2025- 03 - 17   |   بحث في الموقع  
logo فياض: العدو الإسرائيلي يخرق الاتفاق logo عز الدين: المقاومة لن تبقي الأمور على ما هي! logo أدونيس في تظاهرة تضامنية مع الساحل السوري logo يسرى مارديني تزور أنقاض بيتها في داريا: لستُ وحدي logo إيران ترفع الإقامة الجبرية عن كروبي..وتعد برفعها عن موسوي logo ترحيل طبيبة لبنانية من الولايات المتحدة logo سوريا: 8 قتلى إثر الاشتباكات على الحدود اللبنانية logo الرئاسة السورية تُشكّل لجنة لاستكمال تنفيذ الاتفاق مع "قسد"
البنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي في لبنان: الصورة سوداوية
2025-03-17 12:55:50


يقف لبنان اليوم على أعتاب مرحلة تتطلب رؤية استراتيجية شاملة، وقدرة على التكيف مع المتغيرات المتسارعة والعميقة التي يشهدها العالم على المستويين الجيوسياسي والتكنولوجي على حد سواء. فبعد ست سنوات قاسية تخللها العديد من الأحداث الكارثية، بدءًا من الانهيار الاقتصادي والمالي وصولًا إلى العدوان الإسرائيلي الأوسع والأشرس في تاريخ البلد، باتت عملية إعادة بناء الدولة على أسس متينة قادرة على استيعاب الصدمات وتحقيق ولو جزءٍ من الوعود التي أطلقها كل من رئيسي الجمهورية والحكومة الجديدين في خطابي القسم والتكليف، حاجة موضوعية لا يمكن تجاهلها.
وفي هذا السياق، يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة يمكن تسخيرها لدفع عجلة النمو الاقتصادي وتحسين الظروف الحياتية للبنانيين، فيما تعكس خطوة إنشاء وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إدراكًا متزايدًا لأهميته. لكن إنشاء وزارة دولة تعنى بهذا المجال ليس أمرًا كافيًا، وإدراك أهمية هدفٍ ما لا يعني بالضرورة وجود الإرادة لتحقيقه، خصوصاً أن الوزارة المستحدثة لا تحظى بالدعم المالي، وبالتالي لا يمكنها وضع استراتيجيات متكاملة وواضحة المعالم وبرامج قابلة للتطبيق على المديين القصير والطويل.
واللافت أن الحديث المتزايد حول أهمية الذكاء الاصطناعي على المستوى الرسمي، وما يرافقه من إيلاء الأولوية لتشييد البنية التحتية الرقمية وتحصين الأمن السيبراني، وما إلى ذلك، يقابله إهمال متزايد للوزارات المعنية على أرض الواقع، حيث انخفضت مثلًا حصة وزارة الاتصالات في قانون الموازنة العامة من 3.27 في المئة في عام 2022 إلى 2.33 في المئة في عام 2024.الذكاء الاصطناعيلا يمكن المبالغة في تقدير الدور الذي يستطيع أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في لبنان، في القطاعين العام والخاص على حد سواء، خصوصًا بعد الفراغ الهائل الذي خلّفه الانهيار الاقتصادي، ووجود بيئات جاذبة للاستثمار في ظل العودة التدريجية للانتظام العام، وذلك على الرغم من الوضع الأمني المتقلب والاحتقان المتزايد في كل من لبنان ومحيطه السوري معًا. ففي المجال الاقتصادي، يمكن أن تساهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية، وخفض التكاليف، ومكافحة الهدر والفساد، وتطوير منتجات وخدمات جديدة، وتعزيز القطاعات المنتجة التي لطالما أُهملت على مر العقود.
