شكلت المجريات الخطيرة التي شهدها الجنوب أمس الحدث الأشد خطورة منذ اعلان ما سمي “اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل” في 27 تشرين الثاني من العام الماضي.
ومع أن مئات الاختراقات الإسرائيلية المتمادية يوميا لهذا الاتفاق الى جانب استمرار إسرائيل في احتلالها لخمس تلال لبنانية حدودية واختراقات عدة للاتفاق علنية وضمنية من الجانب اللبناني سجلت على امتداد المرحلة السابقة، شكل الاهتزاز العنيف والواسع لشبه الهدنة الهشة التي أحدثها ذاك الاتفاق الخطر الأوسع لانهيار الوضع القائم منذ اعلان الاتفاق.
وجاء في افتتاحية “النهار”: لعل مكمن الخطورة الكبرى تمثل في استحضار جهة مشبوهة ظاهرة الصواريخ المجهولة الهوية والمصدر والمكشوفة الأهداف لاستهداف إسرائيل من جنوب الليطاني ووضع لبنان الرسمي عهدا وحكومة وجيشا في مهب امر واقع شديد الوطأة بين فكي كماشة بما ينذر بأوخم العواقب فيما لو عجزت الدولة عن مواجهة هذه الخطة الخبيثة التي يراد منها إعادة استباحة الوضع بمجمله مع تسارع خطر احتمالات تجدد الحرب الإسرائيلية على الجنوب ومناطق لبنانية أخرى في العمق بما فيها بيروت نفسها وفق تهديد وزير الدفاع الإسرائيلي بمعادلة “بيروت مقابل المطلة”.
ما زاد التعقيد والغموض أن “حزب الله” المشتبه البديهي الأول بقصف الصواريخ، سارع الى نفي أيّ علاقة له بإطلاق الصواريخ واكد “وقوفه خلف الدولة اللبنانية في معالجة هذا التصعيد الصهيوني الخطير على لبنان”، مؤكداً التزامه باتفاق وقف إطلاق النار”.
إلى ذلك، اعتبرت اسرائيل نفسها التي أعلنت الاغارة على مواقع لـ”حزب الله” انه “لا يمكن الان التحقق من هوية الجهة التي اطلقت الصواريخ” مدرجة الامر في سياق الخرق الخطير لتفاهمات وقف اطلاق النار مهددةً بالتحرك ضد الخرق من لبنان او الرد عليه.
وعكست المواقف الفورية التي أعلنها كل من رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام من هذا التطور الخطير ان الدولة اللبنانيةالموضوعة تحت المجهر الدولي، لاثبات قدرتها على السيطرة على الارض ليست في وارد تمرير المؤامرة والسكوت عنها بما يعني ، وكما كشفت مصادر موثوقة لـ”النهار” ان ثمة تطورات كبيرة ستقبل عليها البلاد منعا لاعادة عقارب الساعة الى الوراء مشددة على ان الكثير من أهداف هذا الافتعال يستهدف إنجازات كبيرة حققها الجيش في جنوب الليطاني وستستكمل حتى النهاية بتصميم اكبر وأصلب .
وما عزز الاتجاهات الرسمية لاحتواء الموقف ان قوة “اليونيفيل” أعلنت “أننا أبلغنا لجنة مراقبة وقف النار مدى التقدم الذي أحرزه الجيش اللبناني في الجنوب وان المنصات التي استخدمت في إطلاق الصواريخ على إسرائيل بدائية جدا وننتظر من الجميع الالتزام الكامل بوقف النار وإنهاء الانتهاكات والجيش اللبناني انتشر في غالبية القرى الجنوبية”.
وتابعت المصادر بأنّ الأوامر أعطيت للجيش والقوى الأمنية بالتشدّد جنوباً ومنع أي عمل قد يجرّ البلاد إلى جولة جديدة من الحرب.
في حين أظهرت التحقيقات الأولية التي باشرتها الأجهزة الأمنية، أنّ إطلاق الصواريخ تمّ بطريقة بدائية، وأنّ الجهة التي تقف وراءه ليست محترفة، وقد يكون المسؤول فصيل لبناني أو فلسطيني أو حتى طابور خامس يريد تفجير الوضع.
