هل أوقفت الولايات المتحدة السماح الممنوح للعراق منذ سنوات لشراء الغاز الايراني الذي يستخدمه العراق في إنتاج أكثر من ثلث الطاقة الكهربائية حالياً؟ ولماذا تصر الحكومة العراقية أن القرار الأميركي يتعلق بشراء الكهرباء من إيران فقط ولا علاقة له بشراء الغاز؟ ولماذا دعا رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي واشنطن إلى إعادة النظر بقرارها بحظر شراء الغاز وتحذيره بأن هذا القرار سيتسبب بانهيار منظومة إنتاج الكهرباء في الصيف القادم؟سياسة الضغط الأقصىبدأت القصة قبل أيام عندما أبلغت الإدارة الأميركية حكومة بغداد خلال اتصال هاتفي بين مستشار الأمن القومي مايك ووولتز، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، موقفها رفض تجديد السماح للعراق بشراء الطاقة من إيران التي يحتاجها العراق كثيراً لدعم منظومة الكهرباء الوطنية والتي لا يكفي إنتاجها لسد الحاجة الداخلية للبلاد.وأكد مستشار الأمن القومي الأميركي لرئيس الوزراء أن هذا القرار ليس موجهاً ضد العراق بل ضد إيران التي تخضع لعقوبات اقتصادية أميركية منذ سنوات، وأنه يأتي منسجماً مع "استيراتيجية الضغط الأقصى" التي أعلنتها إدارة ترامب ضد طهران، بهدف حرمانها من مصادر التمويل لإدامة برنامجها النووي.ورغم أن البيان الذي أصدره مستشار الأمن القومي الأميركي ذكر فيه حظر شراء الكهرباء من إيران (والذي تصل قيمته الى نحو مليار دولار سنوياً)، ولم يتطرق البيان إلى شراء الغاز الإيراني (والذي تصل قيمته الى مايقارب الخمسة مليار دولار سنوياً)، لكن مراقبون ومعنيون من بينهم مسؤولون في وزارة الكهرباء العراقية أكدوا أن عدم التجديد لن يقف عند شراء الكهرباء فحسب بل سيشمل الغاز أيضاً وكما كان يحدث في السنوات السابقة. تصريحات نفاها مستشار رئيس الوزراء العراقي فرهاد علاء الدين الذي أكد أن الحظر يشمل الكهرباء فحسب.وأكد معنيون أن تصور حظر شراء الكهرباء والإبقاء على شراء الغاز، سيكون تصرفاً في غير محله وخارج السياق ولا يتسق مع ما أعلنته الإدارة الأميركية في وقت سابق واستيراتيجية الضغط الأقصى ضد طهران.وما يزيد من حالة الالتباس والارتباك هذه هو البيان الذي أصدره رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي عطوان العطواني الذي حذر فيه بعد لقاءه القائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد من انهيار منظومة الكهرباء في الصيف القادم في حال عمدت أميركا إلى الإبقاء على موقفها. العطواني دعا الإدارة الأميركية إلى ضرورة تمديد الإعفاء وحتى تتمكن بغداد من إيجاد بدائل للغاز بعيداً عن ايران.واقع الكهرباء في العراقتظهر الأرقام الرسمية أن العراق ينتج نحو 28 ألف ميغاواط من الكهرباء. يساهم الغاز الايراني المستورد في انتاج مايقارب 40 في المئة من هذه الكمية. وتبلغ الحاجة الفعلية للبلاد نحو 50 ألف ميغاواط. يعكس هذا التفاوت الكبير بين مستوى الإنتاج والحاجة الفعلية للبلاد، الحاجة الحقيقية لبغداد في الإبقاء على إمدادات الغاز الايراني وضرورة إقناع الإدارة الأميركية بتفهم هذا الموقف.