"جيل كاره للعرب"... تعذيب وتحرش في المدارس الدينية بإسرائيل
2025-03-12 17:26:44
تسبب فيلم وثائقي في ضجة واسعة النطاق بإسرائيل بعد أن فضح ما يتعرض له تلاميذ المدارس الدينية في إسرائيل من اضطهاد وتعذيب، وصولاً إلى التحرّش الجنسي، على يد الحاخامات الذين يدرّسونهم في مدارس "الحريديم" اليهودية التي تستقبل آلاف التلاميذ من سن الخامسة حتى الصف الثامن.
الفيلم الوثائقي "الحيدر" يكشف شهادات عن العنف الرهيب الذي يسود نظام التعليم الحريدي المبكر، ورغم أنه لا توجد معطيات رسمية دقيقة بخصوص هذه الانتهاكات، فإن التقديرات تشير إلى أنه في نظام التعليم الحريدي، حيث يتم تحديد مستقبل الأطفال اليهود، تسود كثير من مظاهر العنف الشديد والممنهج ضدهم.
لكن الأخطر هو أنه، تزامناً مع هذا العنف الجسدي الذي يتعرض له التلاميذ داخل المدارس الدينية اليهودية في إسرائيل، فإن عقولهم تتلقى تعليماً مليئاً بالتطرف والكراهية للفلسطينيين والعرب عموماً، فضلاً عن فتاوى متطرفة صادرة عن الحاخامات الذين يُشرفون على تخرّج أجيال دموية ضد الفلسطينيين.
تتركّز الجرائم التي يتعرض لها هؤلاء التلاميذ داخل المدارس الدينية في إسرائيل في الإساءات النفسية، وتتجسّد في ضربهم بألف طريقة، وإذلالهم أمام الفصل، أو المدرسة بأكملها. ولعل ما يزيد من مصداقية هذه المعطيات أن مخرج الفيلم، ماني فيليب، مرّ بنفسه بهذا النظام التعليمي، وتعرض لهذه الانتهاكات، بل استعان بمئات الشهود الذين رووا له تجارب مروّعة مماثلة. كما أورد الفيلم مشاهد صعبة تم تصويرها داخل المؤسسات التعليمية الدينية.
الغريب أن الحاخامات الذين يعملون في هذه المدارس الدينية في إسرائيل يبرّرون ما يدفعهم إلى ضرب الأطفال، والأكثر غرابة أن مجتمعاً كاملاً من اليهود المتدينين، من الآباء والأمهات، لا يعترضون على هذه الممارسات المشينة بحق أبنائهم.
بل إن الآباء يدعمون تلك التجاوزات تحت حجة تربيتهم بالعنف الشديد، الذي ينتقل من جيل إلى جيل، ليمثل في النهاية شعلة "أيديولوجية" تجد طريقها للتنفيس ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لأنها تركت حجماً كبيراً من الندوب والإساءات التي بقيت راسخة في نفوسهم سنوات طويلة، وفق الشهادات التي عرضها الفيلم الوثائقي.
من بين الانتهاكات التي يتعرض لها التلاميذ، قيام حاخام بركل طفل يبلغ من العمر خمس سنوات في بطنه، أو صفعه بقوة، أو ضربه بعصا، وإهانته علناً أمام باقي الأطفال. واعترف أحدهم أن معلمه كان يُلقّمه فلفلاً حاراً في فمه، ويغلقه بشريط لاصق، فيما يشبك يديه خلف ظهره، ويقيّدهما.
وذكر طالب آخر أن الحاخام كان يربط يديه بسلك، ثم يتركه مُعلّقاً فوق كرسي طوال فترة الاستراحة بين الدروس. وكشف أن الحاخامات والمعلمين داخل المدارس الدينية في إسرائيل يستخدمون كل أدوات العقاب، ومنها: الأحزمة، والمطارق، والخراطيم البلاستيكية، والمساطر.
