في تحول جوهري، تم استبدال "القانون 49" الذي أصدره رئيس النظام السابق حافظ الأسد العام 1980، والذي كان أداة للتخلص من كل معارضيه عبر الحكم عليهم بالإعدام، بمادة جديدة في الإعلان الدستوري الذي تم الإعلان عنه الخميس، تحمل الرقم ذاته، لكنها هذه المرة تجرم كل رموز نظام الأسد البائد، وكل من يدافع عنه أو يبرر جرائمه.
وجاء في نص المادة 49: "تجرم الدولة تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، ويعد إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون". ويعتبر هذا التغير إعادة صياغة لمسار العدالة في سوريا، بحيث لا يقتصر فقط على محاسبة الأفراد الذين أداروا منظومة القمع، بل يحمل دلالة أعمق تتجاوز البعد القانوني إلى البعد السياسي والتاريخي.واستخدم النظام المخلوع "القانون 49" لعقود كأداة لتصفية الخصوم السياسيين، خصوصاً أعضاء جماعة "الأخوان المسلمين"، لكنه في جوهره كان غلافاً قانونياً لإعدام كل من يعارض النظام، حتى لو لم يكن منتمياً للجماعة، وكان جزءاً من منظومة استبدادية واسعة أعطت الغطاء القانوني لجرائم النظام، ومنحته القدرة على إبادة المعارضين بقرارات محاكم صورية.وتعكس المادة الجديدة اتجاهاً معاكساً تمامًا، حيث أصبح القانون سلاحاً بيد العدالة بدلًا من كونه أداة للبطش، وهو اعتراف قانوني بأن الجرائم التي ارتكبها النظام لا يمكن أن تمر بلا محاسبة، وأن من تولوا السلطة في سوريا طوال العقود الماضية ليسوا حكّامًا شرعيين، بل متهمون يجب أن يمثلوا أمام القضاء.وتحمل المادة الجديدة بعداً قضائيأً جدياً، حيث تفتح الباب أمام محاكمة رموز النظام كما حدث في نورنبرغ بعد سقوط النازية، أو كما جرت محاكمة رموز نظام صدام حسين في العراق. والقانون الجديد لا يُشرع القمع بل يضع أسس المحاسبة، ويضع المسؤولين عن الجرائم ضد الشعب السوري في دائرة المساءلة.وبعد سقوط نظام الأسد، خرج الكثير من الأصوات من ناشطين حقوقيين وفنانين سوريين للمطالبة بإقرار قانون يجرم نظام الأسد ورموزه، وكل من يدافع عنه أو يروّج له في الإعلام، باعتبار ذلك مشاركة في التغطية على جرائمه. ومن أولئك المطالبين الممثل جهاد عبده والممثل عبد الحيكم قطيفان، على سبيل المثال.وأتى ذلك بعد موجة من التصريحات التي أدلها بها فنانون سوريون حافظوا على موقفهم الموالي لنظام الأسد المخلوع بعد سقوطة، ومن بينهم سلاف فواخرجي وباسم ياخور ومصطفى الخاني، ممن استمروا في إنكار الانتهاكات الممنهجة التي قام بها النظام طوال عقود، بما في ذلك التعذيب وصور المعتقلات المروعة والإعدامات وغيرها. إلى جانب آخرين في الإعلام والثقافة الذين شكلوا واجهة دعائية للنظام طوال فترة حكمه، وهو ما يمكن تلمسه حتى في تصريحات مازالت تلمع صورة بشار الأسد شخصياً بوصفه "شخصاً لطيفاً" حسب تعبير فواخرجي في مقابلة حديثة.ورغم مرور الوقت، لم يُقدّم هؤلاء الفنانون أي اعتذار عن دعمهم السابق للنظام، أو عن استمرارهم في الدفاع عنه حتى بعد سقوطه، ما جعلهم في نظر كثيرين شركاء في التغطية على الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري. في المقابل، اختارت بعض الشخصيات الفنية مراجعة مواقفها والاعتذار عن دعمها السابق، مثل أيمن زيدان، الذي قدم اعتذارات علنية عن مواقفه السابقة، في محاولة لإعادة بناء علاقته مع الجمهور السوري الذي فقد الثقة في كثير من الفنانين الذين دعموا النظام، وحتى سوزان نجم الدين التي كانت من أكثر الشخصيات قرباً للنظام، اعتذرت أيضاً وعبرت عن صدمتها.ولا توضح المادة الجديدة في الإعلان الدستوري بشكل صريح ما إذا كان تجريم دعم الأسد وتلميع صورته سينطبق بأثر رجعي، أي على الفترة التي سبقت صدوره منذ سقوط النظام، أم أنه سيقتصر فقط على التصرفات التي تحدث بعد دخول القانون حيز التنفيذ. فإذا كان القانون يأخذ بأثر رجعي، فهذا يعني أن كل من دعم الأسد وروّج له قبل سقوطه قد يخضع للمساءلة القانونية، باعتبار أن الدعم الإعلامي والثقافي للنظام كان مساهمة مباشرة في التغطية على جرائمه، وربما تحريضاً ضد معارضيه.أما إذا كان القانون يُطبّق فقط من لحظة إقراره فصاعداً، فإن الشخصيات التي دعمت الأسد في الماضي قد تفلت من المحاسبة القانونية، لكنها قد تواجه أشكالًا أخرى من العقوبات مثل العزل الاجتماعي أو المنع من ممارسة وظائف معينة.وفي التجارب الدولية، غالباً ما تكون الجرائم المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم، وهذا يعني أن الأفراد الذين دعموا أنظمة استبدادية قد يُحاسبون بأثر رجعي، خصوصاً إذا تم اعتبار دعمهم شكلاً من أشكال التحريض أو التواطؤ.في ألمانيا بعد سقوط النازية، تمت محاكمة العديد من الشخصيات الإعلامية والثقافية التي دعمت هتلر، حتى لو لم تكن متورطة بشكل مباشر في القتل أو القمع.