جدّد البطريرك المارونيّ بشارة الراعي تأكيده على دور الكنيسة في تعزيز الوحدة الوطنيّة والمصالحة الشاملة في لبنان. وشدّد، في عظته الّتي ألقاها خلال قدّاس الأحد في الصرح البطريركيّ في بكركي، على ضرورة التمسّك بأسس العيش المشترك الّتي تضمن شرعيّة السّلطة، وفقًا لما ورد في مقدّمة الدستور. واعتبر أنّ لبنان اليوم بحاجة ماسّة إلى تنقية الذاكرة من الأحقاد والنزاعات السابقة، تمهيدًا لبناء مستقبلٍ مشترك يعيد للدولة هيبتها وللمجتمع استقراره.المصالحة الوطنيّةورأى الراعي أنّ "كلمة رئيس الجمهوريّة جوزاف عون، الّتي ألقاها في إفطار دار الفتوى، جاءت وجدانيّة، مستندةً إلى نصَّين دستوريَّين أساسيَّين. الأوّل، ما ورد في مقدّمة الدستور: "لا شرعيّة لأيِّ سلطةٍ تناقضُ ميثاقَ العيشِ المشترك"، والثاني ما تنصّ عليه المادة 95: "رئيسُ الجمهورية هو رئيسُ الدولة ورمزُ وحدةِ الوطن". وقال: "استنتج الرئيس من النصّ الأوّل أنّ شرعية أيّ سلطة في لبنان – كيانًا ووطنًا ودولةً – تكمن في أن نكون معًا، نصلي معًا، نقاوم معًا، ونفرح ونحزن معًا. كما استنتج من المادة 95 أنّ دور رئيس الجمهورية، بوصفه رمزًا للوحدة، يفرض أن يكون الجميع تحت سقف الدولة والوطن والميثاق". ليؤكد: "أنّ وحدة اللبنانيّين هي أغلى ما يملكون، وقوّتهم، وسلاحهم الأمضى، وثروتهم الأغنى، وخيرهم الأبقى. فمن خلال وحدتهم، يمكن إعادة بناء ما دُمِّر وزرع الفرح في عيون الأبناء والأمل في نفوسهم".
وخلال قدّاس الأحد، لفت البطريرك الراعي إلى أنّ كلمة الرئيس جديرة بأن تكون في يد كلّ مواطن وكلّ مسؤول في الدولة، لأنّها تقدّم تفسيرًا أفضل وأوضح ووجدانيًّا لهاتين المادتين الدستوريتين. وأوضح أنّهما بمثابة دعوة صريحة إلى تنقية الذاكرة من رواسب الماضي المؤلم والجارح، تمامًا كما دعا القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسوليّ "رجاء جديد للبنان"؛ حيث كتب: "بعد سنين من الآلام وفترة الحرب الطويلة الّتي عرفها لبنان، يُدعى شعبه وسلطاته الحاكمة إلى القيام بمبادرات شجاعة ونبويّة في سبيل الغفران وتنقية الذاكرة. من المؤكَّد أنه يجب إبقاء ذكرى ما حدث حيّةً، كي لا يتكرّر ذلك أبدًا… لا يمكن إعادة بناء مجتمع ما لم يسعَ كلّ من أفراده وعائلاته ومختلف الجماعات التي تؤلّفه، إلى الخروج من العلاقات النزاعية التي وصمت زمن العنف، وإلى إخماد كلّ رغبة في الانتقام".
وفي ختام عظته، أكّد البطريرك الراعي "ضرورة البدء معًا في تنقية الذاكرة عبر حوارٍ صادقٍ وصريحٍ، والعمل على التقارب وتعزيز المشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة، بهدف إنقاذ لبنان وإعادة بنائه وطنًا للرسالة. ورأى أنّ تحقيق هذا الهدف يتطلّب التزامًا جماعيًّا يتمثّل في العمل على الأسس الجوهريّة بروح الوحدة، وفي المسائل التفصيليّة بروح الحريّة، وفي كلّ الأمور بروح المحبّة". وختم بالتشديد على أنّ "تنقية الذاكرة عمليّة شجاعة ومتجرّدة في آنٍ معًا، بيد أنّها ضروريّة للجميع، لكونها المدخل الوحيد إلى الوحدة الوطنيّة والاستقرار النفسيّ والأمنيّ والاجتماعيّ".