2025- 03 - 13   |   بحث في الموقع  
logo على خلفيات إستفزازية.. أطلق النار عليه logo مساءً… هذا ما يفعله الجيش الإسرائيلي في عدد من البلدات الجنوبيّة logo روسيا توافق على "وقف النار" في أوكرانيا... بشرط واحد! logo بإنتظار رد حماس... مقترح أميركي جديد لغزة logo "رمضان شرّف"... أمسية رمضانية في طرابلس logo في المنية… إشكال تطوَّر إلى إطلاق نار وسقوط إصابات! logo لجنة الدفاع عن القضية الأرمنية: نرحب بقرار البرلمان الأوروبي بشأن الأسرى الأرمن logo الرئيس عون: المغتربون دعامة أساسية للاقتصاد اللبناني
نساء الساحل وويلات سجون الأسد وسطوة أنيسة مخلوف
2025-03-13 15:55:50


في روايته الشهيرة "إلى الأبد ويوم"، يروي عادل محمود قصة تحول مصيري شهدته والدته، المرأة العلوية البسيطة التي عانت الفقر المدقع، قبل أن تنقلب حياتها رأساً على عقب مع صعود ابنها، الضابط عدنان محمود، إلى قمة السلطة.مع تسلمه قيادة فرع الأمن السياسي في الفيحاء، تبدلت حياة والدته جذرياً؛ فأصبحت تمتلك السيارات، وتحظى بمرافقة خاصة، وانتقلت من النوم على الأرض إلى سرير وثير، مرتديةً العباءات الفاخرة. لكن هذا الرخاء لم يدم طويلاً، إذ انقلبت حياتها رأساً على عقب عندما اعتقل ابنها، الذي منحها الرفاه، شقيقته بيديه ووضعها في المنفردة بيديه ، متهماً إياها بـ"معارضة" نظام الأسد... وطالبا منها اثناء اعتقالها ان ترتدي "البنطال بدل التنورة " ليصفعها بقوة حين اجابت"خايف علي من عناصرك".وهكذا تحول الفخر إلى غضب، والرفاهية إلى كابوس، وعاد السواد ليخيم على حياة الأم مجدداً. حتى على فراش الموت، لم تكن وصيتها الأخيرة طلباً للرحمة، بل توسلاً لابنها كي يخرج أخته من السجن، علّها تراها قبل أن تغمض عينيها إلى الأبد.
هي حكاية من حكايات نساء الساحل الفقيرات، وجزء من التاريخ الطويل والمعقد للمرأة في دهاليز السياسة. فمنذ الأزل، لعبت النساء أدواراً مؤثرة في الأنظمة الحاكمة، وسجلت كتب التاريخ أسماء ملكات حكمن بقبضة من حديد، ونقشت المعابد صورهن، وخلدت الثائرات اللواتي تحدين الاستبداد، سواء في صفوف الأحزاب أو خلف قضبان السجون.ومن بين تلك الحكايات، تبرز قصة خنساء حوران، حسنة الحريري، المرأة التي ذاقت ويلات المعتقلات في سجون الأسد، وعاشت لتروي الفظائع التي ارتكبت داخلها. لم تكن شهادة الحريري مجرد كلمات، بل صرخة في وجه الظلم، تفضح أهوال التعذيب والانتهاكات التي تحولت إلى سياسة ممنهجة، حيث لم تكن السجون سوى مقابر باردة، والعدالة فيها كلمة غائبة.
