2025- 03 - 21   |   بحث في الموقع  
logo سلام: لا شطب للودائع ومساعٍ لجمع مليار دولار لإعادة الإعمار logo هل الأمومة ضرورة بيولوجية أم تجربة ميتافيزيقية؟ logo سلام: الانتخابات في موعدها وهدفنا تحرير الودائع logo بيان هام من “كهرباء لبنان”.. هذا ما جاء فيه! logo المحكمة العليا تعلّق إقالة بار... وتعليقٌ من نتنياهو! logo ظاهرة تنتشر في شوارعكم تشكّل خطرًا على حياتِكم... ودعوة للتحرّك! logo كاتس يهدد أهل غزة.. وحماس تنفي وقف المحادثات logo تغريم وزيرين للصحة ورئيسي اللبنانية في "فضيحة" فحوص كورونا
السوريون يقتلون الاسد رمزياً
2025-03-21 00:25:52


"إصبع غضّ يخرج من ثقب الجراب المهترئ" ــ بهذه الصورة الرمزية العالية، يفتتح الروائي محمد علوش روايته حكاية سورية، معرّفاً بالماضي الفقير لبطلها، وصولاً إلى حاضر مغاير يشكّل ذلك الثقب جزءاً منه. في سردٍ يعكس تجربة شخصية تمتد إلى واقع أوسع، يذكّرنا الكاتب بلحظات مألوفة مرّ بها الكثيرون: الخشية من خلع الحذاء خشية انكشاف جراب مثقوب، وربما مرقّع من أماكن عدة ــ تمامًا كواقعٍ لطالما بُني على خياطة الأفواه قبل رقع الملابس.
في اليوم التالي لهروب النظام البائد، بدت السردية حاضرة بقوة: بلدٌ منهك، شعبٌ يبحث عن معنى جديد للحياة، وصورٌ عائلية مهجورة تُركت في بيت الرئيس المخلوع، تداولها السوريون على وسائل التواصل الاجتماعي كدليل حيّ على زوال الطغيان.لكن المفارقة لم تتوقف عند الصور، بل تحولت إلى تجارة جديدة: جوارب وملابس داخلية طُبع عليها وجه الديكتاتور ووالده، باتت تُباع في شوارع دمشق وعلى واجهات المحلات والبسطات. يقول أحد الباعة لـ"المدن" إنه يبيع ما يقارب خمسين قطعة يومياً بأسعار مرتفعة، ما دفعه وزملاءه إلى توسيع تجارتهم في ظل الطلب المتزايد.وفي مشهد آخر من هذا الانقلاب الساخر على إرث الطغيان، دوّن بعض باعة الخضروات عبارات مثل "بصل أرخص من بشار" دون أن تُفتح أبواب السجون في وجوههم، بينما كانت بارات دمشق تصدح ليلاً بأغانٍ جديدة على وقع الهتاف: "مندوسهم مندوسهم... بيت الأسد مندوسهم".تحمل الصورة رمزية عميقة تستند إلى أفعال غرائزية تهدف إلى تحقير الطرف الآخر، عبر توظيف موضعين يُنظر إليهما في الثقافة الشرق أوسطية كمراكز للنجاسة والامتهان: القدمان، التي يُمارس بها الدعس، والأعضاء الجنسية، التي تُستخدم كرمز للاحتقار. لكن الأهم من ذلك، أن هذا الفعل يتجاوز دلالته المباشرة ليصبح شكلاً من أشكال التنفيس النفسي عن سنوات القهر والذل، ووسيلة للقتل الرمزي، تمامًا كما يُحرق رجل القش في طقس انتقامي يعبّر عن رفض نظامٍ أمعن في إحراق البلاد تحت ستار الطائفية التي كرّسها بممارساته... لنعيش ارتدادتها حتى اليوم.صدام طائفييعد شارع الأمين الدمشقي، الممتد من جادة الخراب إلى ابن عساكر، واحد من أبرز معالم العاصمة السورية، والذي أطلق عليه في بداية الخمسينات اسم العلامة السيد محسن الأمين العاملي، أحد أشهر مجتهدي الشيعة الإمامية في بلاد الشام. يُعتبر هذا الشارع بمثابة معقل للشيعة في دمشق.