في انتخابات 1996، جرى تعديل قانون الانتخابات النيابية قبل عشرين يوماً فقط من موعد الاستحقاق. وفي أحدث انتخابات حصلت في لبنان، أي في العام 2022، أُقرّ التعديل على القانون في جلسة 28 تشرين الأوّل 2021، ليصبح نافذاً في الثالث من تشرين الثاني 2021. حينها قدّم نوّاب "التيّار الوطني الحر" طعناً، ولم يصدر أي قرار عن المجلس الدستوري، لتعذّر تأمين أكثرية 7 أعضاء، فاعتُبِر القانون نافذاً من 21 كانون الأوّل 2021، أي قبل موعد الانتخاب بأربعة أشهر ونصف الشهر.مسألة الوقت إذًا لا قيمة لها لناحية تعديل أو تغيير القانون الانتخابي، طالما توفّر الإجماع السياسي، وهو ما يحظى بقبول لدى بعض الأفرقاء. رغبة بالتعديل، ألمح إليها كلّ من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام، على قاعدة "تخفيف حدّة التصويت الطائفي وتعزيز التعددية السياسية". يواجَه هذا الطرح باعتراض كبير وإصرار على الإبقاء على القانون الحالي، خصوصاً من القوى المسيحية، وعلى رأسها "القوّات اللبنانية" التي تريد الحفاظ على حجمها التمثيلي الحالي، تحديداً بعد تراجع شعبية "التيّار الوطني الحرّ". ويبدو أن التيّار سيكون أكبر المتضرّرين من الانتخابات المرتقبة، بعد خساراته على مستوى الحلفاء وأبرزهم "حزب الله"، وخوفه من أي تعديل يصبّ في مصلحة الصوتين التفضيليين، ما يرجّح خسارته في عقر داره في البترون، في حال صبّ التحالف المسيحي ثقله بين "القوّات" و"الكتائب" ومجد حرب.اقتراح برّيأخيراً، برز طرح تعديل القانون عبر إدخال صوتين تفضيليين بدل الصوت الواحد (اقتراح الرئيس برّي) في محاولة لكسر جمود استحالة الوصول إلى قانون خارج القيد الطائفي. فلبنان، مهما تبدّلَت الموازين والتحالفات والأهواء التغييرية، يبقى في نهاية المطاف بلداً يُحكَم بالطائفة، إذ تنتخب كلّ مجموعة طائفية مذهبية نوّابها. وبالتالي يُعَدّ طرح الصوتين التفضيليين أبرز التعديلات المتوقّعة على القانون الانتخابي، وتجري الاتصالات واللقاءات بين المكوّنات السياسية على ضوئه، إلا أنّه قد يؤدّي إلى صدام مع الكتل المسيحية. فمن الخاسر ومن الرابح في حسابات انتخابات 2026؟بالنسبة إلى "القوّات اللبنانية"، يعكس القانون الحالي أفضل تمثيل لها، بينما الصوتان التفضيليان يضربان صحة التمثيل، بل تذهب أبعد من ذلك تشدّداً في موقفها. وهو ما يتفق عليه "التيّار الوطني الحر" أيضاً، إذ يعتبر أنّ أي تعديل من شأنه التعدّي على الحضور المسيحي."القوّات" من جهتها تبدو مرتاحة، إذ ستحافظ على حجم الكتلة، مع اطمئنانها لتزايد شعبيتها مع المتغيّرات الحاصلة، ونسجها علاقات في الدوائر التي لم تفلح فيها سابقاً مثل عكّار وبيروت. وطبعاً الحكم في النهاية للصندوق. أمّا "الكتائب"، الحزب الذي يتكيّف مع المتغيّرات، فسينطلق للانتخابات بتعويم من خطاب رئيسه سامي الجميّل، مع التعويل على إحداث خروقات خارج إطار قوّته في بيروت الأولى والمتن.