وفي الساحل السوري، لم يلمع اسم امرأة في دوائر السلطة كما لمع اسم أنيسة مخلوف، زوجة الرئيس حافظ الأسد، الذي يلقبه أنصاره بـ"الرئيس الخالد". ويُقال إن لها دوراً خفياً في إعادة توزيع النفوذ بين أبنائها، ومنح الامتيازات لعائلتها من وراء الستار، خصوصًا آل مخلوف، الذين تحولوا إلى ركيزة اقتصادية للنظام. كما يُشاع أن نفوذها كان أحد الأسباب التي حالت دون محاسبة عاطف نجيب، المسؤول الأمني الذي أشعل شرارة الثورة السورية بتنكيله بأطفال درعا.لكن أنيسة لم تكن المرأة الوحيدة التي امتلكت سطوة في دوائر الحكم المغلقة. فقد عُرفت زوجة أحمد الأسد، الأخ غير الشقيق لحافظ، بأنها صاحبة كلمة لا يُرد لها طلب، وكان يُطلق عليها "مختارة العيلة". قصدها الضباط بحثاً عن التعيين والترقية، ولجأ إليها الفقراء أملاً في الحصول على وظيفة، ما سمح لها بتكوين ثروة طائلة على مر السنين. إلا أن هذه السطوة لم تحمِها من الأثمان الباهظة للعبة السلطة، حيث انتهى بها المطاف تدفع ثمن الصراعات العائلية، فاقدةً أبناءها وأحفادها، في مشهد يُعيد تكرار القاعدة الأزلية: في عالم السياسة، لا شيء مجاني، حتى لمن امتلكوا النفوذ... وكان آخر الأمر فقدانها لهلال الاسد الذي بات يلقب نفسه برئيس الساحل قبل ان تتم تصفيته من قبل النظام ذاته، وألصق الامر بالمجموعات الارهابية.
في ذلك الوقت كان نضال نساء الساحل الاصيلات صامتاً، وخجولاً، ويشبه ملامحهن الوديعة، التي أخفى الفقر المدقع قسوتهن خلفها. في الماضي، قبل أن يصل حافظ الأسد إلى سدة الحكم، كانت الفتيات يُرسلن للعمل خادمات في دمشق وحلب وبيروت، وعندما منع النظام هذه الظاهرة، لم يقدم بديلًا يحميهن من براثن الحاجة، فكان الملاذ الوحيد هو الأرض، وكانت الحياة تدور بين زراعة التبغ وحصاد القمح، وجلب الماء على ظهور الحمير، وغسل الملابس بصابون الغار على ضفاف الينابيع، بينما النار تشتعل تحت الموقد البدائي.
في الصباح الباكر، تمضي النساء إلى الحقول يحملن المعاول، يسلقن القمح، ويسهرن لحراسة المحصول من الطيور، وحين تأتي الطيور لتأكل، تبتسم إحداهن وتقول: "الطير روح بريئة". أيادٍ متشققة تعجن الطحين، وتوقد التنور بحطب جُمِع من البراري، لتعانق رائحة خبزها الطازج المارة، لكنه ينفد سريعاً، حتى تعود المرأة إلى بيتها بما بقي منه، تقدمه لأطفالها مع الزيت والملح.
الزيت نفسه يُسكب فوق البرغل بحمص، الوجبة الساحلية الأشهر، طبعاً من دون لحم. وفي الليالي الباردة، تحتضن الأم أطفالها، تحاول تدفئتهم بجسدها، قبل أن تعود مع شروق الشمس إلى الحقل، تقطف التبغ، تشكه، وتعلقه على الأشجار ليجف، ثم تبيع محصول العام كله بخمسين ألف ليرة سورية، فتفتتها بين متطلبات حياة لا ترحم. يأتي الصيف، فتجهز الحطب لشتاء قاسِ ينتظرها.
تمر السنوات، ويبيض شعرها، ويكسو التشقق جسدها، لكنها تبقى صلبة، محبة، تمامًا كنساء الساحل اللواتي ظهرن بعد مجازر القرى المنكوبة، تصرخ إحداهن "فشرتوا"! وجثث اولادها امامها حين يحدثها من قتلهم عن الغدر، وأخرى سبعينية تقول بصوت يرتجف في فيديو تم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي: "نحنا منحبكن وانتو بتحبونا، والله خفت ومتت من الرعبة وكنت بالجبل". ثم تختم كلماتها: "كليتنا إخوات".جملة لو تحققت، لربما صانت الدم السوري، وفتحت باباً لتساؤلات مشروعة: هل نحن إخوة فعلاً؟ أم أن الحقد الطائفي أعمى القلوب؟


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top