2025- 03 - 19   |   بحث في الموقع  
logo نتنياهو يُجرّب المجرّب في غزة!.. غسان ريفي logo جامع بربر آغا في إيعال.. محصّن بالقلعة التاريخية logo هل تؤثّر التطوّرات جنوباً وشرقاً على مصير الإنتخابات البلديّة؟.. عبدالكافي الصمد logo الحدود اللبنانية-السورية: صراعات مهربين أم ترسيم حدود قسري؟ logo تفاصيل العرض الأميركي للبنان: اتفاق هدنة وتفاوض دبلوماسي logo انهيار لبنان الذي تناسلت فيه أشكال الجريمة المنظمة (2) logo الوساطة العسكرية الأميركية بسوريا.. بين التنافس الإقليمي والتدخل الدولي logo ميقاتي ظلم الأساتذة ويراهنون على سلام لإنصافهم أو... الإضراب
انهيار لبنان الذي تناسلت فيه أشكال الجريمة المنظمة (2)
2025-03-19 00:25:45


بعد حلقة أولى تسرد وقائع التواطؤ الإجرامي بين سياسيين ومصرفيين، على رأسهم حاكم مصرف رياض سلامة، والذي أدى إلى الانهيار الكبير عام 2019، هنا حلقة ثانية وأخيرة:على الرغم من انتخاب الرئيس جوزاف عون وتشكيل حكومة كفاءات إصلاحية برئاسة القاضي نواف سلام، تستمر المنظومة برهاناتها للاستمرار بالتربح من الانهيار وجني الثمار من عذابات اللبنانيين وآلامهم، وتعد نفسها بالذهاب إلى الاستيلاء على أملاك الدولة ومرافقها العامة وحيازتها بأبخس الأثمان. كما تعد نفسها بالاستيلاء على عائدات النفط والغاز المفترضة.
لا مستقبل للبنان مع استمرار المنظومة بنفوذ يمكنها من إدارة لبنان والتحكم بسياساته. ولذلك يتم بشكل منهجي التصويب على حكومة سلام وتنظيم الحملات المختلفة من زوايا متعددة، لإنهاكها وإضعافها وردعها عن القيام بمساءلة ومقاضاة أكبر جريمة مالية في التاريخ.
الانهيار الذي كان يحدث لم يكن جريمة لو جرى في بداية سنة 2015، لكن السعي للتربح من الانهيار، كان وراء تأجيله لنهاية 2019. وكان جريمة شنيعة، كبّرت حجمه ووسعت مداه وجعلته شاملاً كل المستويات الاقتصادية والقطاعية والمالية والنقدية وأنماط عيش شعب بأكمله.. انطلق مع بداية صناعة اللولار واستعار حرب الفوائد، ومن ثم هروب الأموال.كان الاستثمار في الانهيار أو محاولة التربح منه، هو الخيار الذي اتخذته هذه المنظومة بكل أطرافها، كلٌ حسب مصلحته، بمساعدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أمين صندوق المنظومة.
كانت الودائع الحقيقية تتراجع، لكن رفع الفوائد أظهر ارتفاع الودائع قيدياً، فنشأ ما بات يعرف اليوم باللولار، خصوصاً بعد إنشاء نظام مقاصة لبنانية محلية للدولار الأميركي لا تمر قطعاً بنيويورك.
