن الشرع في 9 آذار/مارس الجاري إنشاء لجنة تحقيق مستقلة تتولى البحث في أعمال العنف التي جدت في شمال غربي البلاد. وأكدت الرئاسة السورية بعد يومين على هذا المسعى، وجددت حرصها على تحقيق العدالة ومنع حدوث عمليات انتقام خارج إطار القانون.