أثار مقطع فيديو نشره الشاب السوري أحمد ديار بكرلي، موجة استياء واسعة في مواقع التواصل تحدث فيه عن تعرضه وصديقته المسيحية لإهانات وكلمات طائفية أثناء تحضيرهما لتصوير فيديو تكريمي للمخرج باسل شحادة في منطقة القصاع ذات الغالبية المسيحية بالعاصمة دمشق، بمناسبة اقتراب ذكرى مقتله على يد النظام السوري في 28 أيار/مايو 2012.
وقال بكرلي أن الواقعة حدثت عندما كان وصديقته يحملان صوراً لشحادة، فتوقفت بجوارهما سيارتان تقلان مجموعة مجهولة من الملثمين، وسألهما أحد الأفراد عن سبب وجودهما في المكان، وعندما لاحظوا الصور، قال قائد المجموعة: "باسل شحادة ليس شهيداً، بل مجرد قتيل، فهو غير مسلم"، مضيفاً: "هؤلاء كفار".وأضاف بكرلي أن أفراد المجموعة كسروا الصور وألقوها على الأرض وداسوا عليها، عندها قالت صديقته للعنصر بأن ما يقوم به يعتبر طائفياً وبأنها ستتقدم بشكوى ضده للأمن، ليتوجه أحدهم إليها، قائلاً لها بسخرية: "خلي الصليب ينفعك"، ثم التفت العنصر إلى بكرلي وقال: "أنتم ناصرتم النظام، ولولا الأمن العام، لرأيتم شلالات من الدم في هذه المنطقة". وقال بركلي أن عنصر الأمن وضع حذاءه على كتفه واعتدى عليه، وأهانه، وطالب الرئيس الحالي أحمد الشرع بوضع حد لهذه الانتهاكات.وتابع بكرلي أن أحد العناصر لاحظ زجاجة ماء في حقيبة صديقته، فوجه لها تهديداً: "لو رأيتك تشربين (في رمضان)، لكنت سكبتها على رأسك يا كافرة"، قبل أن يفرغ الماء على الأرض. أوضح بكرلي أن صديقته تعرضت لانهيار عصبي بعد الحادثة وأضاف: "في زمن نظام الأسد، كنت أرفع صور الشهيد باسل شحادة ولم يكن هناك رد فعل بهذه الطريقة". وأكد أن هذه التصرفات تنم عن تعصب خطير، وطالب السلطات بالتدخل لوضع حد لهذه المظاهر المتطرفة.وفي وقت لاحق، قام بكرلي بحذف الفيديو، ثم ظهر في مقطع جديد أوضح فيه أنه لا يتهم الأمن العام بالحادثة، مشيراً إلى أن قراره بحذف الفيديو جاء بعدما "استغلته جهات موالية للنظام السابق"، بالإضافة إلى صفحات ذات طابع طائفي، بهدف إثارة الفتنة والانقسامات داخل المجتمع السوري وتحقيق مصالح شخصية، وأكد أن الهدف من نشر الفيديو كان لفت انتباه السلطات إلى هذه الانتهاكات، وليس إثارة التوترات.وأثار الفيديو، الذي انتشر على نطاق واسع، موجة غضب وانتقادات حادة، ليس فقط بسبب التعليقات الطائفية التي صدرت عن المجموعة المجهولة، بل أيضاً بسبب ما اعتبر إساءة لرمزية شحادة، الذي فقد حياته دفاعاً عن حرية الكلمة وتوثيق الانتهاكات في سوريا، واستذكر ناشطون ما قدمه شحادة للثورة السورية، فشاركوا مقاطع فيديو وصوراً توثق مسيرته، كما أعادوا نشر مقطع يظهر عبد الباسط الساروت وهو يشارك في تأبينه.وعلق الصحافي نضال معلوف على الحادثة، معتبراً أن الأخطاء قد تحدث، وللسلطات كامل الحق في التحقيق في الواقعة، لكنه أشار إلى احتمال وجود عناصر غير منضبطة تابعة لبعض الفصائل، ربما تتصرف بطرق غير محسوبة تؤدي إلى عواقب سلبية. وشدد معلوف على ضرورة ضمان سلامة الشخص الذي نشر الفيديو، داعياً السلطات إلى التعامل مع الأمر وفق الأصول القانونية، في حال ثبتت أي مخالفة من أي طرف كان.وولد شحادة العام 1984 في مدينة حمص لعائلة مسيحية، ودرس هندسة المعلوماتية في "جامعة دمشق"، لكنه كان شغوفاً بالسينما، ما دفعه لمتابعة دراسته في الإخراج السينمائي بعدما حصل على منحة دراسية لمتابعة تعليمه في "جامعة سيراكيوز" في الولايات المتحدة، حيث طور مهاراته السينمائية وأنتج أفلاماً قصيرة ناقشت قضايا اجتماعية وسياسية.ومع اندلاع الثورة السورية العام 2011، قرر شحادة ترك دراسته في الولايات المتحدة والعودة إلى سوريا للانخراط في الحراك السلمي وعمل على توثيق الاحتجاجات في حمص، التي شهدت أحد أكثر الفصول دموية في الثورة، حيث سجل بعدسته قمع النظام السوري للمتظاهرين، وحاول نقل الصورة الحقيقية لما كان يحدث، كما نظم ورشات عمل لتعليم التصوير السينمائي للناشطين وساهم في إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية التي وثقت الانتهاكات.وفي 28 أيار/مايو 2012، قُتل باسل شحادة في حي الصفصافة بمدينة حمص، إثر قصف قوات النظام السوري للحي أثناء محاولته توثيق الدمار الذي خلفه القصف، واستهدفت المنطقة التي كان يعمل فيها، ما أدى إلى مقتله مع مجموعة من الناشطين، من بينهم المصور أحمد الأصفر، وشكلت وفاته صدمة كبيرة للمجتمع السوري والحراك الثوري، حيث فقدت الثورة أحد أبرز الأصوات السينمائية التي عملت على توثيق الحقيقة في مواجهة الدعاية الرسمية للنظام.وبعد مقتله على يد النظام السوري أصبح شحادة رمزاً للثورة السورية، واستمر الناشطون في تخليد ذكراه من خلال نشر أعماله وإعادة مشاركة مقاطع الفيديو التي صورها، وبقيت أفلامه القصيرة ومقاطع الفيديو التي سجلها شاهداً على اللحظات الأولى من الحراك الشعبي ضد النظام السوري، فيما تحول اسمه إلى رمز للحرية والفن المقاوم.