2025- 03 - 23   |   بحث في الموقع  
logo جنبلاط لعرب 48: احذروا! logo إسرائيل وحدها المستفيد فمن أطلق الصواريخ؟ logo إعادة بناء المؤسسة العسكرية في سوريا بعد سقوط الأسد logo المطران جاك مراد لـ"المدن": الإعلان الدستوري مشكلة للمسلمين logo الأساتذة يصعدون: بدلات الإنتاجية مقابل التراجع عن الإضراب logo مشروع إعادة الإعمار: هل يفاقم التجاوزات الزبائنيّة؟ logo التعيينات القضائية دونها الاتفاق على المدعي العام المالي! logo نتنياهو: إسرائيل ستبقى ديمقراطية رغم إقالة رئيس الشاباك
في غربة السلطة الجديدة عن سوريا
2025-03-22 10:55:51

لا معلومات معلنة في سوريا حول تسيير الأمور الحكومية فيها. فمثلاً، ألغى الإعلان الدستوري منصبَ رئاسة الحكومة، وهناك حكومة لها رئيس يُفترض أنها حكومة تصريف أعمال انتهت مدة ولايتها، التي قيل إنها لثلاثة شهور. ولا يُعلم شيء عن مصير الحكومة المقبلة التي سيرأسها السيد الشرع بموجب النظام الرئاسي الجديد، مع أن بعض زواره كان قد نقل عنه نية تشكيلها في بداية الشهر الجاري، ثم رشحت أخبار عن رجال أعمال سيكونون من ضمنها، وسرعان ما نفوها.يُذكر أن الحكومة الحالية تجاوزت (بكثير من القرارات والإجراءات) ما تكون عليه حكومات تصريف الأعمال عادةً، لكن لا يوجد نقاش سوري عام حول التخبط في ملفات أساسية خاصة بالدولة السورية. ومنذ تسلمت السلطة الجديدة مهامها هناك تيار، هو الأعلى صوتاً، يريد إسكات أي صوت نقدي. السلطة نفسها تبدو، بالمقارنة مع مناصريها، أكثر تسامحاً مع النقد، ولو من باب تجاهله، بعدما سعت في أيامها الأولى إلى الإيحاء بأنها تتابع حتى ما يُنشر عنها في السوشيال ميديا. التيار الجارف للمتطوعين يتكفّل أيضاً بحرف أي نقاش عن موضعه وعن أهدافه، ومن ثمّ تسخيفه لجعل السلطة أعلى من أن تكون موضع بحث وتدقيق.
مما لم يُطرح للتفكير موضوع غربة السلطة الجديدة عن سوريا. نعلم أن هناك من سيصرخ مستنكراً: وهل كانت سلطة الأسد تمثّل السوريين وقريبة منهم؟ في الجواب: بالتأكيد، نشأ بشار الأسد في كنف القصر، وتربّى مع أشباهه من أبناء السلطة، ولم يكن في أي يوم ابناً لسوريا وقد رأينا حصيلة ذلك.بالعودة إلى غربة السلطة: هذا كلام لا يضير السلطة إذا أريد أخذه بواقعية، فالأكيد أن السوريين، بسبب انقسامهم بين خمس سوريات، صاروا غرباء عن سوريا الجامعة بحدودها المعترف بها دولياً. الذين أتوا مع السلطة من إدلب إلى دمشق قد يكون كثر منهم يرى العاصمة لأول مرة في حياته، ولم يتعرّف عليها من قبل كمدينة للعيش، فهي بالنسبة له عاصمة ترمز للسلطة فحسب. لو حدث العكس، أي ذهاب شوام إلى إدلب لأول مرة، واستقرارهم فيها كسلطة، لكانت المقاربة ذاتها.
اليوم هناك سلطة أتت في ظروف استثنائية جداً، والعديد من قادتها لم يجرّبوا العيش الطبيعي في سوريا موحّدة. هي سلطة لون واحد، كما لا تخفي هي نفسها ذلك، وهذا اللون الأيديولوجي لا يساعد في إسباغ الواقعية على أصحابه، لأنهم محكومون بأفكار تدعو إلى تغيير الواقع أكثر بكثير من فهمه والتصالح معه. قد يمكن مع الوقت تدارك غربة الوافدين مع السلطة إلى دمشق، لكن متطلبات الحكم لا تنتظر، وسيبقى الصدْع قائماً مع باقي الأصقاع. لا يكفي الكلام والشعارات الجامعة، وحتى النوايا الطيبة، لرأب هذا الصدع السوري، لذا لا مفرّ من شراكة حقيقية، الشراكة التي يجدر بالسلطة إدراك ضرورتها وأبعادها، فلا تكتفي بشراكة مطلوبة منها خارجياً، أو بشراكة تستقطب الانتباه لكونها شراكة مناصب هي بطبيعتها تحت الأضواء. هذا النوع كان العهد البائد قد أتقنه أيضاً، وأحياناً بإجرائه محاصصة غير معلَنة، فضلاً عن أن طول بقائه أتاح له النفاذ إلى العديد من البيئات الأهلية والتعاطي مع شيوخها أو زعاماتها التقليدية، على حساب منطق الكفاءات والشراكة الحقيقية.
