2025- 03 - 23   |   بحث في الموقع  
logo جنبلاط لعرب 48: احذروا! logo إسرائيل وحدها المستفيد فمن أطلق الصواريخ؟ logo إعادة بناء المؤسسة العسكرية في سوريا بعد سقوط الأسد logo المطران جاك مراد لـ"المدن": الإعلان الدستوري مشكلة للمسلمين logo الأساتذة يصعدون: بدلات الإنتاجية مقابل التراجع عن الإضراب logo مشروع إعادة الإعمار: هل يفاقم التجاوزات الزبائنيّة؟ logo التعيينات القضائية دونها الاتفاق على المدعي العام المالي! logo نتنياهو: إسرائيل ستبقى ديمقراطية رغم إقالة رئيس الشاباك
مسلسل "النُص": وطنية خفيفة الدم
2025-03-22 11:55:49

مسلسل "النُص" الذي عرض في النصف الأول من رمضان هذا العام، يستلهم النص الأدبي "مذكرات نشال" للصحافي حسني يوسف. وهو النص الذي يروي على لسان نشال باسم عبد العزيز، كتفاصيل يفترض أنها حقيقية، لحياته ومغامراته في عالم الجريمة. نُشرت المذكرات للمرة الأولى في "جريدة صوت الشعب" العام 1927، ولاحقاً جُمعت وصدرت في كتاب بالعنوان نفسه في العام 2023، بمقدمة للباحث أيمن عثمان، الذي رجح أن المذكرات من تأليف حسني يوسف، مما يعني أن "النُص" شخصية خيالية.
بهذا المعنى يكون للنص الأدبي ثلاثة مؤلفين، النشال المفترض أنه ذهب بنفسه إلى مقر الجريدة في العام 1924 ليروى قصة سقوطه في عالم الجريمة وتوبته اللاحقة، وهي الشخصية التي لا نستطيع الجزم بوجودها من عدمه. والثاني هو الصحافي الذي نقل رواية النشال الشفهية إلى نص مكتوب في متناول قراء الجريدة، وبعد ما يقرب من مئة عام، يأتي الباحث ليعيد نشر النص مضافةً إليه مقالات صحافية عن ظاهرة النشل نشرت حينها، بغية تقديم وثيقة تاريخية عن تلك المدّة، وإن كانت وثيقة يشوب تاريخيتها الكثير من الخيال.يضعنا هذا أمام ثلاثة نصوص. أولها، مفترض أو مفقود. وكذلك أمام ثلاثة وسائط، حين ينتقل النص من الشفهي إلى المطبوع، ومن صفحات الجريدة إلى كتاب. وبذلك يحيلنا إلى أسئلة حول ما يفعله نص بنص آخر، كيف يختلقه أو يضيف إليه أو يحوله إلى وثيقة من نوع آخر.ويضيف المسلسل الذي يقوم ببطولته أحمد أمين، طبقة رابعة من إعادة الكتابة، أو بمعنى آخر من استمراريتها، ويزيد وسيطاً رابعاً تلفزيونياً يفتح ساحة أوسع وأكثر تعقيداً تتلاقح فيها النصوص وتتحول وتتداخل بالصوت والصورة. ويمنح النص المكتوب نوعاً من شرعية للمسلسل، فالحلقات تنتهي دائماً بتنويه يشير إلى أن سياق الأحداث له أصل تاريخي. وهو كذلك في معظم الأحيان، وإن كان المسلسل في مجمله يستلهم المذكرات بانتقائية كبيرة، مكتفياً بالخطوط العريضة لحياة البطل، أي عمله في وظيفة متواضعة في مصلحة الترام قبل أن يعود إلى النشل بسبب الضائقة الاقتصادية في زمن الحرب العالمية الأولى، وكذلك يستلهم الروح الوطنية التي بثت في النص الصحافي بمعايير زمنه في عقد العشرينيات من القرن الماضي. لكن "النُص" لا يمكن اعتباره اقتباساً للمذكرات بأي حال، بل باروديا تحاكي بشكل ساخر الأفلام الوطنية في الحقبة الناصرية، تلك التي تناولت النضال ضد الاحتلال البريطاني. فالنشال في المسلسل، ومن دون سند في النص المكتوب، يتزعم تشكيل عصابة يتحول مع الوقت إلى استهداف رموز الاحتلال ومؤسساته وسط ملابسات كوميدية، كسرقة شركات المرافق المملوكة لأجانب وماسة كاهينور الملكية، وتفجير معسكر للجيش البريطاني بالصدفة، والتصدي لمحاولة سرقة آثار فرعونية من قبل تجار آثار أوروبيين. المطاردة بين ضابط الشرطة واللص، تنقلب باكراً إلى تواطؤ بينهما لمواجهة الاحتلال. فتحت الراية الوطنية، تذوب الفوارق الطبقية والتراتبيات والعداوات، ويتحد الجميع في مواجهة المعتدي الأجنبي.
والحال أن "مذكرات نشال" هي مجرد نقطة الانطلاق للمسلسل، بينما تبدو حبكات حلقاته منتسبة إلى تراث تلفزيوني وسينمائي ثري ومتنوع. فطبيعة المطاردات بين العصابة الصغيرة وسلطات الأمن والاحتلال، تذكرنا بمسلسل أقدم هو "علي الزيبق" حيث الدخلاء هم المماليك، الأزياء والديكورات المتقنة تبدو نَسخاً مبهراً وملوناً وتفصيلياً منقولاً من أفلام الريحاني أوالثنائي فريد شوقي والمليجي، على غرار أغنية المقدمة التي تهتف بحياة الحرافيش، كما تحيلنا إلى الأفلام المقتبسة عن روايات نجيب محفوظ، فتذكرنا بأغنية الحشاشين لسيد درويش وانعطافتها الوطنية المفاجئة نحو خاتمتها.أيضاً يذكرنا "النُص" بمسلسل "فيفا أطاطا" (2014) بطولة محمد سعد، الذي يقدم محاكاة ساخرة لمجمل التراث السينمائي المصري، وفي قسمه الأخير يتخصص في فترة النضال من أجل الاستقلال. لكن، على خلاف "فيفا أطاطا"، الذي استهدفت سخريته زعزعة وقار الرصيد الوطني والهوياتي، فإن كوميديا "النُص" أليفة ومروضة، وعلى العكس ترسخ السردية الوطنية كما هي، تلك السردية التي يصعب اليوم تمريرها درامياً، لكن يبدو من السهل قبولها في قالب كوميديا تاريخية.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top