لكنها في الوقت نفسه، وضمن علاقات إنتاج وسياسات اقتصادية تجعل من "تحقيق الربح" الهدف الوحيد، على الرغم من التأثيرات الهائلة التي يمكن أن تطال بنية المجتمع، والتي من شأنها أن تُحدِث تغييرًا سلبيًا جذريًا في سوق العمل، وأن تشكل تهديدًا حقيقيًا للقوى العاملة البشرية التي ستجد نفسها غارقةً في مستويات متزايدة من البطالة والعمالة الرخيصة. لذا، فإن تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يتطلب بشكل متزامن وضع سياسات وقوانين تدعم التوازن بين استخدامه وحماية الوظائف البشرية، سواء من ناحية توفير برامج تدريبية لإعادة تأهيل القوى العاملة وتطوير مهارات العمال والموظفين، أو من ناحية توجيه عملية استخدام الذكاء الاصطناعي بما يضمن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بهدف خلق فرص عمل جديدة ومتنوعة في سوقٍ تنافسية فعلية تمنع تركّز الثروة، بدلًا من تعزيز احتكار هذه التقنيات من قبل المتمولين الكبار وأصحاب المؤسسات الكبيرة. والدولة هي الطرف الذي يجب أن يلعب الدور المحوري في إقامة هذا التوازن، لذا يمكن اعتبار وزارة الدولة المستحدثة بإشراف وزير المهجرين كمال شحادة بمثابة "إعلان نية" لإنشاء وزارة حقيقية في المستقبل، حيث يمكن لها أن تلعب دورًا أساسيًا في تحديد شكل وطبيعة سوق العمل والاقتصاد اللبناني من جهة، وتيسير عملية الإصلاح الإداري في القطاع العام من جهة أخرى، فيما لو تحوّلت إلى وزارة تملك ميزانية خاصة، وخطة عمل استراتيجية، وصلاحيات تنفيذية، وفريق عمل متمكن قادرٍ على الإشراف والتنفيذ والمتابعة.التحوّل الرقميوهذه ليست المحاولة الأولى، أو لحظة الإدراك الأولى، لأهمية استخدام التكنولوجيا في الحوكمة. فالاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي 2020-2030 التي أطلقتها وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، وحدّثتها في أيار/مايو 2022، تهدف إلى القيام بالإصلاحات الإدارية الضرورية في القطاع العام وتعزيز آليات الحوكمة، وذلك بالتعاون مع مجموعة البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ومن ثم، جاء مشروع قانون الإطار التنظيمي للتحوّل الرقمي الذي أعدّته الوزيرة السابقة الدولة لشؤون التنمية الإدارية نجلاء رياشي. كانت هذه المبادرات جادة لجهة تشييد بنية تحتية حكومية رقمية. إلا أن نصف المدة الزمنية المحددة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي قد مرت دون ظهور نتائج جدية، على الرغم من تكاملية وشمولية المشروع والاستراتيجية الموضوعة.
في هذا الإطار، يشير المدير التنفيذي لمنظمة الحقوق الرقمية "سمكس" (SMEX) محمد نجم في تصريح لـ"المدن" إلى أن الرقمنة هي أحد المواضيع الحيوية التي يجب تناولها في سياق التطورات الحالية داخل الدولة اللبنانية، وإلى أن الأولوية المطلقة فيما يتعلق باستراتيجية الرقمنة يجب أن تولى "لوضع قانون خاص بالخصوصية أو معايير لحماية الخصوصية والأمن الرقمي، قبل أن يتم ربط البيانات المختلفة وتوفيرها كخدمات ضمن القطاع العام للمواطنين".
ويعلّق نجم حول إنشاء وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بالقول: "حتى الآن لا يزال غير واضح ما هي ميزانيتها"، وبأنه "حتى الآن لا توجد خطة فعلية يمكن الاطلاع عليها وإبداء الرأي بشأنها"، وأن هناك حاجة "لوضع استراتيجيات واضحة ومحددة، وإبقاء النقاش حول قضية الذكاء الاصطناعي والأمن الرقمي والسيبراني مفتوحاً".
