موفدون دوليون إلى إسرائيل سمعوا من مسؤولين بارزين فيها كلاماً خطيراً عن لبنان مفاده: "عندما كانت التحضيرات قائمة لتشييع نصرالله كان أمامنا ثلاثة خيارات: قصف المدينة الرياضية، استهداف المشيّعين، استهداف نعش نصرالله من دون إلحاق أذى بالناس، لأننا لا نريد بقاء أثر له"! وأضافوا: "دور اللجنة العسكرية الخماسية لمراقبة وقف النار انتهى وينبغي الانتقال إلى نقاش على المستوى السياسي. ولا بدّ من تشكيل ثلاث لجان تفاوضية حول: الانسحاب، إعادة الأسرى، وترسيم الحدود". سأل أحد الموفدين: "النقاط المذكورة هي في صلب اتفاق وقف النار الذي يجب على الطرفين اللبناني والإسرائيلي الالتزام به وتنفيذه". جاء الجواب الإسرائيلي: "مستعدون للجلوس على الطاولة مع الطرف اللبناني لمناقشة كل ما يريد. لا حل إلا بالتفاوض السياسي".استنفر المسؤولون اللبنانيون لمواجهة هذا التحدي الصعب. طرحت أفكار كثيرة مع ممثلين لدول راعية للاتفاق للوصول إلى تنفيذه كاملاً وتجنب التفاوض السياسي مع إسرائيل. رفضت الأخيرة وتمسكت برأيها. وكانت إشارات أن "لا عودة للأهالي إلى القرى الجنوبية ولا إعادة إعمار قبل الوصول إلى اتفاق سياسي يفضي إلى علاقات سياسية مع الدولة العبرية. ولا دعم للبنان قبل اتخاذ الإجراءات الإصلاحية المطلوبة والمعروفة"! وجاءت تلميحات إسرائيلية تشير باستهزاء إلى أن نتائج زيارة الرئيس عون إلى السعودية كانت دون التوقعات. ثم نُشر تصريح منسوب إلى موفد الرئيس الأميركي ستيف ويتكوف انتقد فيه "أداء الرئيس عون وتصرفات الحكومة"، ليأتي بعده توضيح رسمي يقول فيه الرجل: "لا أستبعد حصول اضطرابات في المنطقة ما لم يتم إيجاد حل للوضع في قطاع غزة"! وهذا كلام خطير، أولاً: القضية هي قضية فلسطين وليست قضية غزة فقط. والإسرائيلي يرتكب مجازر أيضاً في الضفة ويريد ضمها وتهجير أهلها، والرئيس الأميركي يوافق على ذلك. "إسرائيل دولة صغيرة ويجب أن تتوسع"، على حد قوله. ثانياً: ما علاقة لبنان بهذا الأمر والموقف الأميركي كان واضحاً من الأساس برفض الربط بين القضيتين؟ أجاب السيد ويتكوف قائلاً: "حذرت الجميع في القمة العربية، وقدمت مشروعاً يوصل إلى صفقة سلام دائم ونستطيع نزع سلاح "حماس"، والنقاش حول سلام يجعل "حماس" أكثر واقعية"! وأضاف، وهنا بيت القصيد: "تخيلوا لو طبّع لبنان علاقاته مع إسرائيل، وطبّعت سوريا ووقعت السعودية اتفاقية تطبيع مع إسرائيل بعد تحقيق السلام في غزة. فهذا سيؤدي إلى إنشاء تحالف بين دول الخليج، التي ستعمل لضمان الاستقرار الإقليمي في المنطقة". والسلام في غزة عنوانه "الريفييرا"، أي تهجير الفلسطينيين. لا شك في هذه النوايا الإسرائيلية- الأميركية، لكن ما يعنينا نحن كلبنانيين، ماذا لو تأخر تحقيق هذا "السلام"؟ هل نبقى أسرى الضغوط والشروط والعمليات العدوانية الإسرائيلية والتوسّع، واستباحة الأرض والجو من قبل إسرائيل، ويبقى الناس يطالبون بـ"حق العودة" إلى ديارهم، من دون أي جواب أو اهتمام؟ أليس في ذلك استهداف للأمن والاستقرار والسلام والازدهار في البلاد؟
واضح أن إسرائيل تريد "وحدة ساحات" لجرّ لبنان وسوريا والسعودية إلى التطبيع معها، على قاعدة دفن القضية الفلسطينية وفرض الشروط التي تضمن هيمنتها وإضعاف كل الآخرين!
مسؤوليتنا في لبنان قراءة ما يجري بشكل دقيق، فوق الحسابات السياسية الضيقة والأحقاد التي تسيطر على كثيرين وتوجّه حركتهم ومواقفهم وغاياتهم، والعمل على تشكيل موقف وطني جامع، يؤكد الالتزام بالقرارات الدولية وتنفيذها، وباتفاقية الهدنة مع إسرائيل، صوناً لوحدة لبنان ومستقبله الآمن.ما جرى مؤخراً لجهة إطلاق صواريخ من الجنوب في اتجاه الأراضي المحتلة لا يخدم إلا المصلحة الاسرائيلية. وأياً تكن الأسباب والأهداف الكامنة وراءه والجهات المنفذة، فهذا عمل لا يحمل إلا التهوّر ويعرّض البلد ووحدته لمزيد من المخاطر، ولا يساعد على تحقيق موقف موحّد لمواجهة المخاطر الكبيرة التي أشرنا إليها، والتحذيرات التي أطلقها بوضوح السيد ويتكوف والتطبيع الذي تصرّ على فرضه إسرائيل ونتائجه الكارثية المعروفة سلفاً، وهي ترى ما حققته فرصة لا تتكرر ولا تريد تفويتها.