2025- 03 - 15   |   بحث في الموقع  
logo الرئيس عون في إفطار دار الفتوى: التحديات التي يواجهها لبنان كبيرة لكن إرادة الحياة أكبر وأقوى logo الاتحاد العمالي العام يقدّم مطالبه لرئاسة الجمهوريّة logo الولايات المتحدة تتجاوز خطر الإغلاق الحكومي logo السماء تُمطر وروداً على ساحة الأمويين logo زيلينسكي يصف بوتين بـ"الكذّاب"! logo "صفحة جديدة"... عون يؤكد ضرورة تضافر الجهود لإعادة إعمار لبنان logo خبر خطير وصل الى لبنان: شخصيات بارزة "تتحسس رقابها" وبشرى سارة لهؤلاء.. انتظروا حقائب المال! logo من بينهم يمني... مداهمات وتوقيف مطلوبين في طرابلس!
عاصم الباشا لـ"المدن": أضعتُ في سوريا جُهد أربعين عاماً
2025-03-15 14:25:51

منذ انطلاق الثورة السّوريّة في العام 2011، شكّل الحراك الثقافيّ إحدى الأدوات الأساسيّة لتثوير الحيز العام، حيث استُخدمت الفنون والممارسات الثقافيّة كوسائل توثيقٍ ونقدٍ وتخيُّل لحقّ السّوريّين في حياةٍ كريمة خارج قيود الاستبداد. ومع تسارع وتيرة الحرب وتدويل الصراع وارتفاع منسوب العنف والفقد، كانت المؤسسات الثقافيّة المستقلّة ومعها المثقفون والفنانون والكتّاب داخل سوريا وفي مهاجرها بمثابة شريان حياةٍ عنيد، خلاّق في صنع سردياتٍ بديلة ومتعدّدة عن تلك الّتي فرضها المنتصرون – حينها – في المعركة العسكريّة، وبطرقٍ تتجاوز المنظور البعثيّ الداعي إلى "الصهر في بوتقةٍ واحدة".اليوم، تتجلّى أسئلة مشروعة حول مدى تجذّر هذا الفضاء، وكيف قد يبدو مستقبله في المنافي وفي الداخل السوريّ، حيث بقيت إرادة الخلق والمقاومة تنمو ولو في التربة الأشدّ وعورةً. في هذا السّياق، تلتقي "المدن" عددًا من الفنانين والكتّاب السّوريّين، للوقوف على آرائهم حيال راهن المشهد الثقافيّ السّوريّ ومستقبله.***في مسيرةٍ تموج بين بوينس آيرس ويبرود وموسكو وباريس وغرناطة، ظلّ عاصم الباشا وفيًّا لشغفه الإبداعيّ ولامتلاكه قرار الرفض والـ"لا" في وجه القمع الموغل بالتعسف. شكّلت الثورة السّوريّة لحظةً فارقةً في حياته، أسفرت عن خسائر جسيمة في أرواح أحبّته وفي أعماله الفنيّة الّتي دفن بعضها في يبرود أو نُهب بعضها الآخر. ومع ذلك، بقي صوته الفنيّ والأدبيّ حاضرًا في المنفى، يروي حكاية المنكوبين بالألم ومُمجّدي الحريّة. في هذه الحلقة، تلتقي "المدن" النحّات والكاتب السّوريّ عاصم الباشا، الذي يميل إلى "الإيجاز ولا يُطيق المطوّلات" على حدّ قوله:- بصفتك فنانًا وكاتبًا سوريًّا عايش التحوّلات السّياسيّة والاجتماعيّة في سوريا، كيف تصف التغيّرات الّتي طرأت على المشهد اليوميّ في سوريا عبر العقود، بدءًا من فترة حكم حافظ الأسد، مرورًا بالتحوّلات الكبرى في عهد بشار الأسد، وصولًا إلى ما بعد 2011؟ وكيف أثّرت هذه التحوّلات على تجربتك الفنيّة والأدبيّة؟