يركّز نجم على الجانب الأمني المتعلق بالبنية التحتية الرقمية، خصوصاً بعد انكشاف مدى هشاشة قطاع الاتصالات وحجم الاختراق الأمني وتسرّب بيانات جميع المواطنين اللبنانيين خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وقدرة إسرائيل على التجسس على كل شخص يسكن على الأراضي اللبنانية، سواء كان ذلك من خلال التطبيقات المختلفة أو المواقع الإلكترونية الرسمية التابعة لجميع المؤسسات والمرافق العامة. بل أكثر من ذلك، لدى أي مقرصن أو جهة مقرصنة داخل أو خارج لبنان القدرة على اختراق جميع البيانات، ولا وجود لأي خطة فعالة تضمن حماية البيانات من الاختراقات السيبرانية وتعزيز البنية التحتية للأمن السيبراني.لا بنية تحتيةفي سياق متصل، يُبرز الخبير في الأمن السيبراني والتحول الرقمي رولاند أبي نجم في تصريح لـ"المدن" إلى أن الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي "لم تتبناها القوى السياسية وألقيت في الأدراج، وهي غير قابلة للتطبيق في ظل غياب هيئة ناظمة للتحول الرقمي، وتخطيط مركزي، وحوكمة رشيدة". ويضيف أنه "في كل بلد في العالم هناك هيئة ناظمة للتحول الرقمي تتبع للسلطة التنفيذية، ولا يمكن أن يكون هناك هيئة تابعة لكل وزارة على حدة. لكن في لبنان، قام كل من "حزب الله" وحركة "أمل" بالاعتراض على ربط إدارة الهيئة الناظمة للتحول الرقمي بمجلس الوزراء بشكل مباشر بذريعة اختلال التوازن الطائفي، على اعتبار أن الهيئة في هذه الحالة تضاف إلى "مكتسبات" الطائفة السنية. وطلب الثنائي الشيعي ربطها بوزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، ثم وُلِد آنذاك خلافٌ جديد حول الوزارة نفسها. وعمل رئيس مجلس الوزراء السابق نجيب ميقاتي إلى تشكيل لجنة من 6 وزراء، على قاعدة الـ6 و6 مكرر، قام كل حزب بتسمية وزير تابع له فيها".
التحول الرقمي هو مدخل لمكافحة الهدر والسرقات، لكنه في الوقت نفسه يمكن أن يتحول إلى مدخل جديد للفساد في ظل النظام القائم على التحاصص الطائفي في لبنان. وفي هذا السياق يقول أبي نجم إن "وزارة الدولة ليست وزارة ولا قيمة حقيقية لها. وكان من المفترض أن يُعيَّن كمال شحادة وزيرًا للاتصالات بحكم أنه خبير في المجال، لكنهم قاموا بإعطائه جائزة ترضية إلى جانب وزارة المهجرين اسمها وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ووزير الدولة لا يملك وزارة حقيقية ولا ميزانية حقيقية ولا موظفين ولا فريق عمل".
يتابع أبي نجم: "إن طرح إنشاء وزارة للتكنولوجيا والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي تملك صلاحيات وميزانية خاصة، وتقوم بإدارة عملية التحول الرقمي بشكل مركزي في جميع الوزارات والقطاعات الحكومية، وتكون هي المرجعية الوحيدة وتمنع إدارة التحول الرقمي في جميع المؤسسات العامة من دون العودة إليها، هو طرح موجود بالفعل، لكن لا أدري مدى جديته".
أما في ما يتعلق بالبنية التحتية للأمن السيبراني، فيؤكد أبي نجم أنه لا وجود فعلي لها في لبنان، وأنه حتى البنى التحتية التقليدية لقطاع الاتصالات التابعة لهيئة "أوجيرو" لم يُعمل على صيانتها منذ عام 2019، وأن الفضائح كبيرة في ما يخص المواقع الإلكترونية للإدارات العامة والوزارات وكيفية تصميمها. ويبدي تشاؤمه من المسار المتبع في هذا المجال، حيث "تبدو الصورة سوداوية بعد تراجع الاستثمارات وهدر المساعدات السابقة وبدء الجهات المانحة بفقدان ثقتها بلبنان. ولكننا نتأمل بأن القيمين الآن على البلد يدركون أهمية هذا الموضوع. والمطلوب من وزير الاتصالات أن يمنع جميع شبكات الاتصالات الداخلية غير التابعة للدولة، وشبكات الانترنت غير الشرعية، فلا يمكن تشييد أي بنية تحتية رقمية من دون ضبط وتنظيم القطاعات غير الشرعية أولًا".


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top