مع عجز ميزان المدفوعات، وقيام مصرف لبنان بتمويل نفقات الحكومة من الودائع، كانت الدولارات الحقيقية تتناقص، بينما الودائع الإجمالية القيدية ترتفع مع الفوائد، ما زاد من حجم اللولارات أو الدولارات الوهمية. ودخل النظام المصرفي في مزايدات على الفوائد من 7 إلى 10 إلى 15 إلى 18%، فتضخمت أرباح المصارف وهمياً، وحصل توسع في توزيع الأنصبة على كبار المساهمين والبونصات (Bonus) والمصرفيين التنفيذيين. ذلك التوزيع كان من أصل دولارات متناقصة في مكان آخر.في منتصف 2018 بعد أزمة سعد الحريري في السعودية، أدركت المنظومة أن اللعبة شارفت على الانتهاء. فبدأ إخراج الرساميل من لبنان، لا سيما من المحظيين أصحاب المعلومات المسرّبة من الداخل، أي المطلعين على المعلومات قبل غيرهم. ويشمل ذلك أيضاً السياسيين ورؤساء الأحزاب الطائفية ووزراء وكبار الموظفين والمصرفيين وكبار المودعين بالإضافة إلى حاكم مصرف لبنان.
لو طبق الكابيتال كونترول في بداية 2018 لأمكن الاحتفاظ بأكثر من 34 مليار دولار، كانت لتشكل مدماكاً في مسيرة وقف الانهيار أو إبطائه. استمر خروج الأموال في 2019 وهو ممّا تبقى من دولارات فعلية، وبلغ النقص الفعلي في الودائع نهاية سنة 2019، 27 مليار أميركي. كما استمر تحويل أموال بعض النافذين إلى الخارج خلال الأشهر الستة الأولى من 2020. وهناك تقديرات تشير إلى هروب أو تهريب ودائع ورساميل بنحو 42 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، 2018 و2019 و2020.على خط آخر، وتوازياً مع عجز متفاقم متراكم في ميزان المدفوعات، وضخ سيولة هائلة من اللولارات الوهمية في الحسابات، قامت المصارف بتوسعات خارجية واسعة النطاق بين 2011 و2019. وتمت زيادة مكاتب التمثيل والفروع الخارجية والمصارف الشقيقة أو التابعة. ففي مطلع سنة 2014 كان هناك 17 مصرفاً لبنانياً تمثل ما يقارب 86 % من حجم القطاع في لبنان، لديها وجود في 31 بلداً تغطي أسواقاً عربية مهمة كسوريا والأردن والعراق ومصر والسودان والجزائر والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عمان، كما تغطي أسواقاً إقليمية ذات وزن اقتصادي مهم كتركيا. إضافة إلى الانتشار المصرفي اللبناني في القارة الأوروبية، بدءاً بسويسرا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا واللوكسمبورغ وموناكو، مروراً برومانيا وبيلاروسيا وأرمينيا وصولاً إلى بلجيكا وقبرص. كما توسّعت المصارف اللبنانية باتجاه القارة الأميركية (كندا) وكذلك أفريقيا (شاطئ العاج، نيجيريا، الكونغو والسنغال) وأخيراً أستراليا. وامتدت شبكة المصارف اللبنانية في الدول المشار إليها إلى العديد من المدن الرئيسية، وباتت مصارفها التابعة أو الشريكة أو الشقيقة البالغ عددها 39 مصرفاً، تمتلك عدداً من الفروع تخطى 270 فرعاً كما في أيار 2014، ما يمثل 25% من فروع لبنان. أما حجم نشاط المصارف اللبنانية العاملة في الخارج، فشكل 17% من إجمالي الميزانيات المجمعة للمصارف العاملة في الأسواق الخارجية. وليس متاحاً اليوم معلومات حقيقية عن موجودات القطاع المصرفي اللبناني خارج لبنان. وهذا ما يتوجب ان يخضع لتدقيق جنائي ومساءلة، لأن ما سمي أرباح حولت إلى استثمارات في الخارج، لم يكن إلا طريقة أخرى لسرقة ودائع العملاء، بعد أن نجحوا بجذب المودعين وإغرائهم بالفوائد المرتفعة والأرباح الوهمية. وفي الموازاة كانوا يتوسّعون في الخارج باستخدام هذه الأموال. ولذلك لم ينجح منح هذه الفوائد في تقليص عجز ميزان المدفوعات بل تفاقم سنة بعد سنة حتى الإفلاس الكامل.وللحقيقة والبيان، فإن بعض الأموال التي هربت ظهرت في أرصدة المصارف لدى البنوك المراسلة الخارجية، التي ارتفعت في الفترة نفسها بنحو 6 مليارات دولار زيادة. في حين تمّ إيهام اللبنانيين أن موجودات القطاع المصرفي لديهم قبيل تشرين 2019 تصل إلى 188 مليار دولار ولم تكن إلا قيود دفترية، استفاقوا ليجدوها هباء منثوراً.حل مركب بأبعاد متعددةالحل العادل والممكن والمنصف والمطلوب، يتضمن جوانب وأبعاداً مختلفة من القضائي، الذي يستند إلى تدقيق جنائي في حسابات كل المصارف ودفاترها وتحويلاتها، إلى البعد المالي النقدي، إلى الإصلاح في مرافق الدولة وتحسين عائداتها.
