2025- 03 - 23   |   بحث في الموقع  
logo جنبلاط لعرب 48: احذروا! logo إسرائيل وحدها المستفيد فمن أطلق الصواريخ؟ logo إعادة بناء المؤسسة العسكرية في سوريا بعد سقوط الأسد logo المطران جاك مراد لـ"المدن": الإعلان الدستوري مشكلة للمسلمين logo الأساتذة يصعدون: بدلات الإنتاجية مقابل التراجع عن الإضراب logo مشروع إعادة الإعمار: هل يفاقم التجاوزات الزبائنيّة؟ logo التعيينات القضائية دونها الاتفاق على المدعي العام المالي! logo نتنياهو: إسرائيل ستبقى ديمقراطية رغم إقالة رئيس الشاباك
"نُص الشعب اسمه محمد" يكرس خطاب النظام...العيب في الناس!
2025-03-22 12:25:44

يقول جورج برنارد شو أن "الاعتماد على المصادفات علامة على ضعف الحبكة"، ويرى غوستاف فلوبير أن "الفن لا يقبل المصادفات، بل يخلق الضرورة". ولا يحتاج صنّاع مسلسل "نص الشعب اسمه محمد" ولا متلقوه، أن يعرفوا أياً من الكاتبَين ليدركوا أن سلسلة من المصادفات العشوائية لا تصنع بناء درامياً متماسكاً.
يتناول المسلسل المكون من 15 حلقة، ويعرض في النصف الثاني من رمضان (إنتاج منصة "شاهد")، قصة زوج شاب يضيق بحياته الزوجية، فيقرر الاقتران بزوجة ثانية من دون علم زوجته الأولى أو عائلتها. غير أن امرأة ثالثة تستغل هذا الوضع لتجبره على الزواج منها أيضاً.وفي خضم العلاقات المتشابكة بين هذه العائلات الثلاث، تحرك الحبكة سلسلة لا نهائية من المصادفات العشوائية، التي يفترض أن تكشف خداع الزوج، لكنها في كل مرة تؤدي إلى نجاته بطريقة تبدو قدرية. ورغم تكرار المصادفات، يبدأ المشاهد في توقع نجاته، ما يبدد أي قدرة لها على إثارة فضوله، بقدر ما يسعى إلى ترسيخ مجموعة من الكليشيهات والتصورات الجاهزة حول القدر والمجتمع المصري على حد سواء.وتبدأ التصورات الجاهزة منذ عنوان المسلسل الذي يلعب بطولته عصام عمر ويُخرجه عبد العزيز النجار، عن نص لمحمد رجاء. ويسعى العنوان للإيحاء بأن الأمر لا يقتصر على تشابه الأسماء حين تدرك كل عائلة أن زوج أو خطيب ابنتها يدعى محمد، بل يتجاوز ذلك إلى الإشارة إلى أن معظم أفراد المجتمع يشبهون محمد في خداعه، معتبرين ذلك نوعاً من "الشطارة".فحماة الزوج الأولى تتلاعب بعواطف خاله، والثانية جشعة، وزوجته الأولى كاذبة ونكدية، وخطيبته المفترضة تتلاعب بمشاعر ابن خالتها، والمرأة التي تستغله هي الصديقة المقربة لخطيبته. ليس ذلك فحسب، بل حتى والدته، التي تبدو في البداية صادقة ومستقيمة، تلتزم الصمت إزاء الحقيقة، وتمتنع عن مواجهته أو كشف زيفه لأهل زوجته أو خطيبته.هذا الطرح لا ينفصل عن الخطاب الذي سعت الأنظمة المصرية إلى ترسيخه، وهو أن "العيب في الناس"، حيث يسود تصور بأن المجتمع نفسه فاسد، وأن الجميع "يأكلون بعضهم بعضاً". أما المصادفات المتكررة في المسلسل، فهدفها ترسيخ الفكرة التي تروج بأن القدر ينصب الفخاخ للمخادع، ويمهله حتى يقع في شركه بنفسه، ليترسخ في النهاية الاعتقاد بأن الحل الوحيد للأزمة يكمن في تدخل القدر وحده. ولا يتم تقديم ذلك مثلاً ضمن إطار أوسع لمناقشة أخلاقيات المجتمع والأخلاقيات الفردية بوصفهما أمرَين مختلفَين، بقدر ما يحاول تقديم الكليشيه الرسمية.والحال إن الدراما الحقيقية في قصة من هذا النوع، رغم كلاسيكيتها، من الأجدى أن تبدأ عندما يكشف الكذب منذ البداية ويحدث الصدام كما هو في "فيلم الزوجة 13"، الذي كان، إلى جانب خفة ظله والسيناريو المحكم فيه، فيلماً تقدمياً ينتصر في النهاية للمرأة. ويأتي مسلسل "نص الشعب" على النقيض تماماً، حيث ينتصر للرجل الرجعي.وصديقة الزوجة، التي تحثها على الدفاع عن فرديتها، توصف بأنها "خرابة بيوت"، وخلع الحجاب لا يحدث إلا كاستجابة لضغوط رأسمالية أو سلطوية، وليس كخيار شخصي أو تعبير عن الاعتداد بالذات. ورغم أن المسلسل ينتقد سلوك البطل المخادع، فإن تبريراته المتكررة بأنه يمارس حقه الشرعي في الزواج، تمر من دون تفنيد حقيقي، كما أن العلاقة الثالثة التي يخوضها تحدث في إطار الزواج العرفي وليس عبر الخيانة أو علاقة خارج إطار الزواج، ما يعزز بشكل غير مباشر تقبل هذا النمط من السلوك عبر تقديمه في إطار "شرعي".وفي غياب أي مواجهة حقيقية لهذه التبريرات، يرسخ المسلسل لفكرة أن زواج الرجل بامرأة ثانية من دون علم زوجته الأولى، أمر عادي، لأن الزوجة دائماً تتحمل اللوم، إما لأنها متطلبة أو لأنها لا تهيئ لزوجها حياة هادئة، وهي الصورة الفعلية التي تظهر عليها زوجته "مي"، كذلك، يصور الرجل على أنه شخص تافه وعاطفي وأجوف وينجرف بسهولة وراء رغبته اللاهثة في الحصول على التقدير والاعتراف، وخلف رغباته وشهواته.وكما يقول أرسطو في "فن الشعر": "يجب أن تكون الحبكات مقنعة، لا مجرد سلسلة من الصدف، لأن ما يحدث بالضرورة أو بالاحتمال أقوى تأثيراً مما يحدث بالصدفة"، فمواجهة المجتمع بعواره لا تتحقق بمجرد النوايا الطيبة، ولا عبر ترسيخ الكليشيهات وتكرار العبارات المستهلكة من دون تفنيدها.وحتى مع التسليم جدلاً بفساد المجتمع، فإن انتقاده لا يقتصر على مجرد الإشارة إليه، أو الاكتفاء بترداد مقولة أحمد زكي الشهيرة في "ضد الحكومة": "كلنا فاسد، لا أستثني أحداً حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة"، بل يتطلب الأمر اصطداماً حقيقياً بهذه المعتقدات، وتأملاً عميقاً لها من خلال بناء درامي حقيقي ينطلق من أسئلة ونقاشات جوهرية.ولم يعد مقبولاً، في ظل القدرة الإنتاجية التي توفرها المنصات، الاستمرار في إعادة تدوير المقولات الثابتة والمستهلكة، لأن الأمر لا يتعلق فقط بفقر الوعي، بل يصل إلى درجة من الاستسهال غير المفهوم الذي يفرغ الأعمال الدرامية من أي قيمة حقيقية.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top