ومع ذلك، يشهد الشارع بين الحين والآخر أحداثاً تزعزع الاستقرار وتعكر صفو الحياة اليومية، كان آخرها صدام وقع بين عناصر من الأمن العام وشباب الحي. فبعد طلبهم من المطرب في أحد المطاعم الشهيرة بالمنطقة أن يؤدي "اللطميات"، بدأ الشبان بضرب صدورهم في حركة استفزازية. لم تقتصر الأحداث عند هذا الحد، بل قام شاب "شيعي" من سكان الحي بتسجيل فيديو توعد فيه أهل الشام، بالإضافة إلى شتم رموز دينية تعتبر مقدسة بالنسبة لهم، ما استدعى استنفاراً أمنياً واسعاً في المنطقة لضمان عدم تصاعد الأوضاع إلى اشتباكات طائفية... واقتيد بعض الشباب اإلى "قسم العمارة" اقتياداً لم يخل من ممارسات خاطئة تم تداركها والإفراج عن الشباب بعد عدة أيام في مشهد يذكر ببعض ممارسات حكم الأسد الذي عاشت أحياء دمشق القديمة، بما في ذلك شارع الأمين، واقعاً مضطرباً ومريراً في عهده، حيث كانت الحرائق تلتهم البيوت والمحلات التجارية في حال امتناع أصحابها عن بيع ممتلكاتهم لجهات إيرانية. غالباً ما كانت هذه الحوادث تُحيل إلى "ماس كهربائي"، كما حدث في الحريق الذي دمر أحد المحال التجارية وبعض المنازل المجاورة بالقرب من مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حارة "القساطلية" بحي الأمين الدمشقي.هذه الحرائق لم تكن مجرد حوادث عابرة، بل كانت تحمل في طياتها دافعاً عميقاً لتغيير هوية المنطقة. في تلك الأيام، اكتست دمشق بالسواد بين ليلة وضحاها، مع محاولات حثيثة لتغيير الطابع الثقافي والديني للمناطق، حيث بدأ المتشيعون الجدد يرتدون ثياباً مكتوباً عليها شعارات مثل "لبيك يا حسين" و"لبيك يا زينب"، دون أن يجدوا من يوقفهم أو يمانعهم.أما الأحياء المجاورة لمقام السيدة رقية فقد تحولت بشكل تدريجي إلى مناطق إيرانية خالصة، مما عمق الانقسام الديني والطائفي في المدينة، وأدى إلى تغيير جذري في ملامحها الثقافية والاجتماعية.تتغير الأدوار اليوم في شوارع دمشق القديمة، حيث تجوب سيارات "الهداية إلى الإسلام" بين الأزقة العتيقة، في مشهد يثير الدهشة، إذ تلتقي هذه السيارات مع البارات التي تنتشر على أطرافها وتغرق في حياة المدينة المليئة بالأنشطة المدنية. أصبحت هذه الأماكن متنفساً لشباب دمشق، وللغرباء الذين يقصدونها، لكن الصوت الذي يعلو على صوت الموسيقى وأجواء السهرات هو صوت الدعوة للإسلام. "ومن يرضى بغير الإسلام دينًا فهو تائه"، تُسمع هذه الكلمات تصدح في الأرجاء، إلى جانب الأناشيد التي تقول: "مسلماً كنت وسأبقى مسلماً، تشهد الأرض بذلك والسما".توترات متزايدةهذه الأنشودة التي تعلو في حي باب توما الدمشقي، الحي الذي يشتهر بكثرة سكانه المسيحيين، أثارت خلافاً بين شباب الحي وسائقي إحدى سيارات الهداية، حيث تدخل أحد السكان المسلمين، الذي أكد أنه مسلم ولا يحتاج إلى "الهداية". هذا المشهد يعكس التوترات المتزايدة في المدينة، حيث تلتقي الاختلافات الدينية والثقافية، وتثير أسئلة حول حدود الدين في الفضاءات العامة ومدى قبول الآخر.... ما دفع شاباً سورياً للرد على النشاطات الدعوية بطريقته الخاصة حيث رفع علم سورية الجديد وتجول في المالكي إلى جوار بيت الرئيس الشرع واضعاً تراتيل مسيحيه "المجد لك ايها المسيح ابن الاله" داعياً إلى الحرية منادياً بالحرية التي بات يعيشها اليوم قائلاً: "ما يحق لمكون من الشعب السوري من امتياز، يحق لباقي المكونات، وعندما تغيب القوانين والأنظمة عن هذه الدعوات التنظيمية والتبشيرية يحق للجميع فعل ذلك".تعيش مدينة دمشق اليوم حالةً من التخبط، ولكن رغم الخراب الذي يحيط بها، تظل محبتها نابضةً في قلوب أبنائها. ما يحدث الآن ليس سوى تداعيات ما بعد الحرية، بعد سنوات طويلة من القهر والظلام. واليوم، أصبحت دمشق حرةً حقاً، وشعبها يطير فرحاً بأربع ساعات من الكهرباء التي تغذي معظم المدن السورية بعد سنوات من الانقطاع المتواصل. هذه اللحظات الصغيرة أصبحت بمثابة علامة على النهوض من الركام، وحلم جديد يشرق في الأفق بعد سنوات من التحديات.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top