أولاً، الحل الجنائي، عبر ملاحقة ومساءلة كل من ارتكب جريمة التربح من الانهيار أو استغل موقعه السياسي أو المصرفي أو القضائي أو الأمني من أجل تحقيق ربح غير مشروع أو تلافي خسارة متوقعة، طبقاً لحيثيات الجرائم الموصوفة من صرف النفوذ والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال والتهريب والتربح عبر التداول من الداخل Delit d"initié
ثانياً، الحل المصرفي، وهو الحل الذي يتهرب منه المصرفيون والخبراء والسياسيون. هو حل سهل يرتكز على الحكم الذي أصدره ألقضاء الأميركي الفدرالي في قضية برنارد مادوف. وهي أشهر قضية "بانزي سكيم" في العالم، قبل كارثة لبنان طبعاً. فقد أصدرت المحكمة الفيدرالية الأميركية حكماً فيدرالياً مبرماً "يقضي بأن الأرباح التي وزعها مادوف على عملائه لم تكن أرباحاً حقيقية، بل كانت أموالاً مقتطعة ومسروقة من ودائع جديدة تدفع كأرباح مزعومة لودائع قديمة". المفهوم هذا يمكن أن يطبق على مجموع الدولارات القيدية التي سجلت كفوائد على الودائع في لبنان. وهي قيود ودولارات وهمية غير موجودة تماماً كأرباح مادوف التي وزّعها، والتي حكمت المحكمة الأميركية الفيدرالية باستردادها لأنهأ اعتبرت مسروقات أقتطعت من ودائع جديدة ودفعت كارباح لودائع قديمة.كيف يطبق الحل؟ باعتماد الفصل في كل حساب مصرفي لأي زبون متعامل معه، بين الدولار الحقيقي والدولار الوهمي ابتداء من تاريخ 1-1-2015، كل دولار قيدي (لولار) سعره 15000 ليرة. ونبدأ في الجرد بين حقيقي وغير حقيقي، الدولارات الحقيقية هي الرصيد بتاريخ 1-1-2015 وكل ما أضيف إليها من أرصدة ليست ناتجة عن الفوائد.
أما الأرصدة والدولارات الناتجة عن الفوائد فتسجل كـ"لولار" فينقسم كل حساب زبون مصرفي إلى اثنين: حساب الدولار الحقيقي وحساب اللولار؛ الحقيقي يستردّ كما هو، والباقي يدفع على سعر 15000 ليرة للدولار.
يجري التقييم اللازم بين من لديه دولارات ومن لديه لولارات ومن لديه الاثنان معاً، وستظهر حتماً حسابات سلبية، خصوصاً حسابات من سبق وأخرج دولاراته من لبنان، وعليه ردّها لأنها دين عليه لغيره.استرداد 32 مليار دولارنتيجة هذا القرار البسيط سنسترد ما لا يقل عن 32 مليار دولار، تشطب ثلاث مرات؛ واحدة من عجز الخزينة لدى مصرف لبنان، وثانية من الفجوة في مصرف لبنان وديونه لدى القطاع المصرفي، وثالثة تخفض البنوك مطلوباتها من مودعيها بالرقم نفسه. في هذه الحالة، المودع ليس مظلوماً لأن أصل وديعته معترف به بالكامل، والباقي من الفوائد يرد له على سعر 15000 ليرة لكل دولار أو لولار، وإن كان قد سحب من وديعته لولارات تحسم على أساس انها لولارات وليس دولارات، أما إذا نالها دولارات حقيقية فتحسب دولارات.
