2025- 03 - 17   |   بحث في الموقع  
logo توقيف قاضٍ سابق ونقله إلى سجن في الاشرفية.. هذه هي تهمته logo البطريرك يازجي يستقبل وفد الرابطة اللبنانية للروم الأرثوذكس ويتسلم رسالة دعم.. logo تحذير أميركي بشأن تحقيقات ضد القادة الروس في أوكرانيا logo شبها خامنئي بالأسد... فتم سجنهما! logo "بالقرب من المسجد"... عملية سلب تحت تهديد السلاح! logo فياض: العدو الإسرائيلي يخرق الاتفاق logo عز الدين: المقاومة لن تبقي الأمور على ما هي! logo أدونيس في تظاهرة تضامنية مع الساحل السوري
حتى لا يستمر الكذب ولكي يبدأ الحوار
2025-03-17 12:25:53

ما جرى من مذابح وجرائم حرب منذ أكثر من عشرة أيام، في عدة مدن وبلدات وقرى ساحلية في سوريا، وما أعقبها ودار حولها من نقاشات عدمية وحوارات نارية، رفع اللثام عن جزءٍ من وجه الحقيقة القبيح أو المشوّه، والذي سعى السوريون عقودًا لإخفائه عن الذات وعن الآخر. ولقد أظهرت بشاعة ما قامت به بعض "العناصر غير المنضبطة" ـ كما قيل ـ بحق المدنيين من أهالي "الفلول" أو من جاورهم، بأن هناك كارثة أخلاقية بنيوية في تركيبة الإنسان السوري المعاصر. وبالطبع، من السهل للغاية، إلقاء اللوم والإدانة بوجه النظام السابق القبيح تكوينًا وفلسفةً وممارسة. لكن هذا التحميل المريح للمسؤولية يمنعنا من مواجهة أنفسنا أمام مرآة التاريخ والوقائع. فهو يحرمنا من تبوء دور، أيما دور، في مواجهة هذا الانحراف ومقارعة نتائجه الوخيمة على مستقبل البلاد.لقد كان النظام "الأسدي" السابق، وإلى جانب مجموعة كبيرة من الصفات السلبية والممارسات الوحشية التي تدين مجرّد وجوده، يكذب بشكل مفضوح ومن دون وجل، يساعده في ذلك جوقة "حسب الله" من رجاله للدين، وليس رجال الدين، مشدّدًا على وجود حقيقي للتآخي ورسوخ الانسجام الكامل في عمق المجتمع السوري بين الأديان والمذاهب والاثنيات. كان يكذب ويعرف بأنه يكذب. ويدعو أتباعه، كما جرت عليه العادة، إلى امتهان الكذب والمجاهرة به، في كل حدب وصوب. ولقد وصل البلل إلى وجنات بعض النخب المعارضة، والتي تبنّت هذه الكذبة السلطوية وادّعت بأن "لا حدٌّ يُباعدنا ولا دين يفرّقنا". وخاضت في لغة الشعارات والعناوين الشعبوية. بل وصلت بهم حالة تقمّص خطاب السلطة وإعادة إنتاجه، على الرغم من استمرارهم بشتمها في الآن نفسه، إلى أن يعتبروا بأن النعرات الطائفية والحدود الاثنية هما من صنع آلة الاستبداد المقيت ليس إلا. وبذلك، فهم يبرؤون المجتمع، وهم في محوره أو هكذا يُفترض، من أي انحراف موصوف باتجاه التعصّب والعصبية.إن الهروب المتعمّد الذي قامت به بعض النخب المثقفة والواعية من أمام واقع مجتمعاتها، أودى بها، إضافة إلى عوامل أخرى، إلى الجهل بحقيقة وتعقيدات المشهد المجتمعي المحلي، ولو بشكل غير متعمّد. وساهم هذا الجهل في مسار عجزها عن اجتراع الحلول المناسبة لإخراج هذا المجتمع من عنق الزجاجة الذي حصر به. فقد ظهر واضحًا بأن لكل طرف أسبابه لتغطية الحقيقة المرة وتجاهل وجودها وأثر هذا الوجود. فالحاكم المستبد، يستغل الانقسامات البينية داخل البلاد، بل هو يُشجّع على توسيعها