هناك اليوم في السلطة الجديدة وزراء لم يختبروا التدرّج في المناصب، واكتساب الخبرة من خلال ذلك؛ هذه أول وظيفة عامة لهم، ولم يصلوا إليها أيضاً بالانتخابات التي هي بمثابة مران على الديموقراطية وتحمُّل مسؤولياتها. مع ذلك، لا أحد الآن ينافس هذه السلطة، خصوصاً مع القناعة السائدة بأنها أتت بالتفاهمات الدولية التي أذنت بإسقاط سلفها. أي أن الشراكة التي يطالب بها كثر ليست شراكة سياسية، ولا منافسة لها على موقعها المكتسب دولياً وإقليمياً.بالتأكيد، هناك طامحون إلى الحصول على قطعة أو فتات من كعكة السلطة، وهؤلاء يبذلون جهودهم للتقرّب منها. من جهتها، تلاقي السلطة جهودهم إذ تستقبل بعض من يذهب إليها، بما يوحي باستئناف أسلوب الاستزلام المعروف. وحتى إذا أخذنا بالحسبان الرغبة العميقة بالاستئثار بالسلطة، لدى أهلها، فلديهم فرصة الاحتفاظ بالمستوى الأعلى، والمشاركة على أساس الكفاءات في المستويات المتوسطة، أما الإمساك بجميع المفاصل والهيمنة التامة، فهي وصفة لاستمرار الخراب السوري المعمم.
وفق منطق الاستئثار، ستكون سوريا بلداً طارداً لما تبقى فيها من كفاءات، ولن تجتذب إلا ندرة ممن غادر بفعل المنطق ذاته. هذا المنطق يتنافى أصلاً مع منطق الدولة التي يجب أن تكون عمومية، وأن تكون وطنية. فلا دولة بالمفهوم الحديث المعاصر ما لم يكن جسدها مُلكاً عاماً، وتداولُ السلطة لا يمسّ بمبدأ عمومية الدولة، واحتكار السلطة لفئة ما ليس محتّماً أن يكون مساوياً لتغوّلها على الدولة بأكملها. أما وطنية الدولة فتمرّ عبر حياديتها إزاء مختلف مواطنيها، حتى إذا لم تكن السلطة محايدة، وهي لا تكون محايدة عادةً.من المؤشّرات غير الجديدة على السوريين (مثلاً) أننا لا نعلم شيئاً عن وجود فئة من المستشارين لدى السلطة الحالية، علماً أن وجود هذه الفئة ضروري جداً إلى جوار المناصب الحكومية العليا التي تخضع عادة لحسابات السياسة. إن أي مسؤول، مهما بلغ من سعة الاطلاع، بحاجة إلى مستشارين حقيقيين من أصحاب الكفاءات، يشعرون باطمئنان إلى أن خبراتهم محل احترام، فلا يضطرون إلى إسماع المسؤول ما يودّ سماعه كما كان يحدث من قبل.
في الواقع لا يبدو أن السلطة الجديدة تتجه إلى إقامة شيء من الفصل بينها وبين الدولة، ومفهوم التكنوقراط الذي يُطرح أحياناً من قبلها شديد التبسيط، ومعظم التعيينات بمستوى أقل من التوافق مع التأويل المبسَّط، في حين أن المطلوب هو بناء دولة حقيقية من الكفاءات الموجودة، وتأهيل المزيد من الكفاءات، خصوصاً من الذين تضرروا بفعل الحرب على مستوى التعليم والمهارات المهنية، فتكريمهم لا يكون بمنحهم مناصب أعلى من إمكانياتهم مثلما يحدث الآن.بالعودة ثانية إلى غربة السلطة، كان يمكن لها التعاون مع المجتمعات المحلية من أجل تلافي تغرّب السوريين المتبادل خلال أكثر من عقد. هذا كان ولا يزال ضرورياً من أجل السلم الأهلي، وأولاً من أجل إفساح المجال لتلك المجتمعات كي تصون سلمها الأهلي، إذ صار معلوماً في معظم الحالات أن الذين ارتكبوا أعمال الثأر أتوا من خارج المجتمعات المحلية. جدير بالذكر أن مئات الناشطين في الساحل وسواه تطوعوا منذ الساعات الأولى لسقوط الأسد من أجل تفادي السيناريوهات الأسوأ، ومنهم من التقى بممثلين عن السلطة الجديدة أظهروا قدراً من الدماثة يفوق الاهتمام وجدية المتابعة المطلوبَيْن.
وعطفاً على تغرّب السوريين المتبادل، يجوز القول أن جزءاً من المشاركة يبدأ بالإقرار بضرورة اعتماد قدر من اللامركزية على صعيدي الإدارة والأمن الداخلي. فالتخوّف من المشاركة هو سمة غير ديموقراطية في الأساس، وهو يغلِّب توحيد البلاد على توحيد أهلها وفق إرادة مشتركة تأتي من ثقتهم بالدولة الوليدة. ورغم كون التغرب المتبادل سمة شائعة في العقد الأخير فهناك شرائح واسعة من عابري الانقسامات الأهلية، وممن يودّون عبورها من خلال دولة وطنية حقيقة، ولا تساعدهم الخطابات التحريضية التي تقوّض الدولة من أساسها، من دون أن تُبدي السلطة إزاءها الحزم الواجب.
لقد منحت السلطة نفسها، بموجب الإعلان الدستوري، سلطات كافية لإعاقة المبادرات الاجتماعية، ولإعاقة أية عملية اصطفاء ديموقراطية. مدة السنوات الخمس ليست طويلة لو كانت على سبيل الإعداد لمستقبل ديموقراطي تداولي، إلا أنها كافية لتقويض حلم الدولة إذا بقي سائداً منطق الاحتكار الذي بطبيعته يلغي عموميتها ووطنيتها.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top