تأزّم وضع "التيّار"على مستوى "التيّار الوطني الحرّ"، يبدو الأمر مختلفاً تماماً. ثمّة توجّه لتحجيم رئيسه النائب جبران باسيل. فالانتخابات باتت على الأبواب، وأزمة "التيّار" مستمرّة منذ تقلّص عدد نوّابه مع انسحاب النوّاب الياس أبو صعب وآلان عون وإبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا من صفوفه. وفي انتخابات 2026، يمكن للتيّار أن يعيد اثنين من نوّابه بدل الذين انسحبوا أو ثلاثة على أبعد تقدير، ما يعني أنّه بجميع الأحوال قد خسر نائباً. يُضاف إلى ذلك أنّه سيخسر النوّاب الذين ربحوا بأصوات "حزب الله" إذا لم يتحالف الحزب معه في بعلبك الهرمل، البقاع الغربي، زحلة وبيروت الثانية، أي النوّاب الذين ربحهم باسيل بأصوات الشيعة. يُضاف إليها أيضاً خسارة من تحالف 8 آذار، وهم ثلاثة نوّاب في الشوف وعاليه، ربحهم في الانتخابات الماضية نتيجة تحالفه مع رئيس "حزب التوحيد العربي" وئام وهّاب ورئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" طلال أرسلان، وحصل "التيّار" حينها من خلالهم على 3 حواصل بسبب الصوت التفضيلي. هذا التحالف لن يدوم اليوم، لأنّه لا مصلحة لوهاب وأرسلان بالتحالف مع التيّار.عملياً، التعديلات التي يسعى بعض الأفرقاء إليها، هي:
أوّلاً: اقتراع المغتربين غير المقيمين: وهذا يُبدّل النتائج في بعض الدوائر.
ثانيًّا: الصوتان التفضيليان: وهو خلافاً لاقتراع المغتربين، لا يُبدّل في النتيجة كثيراً، وفق الباحث في "الدولية للمعلومات" محمّد شمس الدين. في حديثه لـ"المدن" يقول: "الصوتان التفضيليان لا يبدّلان النتيجة جذرياً، فالأحزاب أو الكتل تحافظ على حجمها، ولكن من الممكن أن تخسر مقاعد في محافظات معيّنة".وتخوّف النائب باسيل من الصوتين التفضيليين مردّه إلى احتمال خسارته "مقعده في البترون"، بحسب شمس الدين. ويتابع: "يتخوّف باسيل من تحالف الأحزاب المسيحية كلّها ضدّه، فإذا تحالفت القوّات والكتائب ومجد حرب، سيخسر التيّار مقعد البترون، لكن في المقابل قد يحصل على مقعد في زغرتا".وحتماً، فإنّ عدم تحالف التيّار مع "حزب الله"، سيؤدّي بالتيّار البرتقالي إلى خسارة المقاعد في بعلبك الهرمل، زحلة، البقاع الغربي، راشيا، بعبدا، وبيروت الثانية، مع صعوبة في الحصول على المقعد في جزّين. أمّا ما قد يسعف التيّار في معركته فإمّا قانون الدائرة الفردية أو قانون التسعين، لكن هناك استحالة في العودة إلى تلك القوانين.هل الثنائي في خطر؟