وينهال الحاخامات بالضرب الوحشي على الطلاب الصغار داخل المدارس الدينية في إسرائيل، وتتنوع أدوات الضرب من الأيدي والأحزمة إلى أرجل المقاعد، وأي شيء قد يُستخدم لإلحاق الألم، خاصة ضربهم وصفعهم وركلهم، وكل ذلك في محاولة لتلقينهم مفاهيم الشريعة اليهودية الواردة في التوراة والتلمود.
غابرييل، اسم مستعار، يقول في الفيلم الوثائقي: "الحاخام دأب على استخدام عصا أو مسطرة، أي شيء يقع في متناول يده، وكان يأمرني بأن أحمل كوباً من الشاي المغلي، وليس من مِقبضه، لمدة خمس دقائق بجواره. لقد خضعنا لتعليم من قبل معلمين وحوش ساديين حقاً".
نوحام بيريزسكي، الشخصية الإعلامية، قدّم في الفيلم الوثائقي "الحيدر" شهادته الحيّة عمّا واجهه في المدارس الدينية في إسرائيل قبل ثلاثين عاماً، وهو ابن تسعة أعوام.
وقال: "وجدت نفسي واقفاً في وسط الفصل، في منتصف الدرس، أمام 35 طفلاً، وبدون حذاء، وشعري الملفوف عادة للأسفل فوق رأسي، ومربوطاً مثل رباط الحذاء على الجانب، بينما أُمرت بحمل الحقيبة في يدي مع جميع الكتب المدرسية فوقها، وهكذا لمدة ساعة تقريباً طوال الدرس بأكمله، غير قادر على الحركة".
وأضاف بيريزسكي: "بعد أيام قليلة، كرّر الحاخام نفس الطقوس، وأجبرني على الوقوف عند النافذة المُطلة على ساحة المدرسة، أثناء استراحة الغداء، حتى وجدت نفسي على المشنقة أمام أربعمئة طفل، يُحدّقون بي، وكأنني صندوق عرض حي، أو ربما حوض سمك يحتوي فقط على الأسماك المُنظّفة الملتصقة بالزجاج".
كما تم الكشف عن حاخام في المجتمع الحريدي مُتّهم بارتكاب جرائم جنسية بحق ثمانين طالباً، وسط صمت يُخيّم على المدارس الدينية في إسرائيل بشأن الاعتداء الجنسي على الأطفال، مما يترك مئات حالات الاعتداء في صفوفهم دون إجابة.
إذ يُفضل العديد من الأطفال من تلاميذ المدارس الدينية في إسرائيل الصمت، بما في ذلك الآباء أنفسهم، الذين يخشون الإضرار بفرص ابنتهم أو ابنهم في العثور على شريك مناسب في المستقبل، أو يخشون تشويه اسم عائلتهم في المجتمع.
يتسحاق كادمان، الرئيس التنفيذي لمجلس رعاية الأطفال، أكد أن هذه القصة تُميّز المجتمعات المغلقة مثل القطاع الحريدي، حيث يبرز الافتقار إلى الوعي من جانب الآباء والأطفال، والصمت، في ظل الحواجز والرموز الثقافية الموجودة في المجتمع الحريدي، وسط تقديرات بوجود حالات مماثلة أخرى لا تصل إلى الشرطة.
أم يهودية لأطفال تعيش في مدينة حريدية، وتعرضت للاعتداء الجنسي في طفولتها، كتبت رسالة جاء فيها: "يوجد في مدينتنا العديد من المعلمين والحاخامات الذين يسمحون لأنفسهم بإيذاء الأطفال الصغار".
وأضافت، "لا أحد يتحدث، الناس ليس لديهم الشجاعة للذهاب إلى الشرطة، ويخشون أن يتم طردهم من المجتمع الحريدي، ويستغل المجرمون دائرة الصمت هذه، كي يطلقوا العنان لغرائزهم على حساب الأطفال الصغار".
الحاخام أهارون شلومو ليسون اتُّهم بارتكاب أفعال غير لائقة ضد ثلاثة تلاميذ أشقاء على مدى خمس سنوات، وفي المحكمة أدانه القاضي في جميع التهم، رغم أنه لا يوجد عقاب يضاهي الأفعال القاسية التي ارتكبها، لكن الغريب أن كبار الحاخامات أدانوا سلوك العائلة في التقدم بشكوى إلى المحكمة، بزعم أن الاعتداء الجنسي على الأطفال ليس خطيراً مثل إبلاغ السلطات.