* لنقُل إنني أحاول النحت منذ 65 سنة (كنتُ في الثانية عشرة من عمري عندما أنجزتُ عملًا بالحجر)، وأكتب كهاوٍ ما لا أستطيع نحته. أمّا المشهد فقد عبّرتُ عنه العام 1987 حين قرّرتُ الرحيل واختيار النفي الذاتي؛ بسبب إصرار "القصر الجمهوري" على أنّ أنجز تماثيل لحافظ الأسد. كانت دعواتٍ مبطّنة بالتهديد، فهربت. كتبتُ يومها: "إن أمعنتَ النظر لرأيتَ أنّ كلّ من يتحرّك من حولك يمكن تصوّرهم كشواهدَ تتحرّكُ واعدةً بالعدم، عدا أولئك الذين يتركون أثرًا حسنًا، وهم النّدرة".لمستُ الضحالة منذ مراهقتي، إذ كان والداي يهدياننا الكتب في طفولتنا بدلًا عن الألعاب، وكان من الطبيعيّ أن أتمرّد على سخف المناهج الدراسيّة، وتشرّفتُ بطردي من كلّ المدارس الحكومية بقرارٍ وزاري. ازداد الحال سوءًا مع تزايد القمع والإجرام؛ فقد قُتل لي أخٌ يصغرني تحت التعذيب، العام 2012.اللحظة السّوريّة من منفى الباشافي سنّ العشرين، حصل الباشا على منحةٍ حكوميّةٍ لدراسة النحت في "معهد سوريكوف للفنون التشكيليّة" بموسكو، وكان الطالب الوحيد المقبول بين المتقدّمين العرب والأجانب آنذاك. تنقّل خلال سبع سنواتٍ بين موسكو وباريس؛ فتعلّم الروسيّة والفرنسيّة واطّلع على تيّاراتٍ فنيّةٍ شتّى. عاد إلى سوريا العام 1977، وكان من المفترض أن يُعيَّن أستاذًا في كلية الفنون الجميلة في دمشق، لكنّ التقارير الأمنيّة جعلت منه شخصًا "غير مرغوبٍ فيه". هكذا وجد نفسه مُعلّمًا للرسم في الحسكة، أقصى شمال شرق سوريا، بدلًا من العاصمة.- اليوم، وبعد سقوط النظام وفي ظلّ الزخم الذي تحمله اللحظة السّوريّة، هل تعتقد أنّه بات هناك أمل في استعادة الحياة الثقافيّة المسلوبة؟* أيّ زخم؟ غالبية الشعب عبّرت عن فرحها بسقوط نظام آل الأسد، لكنّها غافلة عن احتمال انتقالها من طغيان إلى آخر. عبّرتُ عن توقّعاتي هذه في اليوم التالي لدخول "القاعديين" إلى دمشق. الإبداع العربيّ الحقيقيّ نادر، وليس كلّ ما يُطبَع جديراً بالقراءة. ابني البِكر اعتاد القراءة ثماني ساعاتٍ يوميًا، حتى في المظاهرات. كان في بداية العشرينيات حين رأيتُ قرب سريره على الأرض كومَتين من الكتب؛ إحداهما صغيرة والأخرى كثيرة الكتب. سألته عن الأمر، فأجاب مشيرًا إلى الكومة الصغيرة: "هذه لأعطيها للأصدقاء، أمّا الأخرى فلإعادة تدويرها لصناعة الورق". وهو محقّ؛ ربما لأنّه نشأ في بيئةٍ ثقافيةٍ لا تكتفي بما يُقدَّم.- كمثقّفٍ سوريٍّ يعيش في المنفى، كيف تقيّم المسار الذي سلكته القضيّة السّوريّة حتى الآن؟ هل ترى أنّها وصلت إلى مرحلة متقدّمة يمكن البناء عليها، أم أنّ التحدّيات ما زالت تعرقل الوصول إلى نتائج ملموسة؟* لا أخفيك أنّني غير متفائل؛ بسبب الفقر الثقافي المهيمن على مجتمعاتنا العربية كافة. تكاد تختفي الثقافة المكتسَبة بالبحث والدرس وإعمال العقل، بينما تسود الثقافة المتوارَثة كالانتماء والمعتقد. لا يمكن أن يتقدّم مجتمعٌ تسود فيه القناعة بأنّ كلّ ما يحدث هو "مشيئة الآلهة". هكذا شعبٌ قابلٌ للخنوع دومًا ولا يعرف التمرّد والثورة.