على مستوى الثنائي الشيعي، المطلوب اليوم انتخابات يحصل فيها خرق لـ"الثنائي"، وخصوصاً في بعبدا والجنوب وجبيل، "مهما كان الثمن". وعلى الرغم من أنّ حصّة "حزب الله" و"حركة أمل" شبه ثابتة وفق أي قانون انتخابي، لا يزال الحزب قادراً على شدّ العصب الشيعي بعد الحرب واستشهاد الأمين العام السابق السيّد حسن نصرالله. ومعركة 2026 هي معركة الحفاظ على جماهيرية الحزب وقاعدته الشعبية، ومنع حدوث أي خرق في دوائر احتكامه للقرار، في مقابل من يريد كسر الاحتكار الشيعي، وصولاً إلى عزل حزب الله عن القرار السياسي بدعم من قوى دولية وإقليمية، وظهور تحالفات قائمة على معارضة حزب الله الذي يبقى لديه تخوّف من مقاعد مثل بعلبك الهرمل وجبيل، حيث يمكن للقوّات أن تحصد حاصلاً هناك، فيخسر المرشّح الشيعي على لائحة الثنائي جراء معركة طاحنة يخوضها خصوم الثنائي على المقعد الشيعي. ولكن في المقابل سيربح الحزب المرشّح المسيحي، بمعنى أنّ الخسارة ستكون في الهويّة السياسية للمنطقة، فالحزب عموماً خاسر على مستوى الحلفاء، ولكن الكتلة باقية. في المقابل، سيربح الحزب مجدّداً استعادة النوّاب الذين "أعطاهم" للتيّار من الأصوات الشيعية. وبحسب المراقبين، فإنّ العين على دائرة الجنوب الثالثة، واحتمالية تحالف "الحزب التقدّمي الاشتراكي" مع الثنائي، وحينها لن يكون هناك أي خرق في الجنوب الثالثة، في محاولة لاستعادة المقعد الدرزي مقابل النائب مارك ضو. يبقى ذلك بانتظار ما ستؤول إليه الأيام المقبلة بعد سقوط تحالف الحزب والتيّار."المستقبل": اكتساح الشارع السنّي؟بالنسبة إلى تيّار "المستقبل"، فإنّ عودته إلى الساحة السياسية من بوابة الانتخابات النيابية المقبلة تشكّل "ضربة" للتغييريين. ويرجّح مراقبون أن يعود "المستقبل" ويكتسح الشارع السنّي. وفي حال تحالفه مع الرئيس نجيب ميقاتي في الشمال، فإنّ نتائج كبيرة ستصبّ في مصلحته هناك.أمّا على مستوى نوّاب التغيير، فإنّ عودة "المستقبل" قد تلغي في دوائر كثيرة الحالة التغييرية في البلد. في المقابل، يعوّل هؤلاء النوّاب على أصوات المغتربين. يشرح شمس الدين قائلاً: "بالنسبة إلى أصوات الخارج، لو أخذنا مثلاً نتائج 2022 وسحبنا منها أرقام الذين اقترعوا في الخارج، فإنّ النتيجة ستتغيّر: سيخسر الرابحون ويربح الخاسرون. فبحسب نتائج 2022، تتبدّل النتيجة في ثماني دوائر إذا أُزيلت أصوات الخارج. فعلى سبيل المثال، في الدائرة الأولى تخسر سينتيا زرازير ويربح مرشّح القوّات حينها، وفي الدائرة الثانية يخسر فيصل الصايغ وتربح زينة منذر، وكذلك يخسر وضّاح الصادق ويربح خالد قبّاني. وفي صيدا جزّين، يخسر شربل مسعد ويربح إبراهيم عازار".وبحسب شمس الدين، فإنّ المتضرّر من عودة "المستقبل" هم التغييريون، إذ إذا عاد للساحة، سيخسرون كما خسروا أصوات الخارج، على غرار غسّان سكاف وميشال الدويهي وسينتيا زرازير ووضّاح الصادق، وذلك مردّه أيضاً إلى أنّ عدداً من نوّاب التغيير فقدوا الثقة الشعبية.هكذا، ستبدأ "بروفا" الانتخابات انطلاقاً من الانتخابات البلدية والاختيارية، لوجود ترابط وثيق بين الاستحقاقين. وقد تشكّل المرحلة المقبلة منعطفاً حاسماً وتاريخياً للبعض. لا شيء ثابتاً في لبنان، والتجربة خير دليل على ذلك. فهل سنشهد في العام 2026 انقلابات قد تغيّر موازين القوى؟