كان يفترض أن ينسحب مسلحو هيئة تحرير الشام من بلدة حوش السيّد علي، عصر الثلثاء نتيجة الاتصالات التي أجريت على المستويين الأمني والسياسي بين البلدين. لكن إصرار الهيئة على أن حوش السيد علي أرض سورية، وأن الدولة تريد أن تستردها عرقل الاتفاق، إلى أن عقد اجتماع انتهى بالاتفاق على الانسحاب السوري من الحوش.
لبنانية البلدة تحسمها الوثائقفي معلومات "المدن"، وبعدما تعثرت الاتصالات السياسية، عقد اجتماع عسكري ميداني على مدخل الحوش بين قادة الوحدات في الجيش اللبناني وضباط الجيش السوري الجديد. أتى كل طرف مزوداً بمستنداته وخرائطه، وعرض المشكلة من وجهة نظره.
أبلغ الجيش اللبناني الوفد السوري أنه لا يحق لمسلحيه الدخول إلى الأراضي اللبنانية، وأن حوش السيد علي أرض لبنانية مئة في المئة، سواء في الجزء الواقع في الأراضي اللبنانية أو المتداخل مع الأراضي السورية. أبرز الجيش مستندات وصكوك ملكية تثبت هوية البلدة وأن سكانها لبنانيون، وفيها مدرسة رسمية تابعة لوزارة التربية اللبنانية، أي الدولة اللبنانية، وللبلدة مختار يحمل ختم الدولة اللبنانية. لم يكتف الجيش بذلك، بل أبرز خرائط قديمة وجديدة وعبر تطبيقات متخصصة تؤكد هوية الحوش اللبنانية.طال النقاش والأخذ والرد حول ملكية حوش السيد علي، أصر مسلحو الهيئة على وجهة نظرهم، وأظهروا وثائق ومستندات لم تتمتع بالصدقية القانونية كتلك التي بيد الجيش اللبناني. فانتهى الأمر برضوخهم إلى حقيقة أن الحوش بلدة لبنانية، بجزأيها اللبناني والمتداخل بالأرض السورية. عندها استمهل مسلحو الهيئة الجيش 24 ساعة إضافية للانسحاب من الحوش بذريعة أنهم يريدون استكمال عملهم "وتنظيف المنطقة من السلاح والمخدرات.وبالفعل، تابع مسلحو الهيئة عمليات الحرق في الحوش، وتصاعدت سحب الدخان طيلة ليل الثلثاء في سماء المنطقة على مرأى من الجيش اللبناني في الجهة المقابلة، وبحسب الهيئة فإن ما يحرق هو معمل كبير للمخدرات التي تروجها عصابات التهريب في البلدين، قامت بمصادرتها كما صادرت كميات من الأسلحة المنتشرة في البلدة وفي أحد المخازن.وبحسب الاتفاق الذي تم خلال الاجتماع الميداني، عند الحادية عشرة من قبل ظهر الاربعاء، بدأ الجيش اللبناني الدخول إلى بلدة حوش السيد علي بعدما انسحب مسلحو الهيئة منها بشكل نهائي، متجهين إلى الداخل السوري.نقاط ثابتة للجيش اللبنانيوفي الحوش، انتشر الجيش وبدأ عملية تمشيط وحماية الممتلكات الخاصة والعامة. وتولى فوج الهندسة نزع ما خلفته الاشتباكات، كما فككت وحدات الجيش مخزناً للأسلحة وصادرت المضبوطات.
بالموازاة بدأ الجيش تنفيذ خطة انتشار واسعة على الحدود من الجانب اللبناني، من الأمانة السورية عند معبر جوسي شرقاً باتجاه الغرب وصولاً إلى القصر في البقاع الشمالي، على أن تبقى حوش السيد علي بعهدة الجيش، وخالية من السلاح غير الشرعي، وهو أقام نقاطاً ثابتة في البلدة ومحيطها. كما باشر الجيش اللبناني إقفال كل المعابر غير الشرعية وأقام سواتر ترابية عالية جداً لإقفال كل المنافذ وقطع الطريق على عمليات التهريب وتسلل المسلحين واشتباك العصابات من الجهتين. في كل هذه العملية، كان التواصل بين الجيش اللبناني والعشائر قائماً، وعلى الرغم من بعض الاعتراضات على تسليم السلاح، إلا أن القوى الفاعلة في المنطقة والعشائر اقتنعوا أن القرار متخذ وأن لا خيار آخر سوى العودة إلى الدولة وإلى السلطة الشرعية التي تحفظ الحدود وأمن المواطنين وقراهم وبلداتهم، وأن ما حققه الجيش اليوم هو إنجاز بتثبيت هوية الأرض ليس فقط قولاً إنما أيضاً فعلاً. ما حصل من ليل الأحد إلى ظهر الاربعاء، كاد يأخذ الوضع الميداني على الحدود مع سوريا إلى سيناريوهات مجهولة مقلقة. لكن الهدوء والتروي والحكمة التي تعاطى فيها الجيش اللبناني بتوجيه من قيادته العسكرية والرئاسية، أفضت إلى إتفاق حدودي على واحد من النقاط المتنازع عليها تاريخيا مع سوريا منذ كان نظام الاسد يمنع الترسيم الذي لطالما طالب به لبنان، إلى اليوم.حان وقت الترسيمبين سوريا ولبنان عشرات النقاط الحدودية المتنازع عليها على طول الحدود الشرقية والشمالية. الاتفاق حول واحدة منها في حوش السيد علي، وتولي الدولة اللبنانية زمام الامن والحدود، لاقى ارتياحا في الاجمال على الرغم من اعتراض حاملي السلاح الذين أجبروا على تسليمه.
كما أن تأمين الحوش على كل المستويات وعودة أهلها إليها بمعية الجيش وبقائه فيها، انتزع أي ذريعة وتشكيك بأمن المنطقة الحدودية ومدى حضور الدولة. ولكن المسألة اليوم تتعلق بسوريا وبادارتها الجديدة. فعلى الرغم من الحذر في التعاطي معها نظراً للأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا لناحية التعاطي مع الأقليات، هل ستقوم السلطة السورية الجديدة بما امتنع عن القيام به لعقود النظام السابق، وتنزع شوكة أي توتر حدودي مع لبنان، وبالتالي تباشر دمشق مع بيروت عملية ترسيم الحدود البرية والبحرية وتنهي النزاع على العديد من المناطق المتداخلة، كمدخل لقطع كل خطوط التهريب والإمداد وحصر النفوذ بيد السلطة اللبنانية حتى في المناطق ذات الغالبية الشيعية حيث نفوذ حزب الله. وبذلك يستكمل ما بدأ في الجنوب، شرقا وشمالا، وينفذ المطلب الدولي القديم منذ ما بعد حرب تموز 2006 لنشر الجيش على الحدود مع سوريا كما في الجنوب، وربما بالتوازي، يمدد عمل القوات الدولية على طول كل الحدود اللبنانية