2025- 03 - 21   |   بحث في الموقع  
logo عون ترأس اجتماعاً أمنياً في قصر بعبدا logo بري: ما من شيء تجمع عليه القوى السياسية كما يجمعون على حق المودعين باستعادة ودائعهم كاملة logo إمساكية شهر رمضان المبارك logo سباق الرئاسة التركية بدأ... "المعارضة" تدعم أوغلو بوجه أردوغان logo متري: البعض يزعم التزامه بالـ1701 أكثر من العبد الحقير logo التعيين قريب جداً... ترسيخ العمل مع الصندوق أولى المهام! logo عبد الله نوه بإقرار الحكومة آلية التعيينات logo بري: ما من شيء تجمع عليه القوى السياسية كما يجمعون على حق المودعين باستعادة ودائعهم كاملة
هل الأمومة ضرورة بيولوجية أم تجربة ميتافيزيقية؟
2025-03-21 14:55:53


إن الأم، ككائن إنساني، ليست مجرد امرأة قادر على الإنجاب، بل هي كيان يتجاوز حدود الجسد ليصبح معنىً متكاملًا للحياة. الأم هي الفكرة الأزلية التي تسكن الوجود، والتجربة التي تظل عصية على الفهم التام، فهل يمكن اختزالها في يوم واحد؟ أم أن كل لحظة على هذه الأرض ما هي إلا احتفاء صامت بحضورها في الزمن؟ حيث كل شيء يبقى خاضعاً للتبدل والتآكل، بينما تبقى الأم الثابت الوحيد في دوامة المتغيرات. إنها النقطة التي يبدأ منها الخط، وهي الامتداد الذي لا ينتهي. في كل نظرة حنان منها تكمن فلسفة الوجود ذاته، الحب الذي لا يطلب مقابلًا، والعطاء الذي لا ينتظر جزاءً، والتضحية التي لا تُقارن.
يقول بعض الفلاسفة إن الحب هو أسمى مظاهر الوجود، لكنه لدى الأم ليس مجرد قيمة أخلاقية أو فلسفية، بل هو جوهرها ذاته. فالأم تتجاوز حدود الإنسانية لتلامس معنى الخلق الأول، حيث لا حاجة للغة أو للمنطق كي تفهمك، ولا انتظار للاعتراف بها كي تعطيك. الأم تخلق عالمًا من الأمان، فتجعل القلق وهمًا، والخوف عبثًا، والزمن بلا قسوة.
إذا تأملنا دور الأم من منظور هيغلي، فسنجدها تجسيدًا لفكرة التناقض الجدلي، فهي تجمع بين القوة والضعف، بين العطاء المطلق والحاجة إلى الاحتواء، بين الوجود كفرد وبين الذوبان في كيان أبنائها. إنها المعادلة التي لا حل لها إلا في ذاتها، والتجربة التي تبرهن على أن الحب وحده قادر على خلق التوازن في عالم يميل إلى الفوضى.
فحين نتأمل فكرة الأم، نجد أنفسنا أمام مفهوم يتجاوز الوجود المادي ليغوص في أعماق الوجود الفلسفي. هل الأمومة هي مجرّد امتداد للغريزة، أم أنها فعل كينوني يتجلى في صورة إنسان؟ هل هي حتمية بيولوجية، أم أنها شكل من أشكال الحرية التي يعبر بها الإنسان عن جوهره؟
إذا عدنا إلى الفلسفة الأفلاطونية، سنجد أن هناك عالمًا مثاليًا تسبح فيه الأشكال الخالصة، ومن بينها "الأم" بوصفها مثالًا أزليًا للحب اللامشروط. لكن، إذا كانت الأمومة في جوهرها فكرة مطلقة، فلماذا تتجسد في كائن محدود بالزمن والتعب والمعاناة؟ أليست الأم بذلك تجسيدًا للجدل الهيغلي بين الفكرة المطلقة وتجليها في الواقع؟
أصل الإحتفال
قصة الاحتفال كانت بدأت قبل آلاف السنين، مع بداية عصور نسج الأساطير في آسيا الصغرى، حيث كان شعب "فريجيا" يكرّم "أم الآلهة سيبيل"، ثم جاء اليونانيون ليصبح هذا الاحتفال من ضمن احتفالاتهم بقدوم الربيع ثم تبعهم الرومانيون الذين كانوا يجلبون الهدايا إلى المعبد تكريماً لـ"الآلهة الأم" ومن أجل بعث السرور في نفسها. ومع مجيء المسيحية، صار الاحتفال يقام على شرف "الكنيسة الأم"، في الأحد الرابع من الصوم الكبير عند المسيحيين، واتخذ شكلاً آخر في العصور الوسطى. لكن المؤسسة الفعلية الحديثة لهذا اليوم فكانت امرأة من الولايات المتحدة الأميركية تدعى "آنا جارفيس"، وهي التي شاءت تكريم أمها وأمهات العالم بأسره، فكرست حياتها لتحقيق رغبة والدتها بوجود يوم للأم. وبعد وفاة هذه الأخيرة في العام 1905 قررت أن تشن حملة كبيرة من أجل إقامة عيد وطني للأم في الولايات المتحدة الأميركية. وفي العام 1907، أقامت آنا حفل تأبين لأمها، وأخذت تكتب مئات الخطابات لأصحاب المناصب العليا في بلدها للمطالبة بتكريس عيد للأم. ولكن، وعلى الرغم من أن استجابة المسؤولين لم تكن بالقدر الإيجابي الكافي، فقد استطاعت أن تحصل على دعم التاجر المعروف "جون وانا ميلر". ونتيجة لهذا الدعم احتفلت 45 ولاية في أميركا، في العام،1909 بعيد الأم، وكان من مظاهر الاحتفال التزيّن بالقرنفل الأحمر تكريما للأمهات الأحياء، والقرنفل الأبيض تكريما للمتوفيات منهن، وهو تقليد ما زالت تحذوه بعض دول العالم حتى اليوم. أما في العام 1911، فقد صارت غالبية الولايات الأميركية تحتفل بعيد الأم، إلى أن أعلن الرئيس وردرو ويلسون، وذلك في العام 1914، يوم الأحد الثاني من شهر مايو/ أيار من كل عام إجازة قومية للاحتفال بعيد الأم.
