لا يفارق كابوس هدم المنازل الأسر الفلسطينية في الضفة الغربية التي تعيش في حالة خوف دائم وهي تشاهد بأمِّ العين أحياءها القديمة تتفكك، بسبب عمليات الإخلاء القسري ومصادرة الأراضي تحت ستار الإجراءات القانونية التي فُصِّلت على مقاس المشروع التوسعي الاستيطاني الإسرائيلي.ولهذه الغاية، سرّعت السلطات الحكومية والبلدية الإسرائيلية، جهودها وتحركاتها لزيادة خطط البناء في مختلف أنحاء الضفة، حيث تستمر آلات التدمير الإسرائيلية (كالجرافات والرافعات الثقيلة) في القيام بعمليات هدم مُنظمة ومُمنهجة لمنازل الفلسطينيين.والأسوأ، أن هذا العدوان القديم الجديد، طال (وسيطال مستقبلاً) أيضاً أعداداً لا حصر لها من العائلات الفلسطينية في القدس الشرقية، التي تواجه بدورها كارثة فقدان منازلها، وبالتالي التعرّض للطرد القسري. والأصعب أنها تجد نفسها محكومة بخيارين اثنين، وكلاهما أكثر مرارة من الآخر: فإما أن تهدم هذه العائلات بيوتها وجنى عمرها بيدها، أو تشاهد الاحتلال يفعل ذلك على مرأى عينيها.بالأرقام: المنازل التي تم هدمها بالقدس الشرقية بين العامين 2024 و2025في الحقيقة، سجلت إسرائيل رقماً قياسياً في عدد المنازل التي جرى هدمها العام الفائت في القدس الشرقية. وتبعاً لذلك، كشفت جمعية "عير عميم" (وهي منظمة إسرائيلية غير ربحية تتابع عمليات الهدم) عن هدم 255 مبنى خلال العام 2024 بينها 181 وحدة سكنية، أي ما يمثل زيادة بنسبة 14 في المئة مقارنة بالعام 2023.واللافت أن حي سلوان (جنوب المسجد الأقصى) نال النصيب الأكبر من الوحشية الإسرائيلية، حيث وثّقت 68 عملية هدم، شملت 50 وحدة سكنية. وبالمثل، جرى هدم 23 منزلاً في حي البستان (أي ما نسبته نحو ربع الحي) وتضمن ذلك هدم مباني سكنية ومركز مجتمعي. كما شهد حي وادي حلوة (بمنطقة سلوان) هدم 20 وحدة سكنية، وهو ما يشكل ضرراً كبيراً على حي صغير يضم أقل من 200 شقة، ودائماً بحسب الجمعية.والمحزن، أن هذه العائلات الفلسطينية، وبهدف تجنب فرض عقوبات شديدة عليها، بما في ذلك الغرامات الباهظة وحتى السجن، لم يكن أمامها خيار سوى تنفيذ 108 من عمليات الهدم بأنفسهم.وماذا عن العام 2025؟بالكابوس ذاته، دشّن الفلسطينيون العام 2025، مع تسجيل حوالي 46 عملية هدم، وما زال العدد في ازدياد. أما السابقة التي سجلها الاحتلال في هذا السياق، فكانت قيامه بعمليات هدم منازل في القدس الشرقية خلال شهر رمضان. فلسنوات طويلة امتنعت إسرائيل عن مثل هذه الخطوات في هذا الشهر نظراً لحساسيته الدينية.وشمل الهدم تدمير شقة كانت تؤوي مزارعين، إضافة إلى منشآت زراعية وأسوار وأبواب، كما تسبب في فقدان ست عائلات مصدر رزقها، فيما قدّر الضرر الاقتصادي الأولي بأكثر من مليوني دولار. كذلك هدمت أربعة مبانٍ سكنية في القدس، وهي منزل في بيت حنينا، وثلاث شقق في حي العيسوية، استناداً للجمعية أعلاه.ليس هذا فحسب، فوفقاً للبيانات التي جمعها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد تم هدم 25 مبنى في القدس الشرقية من 1 كانون الثاني/يناير إلى 7 شباط/فبراير 2025، بما في ذلك مسجد التقوى في حي صور باهر الفلسطيني في الطرف الجنوبي من المدينة، وقد أدى ذلك إلى تهجير 82 شخصاً.