وأكدت مصادر رسمية أنّ الرئيس عون ومعه الحكومة، مستمرّون بالرهان على الدبلوماسية، وإضافة إلى واشنطن، أجريت اتّصالات مع الفرنسيين لتطويق ذيول إطلاق الصواريخ من الجنوب، وقد كان الموقف الفرنسي منسجماً مع الأميركي، لجهة السعي للجم التوتر ومنع توسّع دائرة الحرب.
ويكفي الاشارة في هذا المجال الى انه نفذ ما يزيد عن 1500 اعتداء وخرق منذ اعلان الاتفاق كما عبر الرئيس نبيه بري في تصريحه. ويكفي ايضا ان هذا العدو ما زال يحتل اجزاء من المناطق الحدودية الجنوبية بحجة اصراره على الاحتفاظ بنقاط استراتيجية خمس.
ولفت الى ان “الحزب لا يعلق عادة على مثل هذه الحوادث والاعمال، لكنه حرص امس على اصدار بيان نفي واضح وحاسم لاسقاط كل الحجج الذرائع لاستمرار الاعتداءات الاسرائيلية”.
من ناحيته، قال مصدر امني لـ”الشرق الاوسط” إن وحدات الجيش رفعت عينات من منطقة الإطلاق، وبدأت بتحليلها، وكذلك تحليل المعطيات الأمنية المتوفرة، وسترفع تقريرها للسلطة السياسية فور جهوزها.
ورفض مسؤول لبناني (رفض ذكر اسمه) تحديد المسؤوليات “بتسرع”، قائلاً إن المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ استعملت خلال ما عُرف بـ”حرب الإسناد” من قبل منظمات فلسطينية أطلقت صواريخ باتجاه إسرائيل. ومع هذا قال المسؤول اللبناني إن هناك أكثر من جهة غير لبنانية قد تُوجَّه لها أصابع الاتهام.
مع هذا، فقد ذكر مصدر نيابي لـ “الأنباء الكويتية” أنه “من الواضح ان موضوع السلاح يحتاج إلى مزيد من الوقت والنقاش، نظرا إلى تشابك الأمور ووجود تنظيمات مسلحة عدة خارج إطار الشرعية”، وأضاف: “الجميع في الخارج والداخل يتفهم ذلك. والمطلوب التزام جدي من الدولة بإنجاز المهمة والبدء بخطوات عملية في هذا المسار يطمئن اليها الجميع في الخارج قبل الداخل ليبنى عليه، وربما في هذا الإطار جاءت مواقف رئيس الحكومة”.
وكان التوتر الشديد ساد الوضع الجنوبي بعد إطلاق 5 صواريخ اخترقت 3 منها المجال الجوي وتم اعتراضها، بحسب مصدر عسكري اسرائيلي. ما دفع باسرائيل الى شن هجمات جوية واسعة، عبر سلسلة غارات استهدفت منطقة الصالحاني عند أطراف بلدة بيت ليف في قضاء بنت جبيل، والوادي الواقع عند اطراف طيرحرفا، واطراف بلدة عين قانا وبصليا، وبركة الجبور، وأطراف كفرحونة، والريحان، والمحمودية عند اطراف العيشية في منطقة جزين.
وطالت سلسلة من الغارات فاق عددها الثلاثين اطراف بلدة سجد ومرتفعات جبل صافي وجبل الرفيع ومحيط مليتا واطراف عين قانا وكفرملكي في منطقة اقليم التفاح. كذلك، نفذ الجيش الاسرائيلي غارة تزامنت مع الغارة الاولى حيث استهدفت وادي زبقين في القطاع الغربي. وأدت غارة استهدفت بلدة تولين الى تدمير منزل، واستشهاد شخصين من بينهما طفلة وإصابة 8 بجروح.
وعلى أثر إطلاق الصواريخ أجرى الجيش اللبناني عمليات مسح وتفتيش وعثر بنتيجتها على 3 منصات صواريخ بدائية الصنع في المنطقة الواقعة شمال نهر الليطاني بين بلدتَي كفرتبنيت وأرنون – النبطية، وعمل على تفكيكها. واشار الى ان الوحدات العسكرية تستمر في اتخاذ التدابير اللازمة لضبط الوضع في الجنوب.
ومساء امس أغار الطيران الحربي الاسرائيلي على مدينة صور للمرة الأولى منذ وقف النار حيث أدت الغارة الى إصابة أربعة اشخاص بجروح .
كذلك، تجددت الغارات على أودية في إقليم التفاح ونهر دير الزهراني وتوسعت الى غارات على سهل النبي شيت والهرمل في البقاع الشمالي.