وترسيخها، وذلك على الرغم من استمراره بالكذب نافيًا وجودها أصلاً. وبالحقيقة، ونتيجة التجربة التي خاضها وخبرها، فهذه الانقسامات تساعده على حسن إدارة الاستبداد، وجعله أكثر مردودًا له ولزبانيته. أما المعارض، ففي نفيه، أو في تجاهله للواقع الذي تؤكّد عليه مجمل الدراسات العلمية الجدية، محاولة منه فاشلة للهروب الى الأمام. فهو يتهرّب عمومًا من القيام بما تُجمع عليه الدراسات التاريخية من أنه واجب المواجهة والانخراط في عملية نشر الوعي، وأخذ الموقف النقدي الحاد ومعاندة التيار المهيمن.نعود إلى أحداث الأسبوع الماضي في الساحل السوري، فلقد أوضحت، بما لا لبس فيه، بأن التخندق والتمترس الطائفي والمذهبي سريعا النشوء والتطور. ويبدو أن هذا التخندق، إضافة إلى وجوده المادي عبر شخوص تقتل وتُقتل على أرض البلاد، فإن له وجودًا افتراضيًا ليس بأقل دموية ووحشية من وجوده المادي الحقيقي. وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بمجموعة متكاملة من الحشرات الالكترونية التي التهمت ما كان يسمى بالذباب الالكتروني وتجاوزت أداءه لتصبح "مبدعة" في إنتاج الخطاب الطائفي والتحريضي. خطاب التشفي والتغني. خطاب تشويه الآخر عن بعد، لمجرد اختلاف معالجة هذا الآخر لحدث وطني له وقع هائل وسيكون له، إن أهمل علاجه الجذري والمدروس، أن يؤسس لمجتمع حرب أهلية مستدامة. واستطاب بعض المقاتلين الافتراضيين، وهم الأكثر والأوسع انتشارًا، في تعنيف الطرف الآخر بالشتائم المسنودة فقهيًا، متهمين بالكفر أو بالخيانة كل من لم تسوّل له نفسه الأمارة بالحرية أن لا يخضع لمشيئتهم الدموية. ولو أتيح لهم لصاروا قاطعي أعناق لكل من اختلف عنهم في الرأي. ولقد خُيّل للبعض منهم أن نفي الوقائع والحقائق الموثّقة، يزيدهم قربًا من أصحاب القرار الجدد. فسياسة التمجّد المؤسس لها منذ القدم، والتي يحافظ العامة على تراثها بكل حرص وغيرة، تصبح هي النبراس في اتخاذ المواقف. بداية الحل الوطني، الذي لم ير النور بعد، هو أن نعترف جميعًا، نخبًا وعامة، حكامًا ومسؤولين، بأننا لا نعيش، ولم نكن أبداً نعيش في مجتمع متجانس متحاب ومنفتح على كل مكوناته، بالشكل الكاذب الذي حاولنا تصديقه طوال عقود. وهذا لا يعود لفترة الأسدين الماضيين الى مزابل التاريخ فحسب، بل يرجع الى أزمانٍ بعيدة لعبت عديد من العوامل الذاتية والموضوعية في تفاقمها. وعلى الرغم من الأدوار السلبية للغاية التي لعبها المستعمر والمستبد في ترسيخ هذه الانقسامات، إلا أننا جميعا لنا دورٌ مهم في تفاقمها وفي ترسيخها. وأهم أدواتنا في مفاقمتها وتعظيم أثرها، هو رفضنا الاعتراف بأننا بحاجة لحوار وطني حقيقي وشامل وموسّع على مختلف المستويات، يعتمد مبدأ الشجرة الباسقة وفروعها المنحنية أو الآيلة للسقوط من دون استثناء أحد، ومن دون اللعب على الكلمات، ومن دون تقبيل اللحى، ومن دون حرق المراحل. حوارٌ لأسابيع وأشهر، لا لساعات. حوار ينطلق من الخلية الصغرى في المجتمع المحلي الضيق، ليصل إلى مؤتمر وطني جامع. فهل من مستجيب؟


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top