الإنتخابات البلدية: مؤشرات صراع وتحالفات للانتخابات النيابية
2025-03-16 00:25:46
تتعاطى معظم القوى السياسية مع الانتخابات البلدية المقبلة كمحطة مفصلية قد تفرز سياسات وموازين قوى جديدة. فهذه الانتخابات تتجاوز كل الكلام عن أهمية السلطات المحلية والحوكمة الرشيدة والإنماء المتوازن. وهي تتخطى كذلك، كل ما يحكى عن تمهيد للامركزية الإدارية والمالية الموسعة، لتشكّل جسّ نبض مبكر للانتخابات النيابية المقبلة.
لم تتوصل بعد غالبية الأحزاب اللبنانية في صوغ تحالفاتها النهائية للانتخابات البلدية، لكنها منهمكة في العمل عليها وبلورتها، خصوصاً في المدن والبلدات الكبرى.تصويت جديد: للعهد...قد يكون لانتخابات بلدية بيروت وحدها، بعداً يتجاوز الحساسيات السياسية وحساباتها، ليلامس حدود الخيارات الوطنية الكبرى، وكل ما تختزنه العاصمة وتمثله من احتضان للبلد وتنوعه ورحابته؛ أما ما عداها، فهي صراعات نفوذ وأحجام وأدوار مرتقبة. تنخرط كل القوى في هذه المعركة احزاباً ومستقلين وأفراداً طامحين لدخول العمل في الشأن العام كبوابة للنادي السياسي.
وبدات استطلاعات الرأي تنشط في بعض المدن، خصوصاً ذات الغالبية المسيحية، والمفاجئ فيها، ظهور فئة من بين المستطلعين تعلن رغبتها التصويت لـ"العهد" أينما مالت رياح "مرشحيه"، وليس لأي حزب أو زعامة محلية.
وإذا كان الوقت، غير البعيد، كفيلاً ببلورة هذه الرغبات وما إذا كانت تتطابق فعلا مع "رغبات العهد" وإرادته، أو هي موجة عاطفية مفهومة، فإن القوى السياسية وضعت هذه الملاحظة تحت مجهر اهتماماتها ومتابعتها.
فمعرفة المزاج الشعبي وخياراته هي إحدى أبرز الانتظارات من الانتخابات البلدية التي تكشف، في الوقت نفسه، أوراق العديد من القوى السياسية وتحالفاتها.
وفي السياق، تتقاطع معلومات "المدن" عن مفاوضات مكثفة تجري بين أحزاب وعدد من النواب المستقلين، حاليين وسابقين، في أكثر من منطقة للوصول إلى تفاهمات حول البلديات شرط أن تنسحب على التحالف في الانتخابات النيابية.المستقبل و"الثنائي"ما من بلدة تخلو من الاستنفار "البلدي"، كل لأسبابها وخلفياتها، التي قد تبدأ من منافسات عائلية وحساسيات جيرة، لكنها في معظمها تنتهي في مصبّ السياسة ومياهها الموحلة. وبديهي أن تشهد البلدات الكبرى صراعاً سياسياً أشد وضوحاً. هي حال بيروت طبعاً، وطرابلس وزحلة وجونية والنبطية وصيدا وجبيل وبعلبك وغيرها... .
وفي حين ترتدي الأحزاب قفازات في تعاطيها مع الانتخابات البلدية في بعض البلدات الصغيرة تجنباً لحساسيات قد تُخسّرها عوض ان تضيف إليها، فإنها تخلع قفازاتها في المدن الكبرى وتخوض مواجهات قاسية.
ولكل حزب اليوم تحدياته التي يريد أن يفوز فيها.
ففي الساحة السنيّة يريد "تيار المستقبل" أن يعود بزخم إلى الحياة السياسية فيخوض الانتخابات على كل الأراضي اللبنانية، التي له ثقل انتخابي فيها، سواء بقدراته منفرداً أو من خلال بعض التحالفات. لكنه تحديدا في طرابلس وصيدا وبيروت، كما في البقاع وعكار، له شركاء كثر من أحزاب وشخصيات وقوى مستقلة، لم تعلق عملها السياسي، وإن لم تكن شديدة التأثير في بيئتها.
أما "الثنائي الشيعي" فسيواصل السعي للملمة التمايزات بين "أمل" و"حزب الله" التي تكون الانتخابات البلدية، عادة، مسرحاً واسعا لها. وسيسعى حزب الله للتأكيد على "وفاء" جمهوره والتزامه بلوائحه. وهي رسالة سياسية بصندوق بلدي يريد إيصالها بوضوح لكل مشكك ومراهن على انفضاض "بيئته" عنه.
من جهته، يتمنى الحزب التقدمي الاشتراكي التخفف من تسييس الانتخابات البلدية، لكنه سيخوضها بالسياسة متمسكاً بحصته كاملة من بيروت إلى آخر بلدة له نفوذ وناخبين فيها.الأحزاب المسيحيةفي الساحة المسيحية، يخوض التيار الوطني الحر أولى تجاربه الانتخابية وهو خارج السلطة، وقد انهكته الانقسامات الداخلية. لذلك فإنه يكثف لقاءاته السياسية مع انفتاح ملحوظ على قوى محلية وزعامات تقليدية في البلدات الكبرى، لبناء تحالفات معها يمكن أن تدوم وصولاً إلى الانتخابات النيابية. يسعى إلى الانفتاح على الجميع مراهناً على قاعدة انتخابية صلبة.
من جهتهم، يعتبر مسؤولو القوات اللبنانية أن الانتخابات البلدية ستترجم بالملموس حجم توسع الحزب في الأوساط المسيحية، خصوصا لدى الأجيال الشابة. لذا تفاوض القوات مع المستقلين من موقع القويّ، وتريد الاستفادة، إلى ابعد حدود، من الرأي العام المسيحي المحايد وكسبه إلى جانبها، وهو الذي يرجح في كثير من الأوقات جهة على أخرى.
وفي هذا السياق يأتي الحوار بين القوات والكتائب للتنسيق على مستوى بلديات كلّ لبنان، وقد قطع أشواطاً متقدمة. ويراهن مسؤولون في الحزبين على إمكانية التوصل إلى تفاهمات تنسحب على الانتخابات النيابية.
إلى ذلك، يشغل المستقلون و"المجتمع المدني" في مشهد الانتخابات البلدية مساحة تشكل منافسة جديّة للأحزاب. مثال الخروقات التي سجلها هؤلاء في الانتخابات السابقة شرّعت لبعضهم أبواب المجلس النيابي، ووسّعت طموح كثيرين حتى صاروا يراهنون على تعبيد طرق "البلدية" كممر الزامي نحو النيابة.
المدن