أما الحسابات المدينة بالدولار والقروض التي تم تسديدها بشيكات مصرفية، فيمكن القبول بها والاعتراف بصحتها. لكن القروض بالدولار التي تم تسديدها بالليرة اللبنانية على سعر دولار (1500 ليرة) فيجب إعادة النظر بها وتحميل أصحاب القروض سداد قروضهم بقيمتها.
سيؤمن هذا الإجراء سيولة في المصارف تعيدها إلى سوق التسليف والإقراض وتخرجها من أزمتها الحالية التي لا فكاك منها.
لكن ذلك لن يكتمل من دون إعادة رسملة المصارف. وهو أمر لا غنى عنه، لأن رساميلها المدفوعة بالليرة اللبنانية والتي كانت قيمتها 22 مليار دولار أميركي على سعر دولار يساوي 1500 ليرة، لم تعد تساوي سوى 366 مليون دولار أميركي، في حين أن ممتلكاتها في لبنان، من المباني والتجهيزات والعقارات قد تصل إلى 4 مليارات دولار أميركي. ولذلك، فإن ضخ رساميل جديدة في المصارف، عبر إعادة رسملة يجب أن لا تقل عن نصف القيمة السابقة لأسهمها بنحو 11 مليار دولار، أمر لا غنى عنه.
إن اتفاقاً مع صندوق البنك الدولي وتقديم خطة متكاملة لاستعادة النهوض الاقتصادي والتعافي المالي، وإعادة هيكلة المصارف، بموازاة إرساء مبدأ العدالة والمساءلة بارتكابات إداراتها وأصحابها وحاملي أسهمها، سيكون مدخلاً ضرورياً وإجبارياً للمضي قدماً في اعتماد إصلاح هيكلي واقتصادي شامل.الإصلاح الهيكلي والتصرف ببعض أصول الدولةيمكن معالجتها بعدة طرق، مثل التصرف ببعض الأصول العامة (الكازينو وانترا والميدل إيست) بالإضافة إلى طرح رخصة خليوي ثالثة، وتأجير مرافق عامة معينة وتفعيل استثمار الأملاك البحرية.. وهذا لا يعني خصخصة شاملة، بل بيع أو تأجير مرافق لم تعد الدولة قادرة على إدارتها، يضاف إلى ذلك الحل الجذري المطلوب لقطاع الكهرباء وإنشاء قطاع نقل عام أو مشترك، لتخفيف تسرب المليارات لمافيات المحروقات من جيوب الناس وعلى حساب ميزان المدفوعات.
ولعل كل هذه الإجراءات مع ما يرافقها من إعادة نظر في حجم القطاع العام والوصول إلى حكومة إلكترونية، وضبط معابر التهريب الجمركية في المرفأ والمطار، واسترجاع قطاع النفط إلى الدولة، وإنشاء مصفاة لتكرير النفط الخام، واستعادة دور لبنان كمصب للنفط العراقي.. كل هذا يمكن أن يكون قاعدة لاستعادة العافية إلى وطن منهوب من حاكميه وموسريه.
إن شرط بقاء لبنان هو استكمال إسقاط نفوذ المنظومة كاملة وترحيلها. وإن انتخاب رئيس للجمهورية وقيام عهد وحكومة جديدة، هما خطوتان تمهيديتان لانطلاق معركة قاسية لاستعادة الدولة وإرساء مبدأ احترام الدستور والقانون، وتطبيق منطوق العدالة والمساءلة، لترحيل هذه العصابة.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top