أما أول من فكّر في إقامة عيد للأم في العالم العربي، فكان الصحافي المصري الراحل علي أمين، مؤسس جريدة "أخبار اليوم" مع أخيه مصطفى أمين، حيث طرح أمين في مقاله اليومي فكرة الاحتفال بعيد الأم قائلا: "لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه "يوم الأم" ونجعله عيداً قومياً في بلادنا وبلاد الشرق.
ماري كساتثم حدث أن قامت إحدى الأمهات بزيارة الراحل مصطفى أمين في مكتبه، وقصت عليه قصتها وكيف أنها ترمَّلت وكان أولادها صغاراً، ولم تتزوج من بعدها، ومن ثم كرّست حياتها من أجل أولادها، وظلت ترعاهم حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقلوا بحياتهم، وانصرفوا عنها تماماً. فكتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير "فكرة" يقترحان فيها تخصيص يوم للأم، ليكون بمثابة يوم لرد الجميل إليها والتذكير بفضلها. وكان أن انهالت الرسائل عليهما تشجيعاً للفكرة، واقترح البعض أن يخصص أسبوع للأم وليس مجرد يوم واحد، في حين رفض آخرون الفكرة بحجة أن كل أيام السنة معقودة للأم وليس يومًا واحدًا فقط. إلا أن أغلبية القراء وافقوا في النهاية على فكرة تخصيص يوم واحد، ليتقرر بعدها أن يكون يوم 21 آذار/ مارس عيداً للأم، وهو أول أيام فصل الربيع، ليصبح رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة.
الأم والزمان: صراع الوجود والفناء
يعرّف هايدغر الإنسان بأنه "الكائن نحو الموت"، لكن الأم تبدو استثناءً لهذه القاعدة، فهي الكائن الذي يحاول تجاوز موته الشخصي عبر منح الحياة لسواه. الأم لا تحيا لذاتها، بل تمتد في الزمن من خلال أبنائها، وكأنها تسعى لإيقاف عقارب الفناء بيدها الهشة. لكنها، في الوقت ذاته، تدرك أن هذا الامتداد ليس إلا وهمًا، لأن أبناءها، يومًا ما، سينفصلون عنها، وسيصبحون ذواتًا مستقلة، وربما سيغيبون عنها تمامًا.
هكذا، فقد تتحول الأم إلى مأساة فلسفية، إنها تعطي الحياة لكنها تدرك أنها تعطيها لكي تُؤخذ منها. هذه المفارقة تذكرنا بمأساة سيزيف، الذي يدفع صخرته إلى القمة، وهو يعلم أنها ستتدحرج مجددًا. الأم، مثل سيزيف، تهب حياتها وهي تدرك أنها لن تستطيع امتلاك من تعطيهم الحياة. لكن، على عكس سيزيف، لا يبدو أن الأم تشتكي من مصيرها، بل تتقبله راضية، وكأنها الكائن الوحيد الذي عرف معنىً العبث.
و إذا كان الزمن هو العامل الحاسم في تعريف الوجود، فإن محاولة احتواء الأم في "يوم" واحد تبدو عبثية ولامنطقية. هل يمكن لمفهوم يتجاوز الزمن أن يُحدد بزمن؟ إن تخصيص يوم للأم قد يكون في جوهره محاولة لتعويضها عن باقي أيام النسيان، لكنه أيضًا محاولة فاشلة، لأن ما يُمنح ليوم واحد يظل مسكونًا بالزيف.
ربما كان الأجدر أن نطرح السؤال بطريقة مختلفة هل نحتفل بالأم كفكرة أم كوجود؟ إذا كنا نحتفل بها كفكرة، فنحن نجعلها مفهومًا عامًا يمكن استهلاكه كما تُستهلك باقي الأفكار. وإذا كنا نحتفل بها كوجود، فهذا يعني أننا نعترف بفرادتها، بكونها تجربة لا يمكن اختزالها في رمز، لأنها ببساطة ليست فكرة بل فعل مستمر، فهي ليست مجرّد ذكرى، بل واقع متجدد في كل لحظة.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top