وفي كل الأحوال، فإنه سيتعين على حكومة بغداد البحث عن بدائل وحلول سريعة لمواجهة أي تطورات غير محسوبة ستضعها أمام خيارات قد تكون معدومة في وقت بات فصل الصيف على الأبواب.ويتحدث مختصون أن خيارات العراق القادمة هو الاتجاه نحو قطر أو تركمانستان لشراء الغاز. لكن مختصون قالوا إن هذا الأمر يحتاج إلى ترتيبات فنية وتهيئة بنى تحتية خاصة، ومزيد من الوقت حتى يكون العراق مستعداً لاستيراد الغاز من هاتين الدولتين.أسباب التشدد الأميركييعتقد كثير من المراقبين أن التشديد الأميركي هذه المرة هو نتيجة لما تعتقده الإدارة الأميركية أن بغداد أهملت في فترات سابقة وعن عمد تحذيراتها بضرورة إيجاد مصادر بديلة لشراء الطاقة بعيداً عن إيران، الحليف الاستيراتيجي لحكومة بغداد.أصحاب هذا الراي، يتفقون على أن أزمة الكهرباء في العراق لها أبعاد سياسية، فبغداد تسعى من خلال الإصرار على شراء الغاز الإيراني الإبقاء على دعمها لحليفها الاستيراتيجي إيران في مواجهة العقوبات الاقتصادية الأميركية ضدها بسبب مشروعها النووي.وكانت واشنطن قد دعت بغداد مراراً إلى ضرورة اتخاذ إجراءات حقيقية لاستثمار الغاز المنبعث من حقول النفط العراقية بدلاً من حرقه كما يجري الآن. ويرى مختصون أن هكذا إجراء سيكون كفيلاً بسد الحاجة الداخلية للعراق.ومؤخراً أبرمت حكومة بغداد العديد من العقود مع شركات عالمية بهدف استثمار الغاز من حقولها النفطية. لكنها تقول إن تنفيذ هذه العقود يحتاج إلى سنوات لكي تكتمل.الكهرباء فتيل أزمة متفجرة.شكلت أزمة الكهرباء في عراق مابعد العام 2003، معضلة حقيقية ومشكلة عصية على الحل لكل الحكومات المتعاقبة التي حكمت العراق خلال هذه الفترة، رغم الأموال الطائلة التي أنفقت والتي تصل إلى المائة مليار دولار.مثّل الفساد وسوء الإدارة عنوانين رئيسيين لهذه الازمة. ولم يتمكن العراق الذي يعتبر ثاني أكبر مصدر للنفط في منظمة أوبك، من توفير الوقود الكافي لتشغيل العديد من المحطات الكهربائية التي تعمل على الغاز.وقد يكون كلاماً مجازاً هو التحذير الذي أطلقه سياسيون ومراقبون عراقيون أن صيف العراق القادم سيكون بدون كهرباء، لكنه في كل الأحوال يعبر عن حقيقة أكيدة مفادها أن هذا الامر سيكون مقلقاً بشكل كبير، بل ومتداعياً.ومع اقتراب موعد الانتخابات، وتصاعد وتيرة المنافسة بين القوى السياسية فإن الخشية من أن تستغل قوى سياسية هذه المشكلة لإحراج رئيس الوزراء سياسياً من اجل التاثير على حظوظه في الانتخابات القادمة. فقد شهدت المحافظات العراقية الجنوبية قبل سنوات تظاهرات عديدة احتجاجاً على تردي مستوى الخدمات وبالذات ملف الكهرباء. وتسببت تلك التظاهرات بأزمات سياسية أحرجت كثيراً السلطات العراقية.ومع عدم امتلاك العراق لبدائل سريعة، فإن الترجيحات تشير أن العراق سيكون على موعد مع أيام صعبة قد يتم استغلالها سياسياً خاصة وأن موعد الانتخابات بات قريباً.ولن يكون أمام حكومة بغداد من خيار للخروج من عنق الزجاجة سوى إقناع قادة البيت الأبيض بتفهم واقع الحاجة لإيران لإدامة منظومة الكهرباء في العراق، وهو خيار تبدو فرص نجاحه محدودة مع إصرار البيت الأبيض على المضي بعيداً في "استيراتيجية الضغط الأقصى" تجاه إيران.