قوانين إسرائيلية غبَّ الطلب للسيطرة على الأملاك الفلسطينيةشكل عام 2024 نقطة تحول مدمرة للفلسطينيين في القدس الشرقية، حيث وصلت قيود التخطيط والبناء إلى مستويات غير مسبوقة. ولهذا وافقت بلدية القدس فقط على 57 خطة بناء للفلسطينيين في القدس الشرقية – بإجمالي يعادل 1000 وحدة سكنية – وهو أدنى رقم على مدار عشر سنوات.والمثير أن خمس خطط بناء (لا غير) من التي قدمها الفلسطينيون، اجتازت المرحلة الأولى من عملية التخطيط في 2024 — وهو انخفاض كبير مقارنةً بمتوسط بلغ حوالي 100 خطة سنوياً تم الموافقة عليها من 2018 إلى 2022. بالمقابل، تم إعطاء الضوء الأخضر لـ120 خطة للمستوطنين، والتي من شأنها أن تشهد بناء 11000 وحدة سكنية. والأرقام تعود لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بيمكوم".أكثر من ذلك، تفاقم هذا الاتجاه بعد الإلغاء الأخير لـ"بروتوكول المختار"، الذي كان يعتبر على مدى عقود بمثابة حلّ غير رسمي للفلسطينيين لإثبات ملكية الأراضي ولتقديم خطط البناء الخاصة للبلديات الإسرائيلية في غياب التسجيل الرسمي للأراضي.وبدلاً من ذلك، تم استبدال هذا البروتوكول في العام 2022 بتشريع جديد يتطلب إثباتاً كاملاً لملكية الأرض من خلال عملية تسوية ملكية الأراضي (SOLT) من أجل تقديم خطط البناء إلى السلطات المختصّة. فبمجرد أن يتم تسجيل مساحات من الأراضي الخاصة في سجل الأراضي الإسرائيلي (التابو) باعتبارها ملكاً لمالك معين، يصبح هذا الإجراء نافذاً لا يمكن التراجع عنه.ونتيجة لذلك، تزايدت في العام 2024 إجراءات تسجيل الأراضي في القدس الشرقية ضمن عملية التسوية هذه، التي مكّنت الحكومة الإسرائيلية أو المستوطنين من مصادرة مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية في الخفاء. ووفقاً لصحيفة "ذا ناشيونال"، تم إيداع 11 قطعة من الأراضي الفلسطينية في يد مجموعات المستوطنين اليهود والحكومة. ستة من هذه القطع مخصصة بالفعل لبناء مستوطنات يهودية جديدة — مع آلاف الوحدات السكنية — في مناطق بيت صفافا، أم ليسون، جبل المكبر، الشيخ جراح، أم طوبا، وأتاروت.استخدمت إسرائيل هذه الإجراءات المعقدة لمنع البناء الفلسطيني، إلى جانب تفعيل قوانين إسرائيلية قديمة — مثل قانون أملاك الغائبين، الذي يسمح للدولة بمصادرة الممتلكات الفلسطينية التي أُجبر أصحابها على تركها عام 1948، وقانون المسائل القانونية والإدارية، الذي يُمكّن اليهود من استعادة ممتلكات تعود لهم قبل عام 1948، وكل ذلك بهدف إخراج الفلسطينيين من أراضيهم لصالح الكيان والمستوطنين.
المصادر:
1 ــ https://peacenow.org.il/wp-content/uploads/2019/01/Legal-papaer-batan-sheikh-jarrah-eng.pdf
2 ــ https://www.regavim.org/tag/mukhtar-protocol/
3 ــ https://www.haaretz.com/israel-news/2019-03-03/ty-article/.premium/jerusalem-rejects-procedure-allowing-palestinian-construction-in-east-jerusalem/0000017f-efb9-d223-a97f-effd71bb0000
4 ــ https://www.middleeastmonitor.com/20250305-in-first-israel-demolishes-palestinian-homes-in-occupied-east-jerusalem-in-ramadan/
5 ـــ https://www.ir-amim.org.il/en/node/2983
6 ــ https://imemc.org/article/palestinian-family-forced-to-demolish-its-home-in-jerusalem-7/
7 ــ https://www.thenationalnews.com/about-us/