العودة إلى دمشق مجدّدًا والرحيل الاضطراريّفي العام 2011، وأمام إرهاصات الثورة السوريّة، قرّر الباشا نقل قرابة سبعمئة عملٍ فنّيٍّ من إسبانيا إلى بلدته يبرود؛ لتأسيس مشغلٍ هناك يستفيد منه الشباب. لكنّ الشرارة الثوريّة كانت على الأبواب، فشارك في الحراك الشعبيّ، وعاد إلى إسبانيا حين أدرك أنّ القبضة الأمنية تزداد وحشيّة. تعلّقه بأعماله الفنيّة دفعه إلى العودة مرّة أخرى لإنقاذها من خطر القصف والنهب؛ فدفن بعضها في الأرض، وهُرّب القليل منها خارج سوريا، بينما ظلّ مصير ما يزيد عن تسعمئة عملٍ مجهولًا أو تعرّض للسرقة والتخريب.- مع تطلّعات السوريين إلى مستقبلٍ جديد، هل ترى في "سوريا المقبلة" ازدهارًا للمشهد الثقافي؟ وهل يمكن أن يؤدي الفنّانون والكتّاب العائدون دورًا في إعادة بناء المشهد الثقافي؟* هذا مرهونٌ بقدراتنا. لا تنسَي أنّ المبدعين من العاملين في الثقافة أقلّيةٌ للغاية، وأنّ الغالبية "متثاقفة"، لا أكثر. ثمّ إنّ القمع الفكري آت، ألمسه منذ الآن، وسيُخرس الأصوات الجادّة. شخصيًا سأبقى في منفاي.- من خلال تجربتك كفنان، كيف تقيّم دور الفنّ في الحفاظ على الذاكرة الجمعية للسوريين؟ وهل تعتقد أنّ الأعمال الفنيّة قادرة على مواجهة محاولات طمس الحقيقة وإعادة كتابة التاريخ؟* غالبية التشكيليين يمارسون تقليد ما يُطرَح في الغرب. الخللُ في الإعداد الثقافي، ففي تراثنا القديم ثروةٌ تفوق كثيرًا من الصيحات الغربية. المحاولات الجادّة قليلة، وحاولتُ دومًا أن أكون بينها. ربما لهذا أجد الأبواب مغلقةً في وجهي في بلادنا العربية، وفي سوريا بالطبع.- بعد سنواتٍ من العمل في المنافي، هل تعتقد أنّ للفنانين السوريين اليوم دورًا في تشكيل هُوية ثقافيّة سوريّة جديدة، قائمةٍ على مفاهيم الحرية والعدالة والتعدّدية؟* لا.الكتابة والترجمة والأثر الأخيررغم التهجير وخسارة جزءٍ كبيرٍ من إرثه الفنيّ، واصل الباشا الكتابة والترجمة. أصدر كتابه عن يوميّات المشغل بعنوان "الشامي الأخير في غرناطة"، وفاز بجائزة ابن بطوطة 2009. وفي العام 2015، ظهرت روايته "غبار اليوم التالي"، إلى جانب ترجمته رسائل فان غوخ تحت عنوان "عزيزي ثيو". ما زال يقيم في غرناطة، ينحت ويكتب بحرقةِ مَن رأى بلاده تُنهب وتُدمَّر، بينما يطمح أن يعود إليها فنٌّ حرٌّ وأصواتٌ لا تخاف.- ما الذي تبقّى لديك من سوريا رغم الغربة؟ وكيف أثّرت التجربة السوريّة في هويتك الإبداعيّة على مدار السنوات؟* لم يتبقَّ لي سوى ثقافةٍ اكتسبتُها بجهدي، ولا أملك سواها. وقد أضعتُ في سوريا أربعين عاماً من جهدي، إذ كنتُ أنقل إلى بيت الأهل في يبرود جلَّ ما أنتجه في إسبانيا (ومَن يعرفني يعلم أنّني أعمل ثمانية أيّامٍ في الأسبوع)، وقد نُهب ذلك الجهد من قِبَل مجهولين عندما سيطر النظام بمساعدة "حزب الله" على يبرود. لذا ما عدتُ أملك شيئًا في سوريا سوى بعض القبور، وأصدقاء قلائل أحنّ إليهم. بالمناسبة، أنجزتُ في إسبانيا نصبًا تذكاريًّا تحيّةً للفلاحين، ولعلّه العمل الوحيد في أوروبا الذي يعتمد أثمن ما قدّمته حضاراتنا القديمة لتأريخ النحت: الحركة الداخلية للكتلة. أمّا آخر أعمالي النَّصبيّة التي تبرّعتُ بها، فكان رأس أبي العلاء المعرّي، الذي سينتظر في باريس طويلًا ريثما تُتاح له العودة إلى معرّة النعمان.



المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top