وفيما يتعرض آلاف الأطفال والمراهقين حتى سن 18 عاماً للاعتداء الجنسي سنوياً في إسرائيل، فإنه في المجتمع الحريدي، تنتشر الظاهرة على نطاق واسع، لكن الأرقام الدقيقة غير معروفة، لأنهم يحظرون التوجه إلى المحاكم العلمانية، باعتبار أن إساءة معاملة الأطفال في المجتمع الحريدي تشكل انحرافاً أخلاقياً محظوراً بموجب الشريعة اليهودية، وليس من حيث السلوك الإجرامي.
وذكر تقرير مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست الإسرائيلي أن الإحصائيات الشهرية تتحدث عن وقوع ستين حادثة من الإيذاء الجنسي للطلاب الحريديم في المدارس الدينية في إسرائيل.
رغم ما ورد من رصد خطير لما يرتكبه الحاخامات داخل المدارس الدينية في إسرائيل، فقد كشفت دراسة ميدانية قارنت بين الطلاب المتدينين والعلمانيين، أن الحكومة الإسرائيلية تدفع 116 ألف شيكل (نحو 32 ألف دولار) عن الطالب المتدين، مقابل 52 ألف شيكل (نحو 14 ألف دولار) لنظيره العلماني.
كما ساهمت وزارة شؤون الأديان في تمويل دراسة 35 ألف طالب في تلك المدارس، وتبين من معطياتها أن 5500 طالب جديد ينضمون سنوياً إلى المعاهد الدينية، وقد شهد التعليم الديني توسعاً مطرداً وملحوظاً في إسرائيل.
فبينما شهد العام 1948 نشوء خمسين معهداً دينياً، فقد وصل العدد إلى ستمائة معهد، ويتراوح عدد تلاميذ المدارس الدينية في إسرائيل سنوياً بين 1300 و1500 تلميذ.
ورغم ما أحدثته المعطيات الصادمة عن انتهاكات المدارس الدينية من ردود فعل إسرائيلية، فإن حكومة اليمين بدل أن تعاقبها، زادت موازنتها المالية بقيمة 97 مليون شيكل إضافية (قرابة 30 مليون دولار)، كجزء من اتفاقيات الائتلاف اليميني.
ويأتي ذلك على الرغم من أن هذه المدارس الدينية في إسرائيل لا تعتمد المناهج الحكومية، بل ترفض أي رقابة وزارية عليها، ولم توافق أبداً على وضع كاميرات في مرافقها العامة لمراقبة ظاهرة العنف المدرسي.
وتكشف هذه الانتهاكات حقيقة المجتمع الإسرائيلي، ومنبع العنف داخله، وتنقل صورة صادمة عن واقع العنف في المدارس الدينية في إسرائيل، عقب تحوّل فصولها إلى ساحات قاسية من العقاب الجسدي، الذي يُنظر إليه في المدارس الدينية بأنه أداة ضرورية لتنشئة الأطفال، وغرس قيم التعلم التوراتي فيهم، استناداً إلى تفسير متشدد لنص ديني يقول: "من يوفّر العصا، يكره ابنه".
مع أن تعرض تلاميذ المدارس الدينية في إسرائيل لهذا العنف في طفولتهم يؤدي إلى خلق أنماط نفسية معقدة لديهم، تدفعهم إلى إعادة إنتاج نفس دوائر العنف على الأجيال المقبلة، وهذه المرة على الفلسطينيين حين يصبحون جنوداً يحملون سلاحاً قاتلاً.
وقد تميزت المدارس الدينية في إسرائيل بجملة من الخصائص، أهمها:
- تقدم المدارس الدروس الدينية فقط.*********- مرجعية الطلبة ليست للوالدين ولا للدولة، إنما للحاخامات ورجال الدين.*********- تعيش المدارس في جوّ من العزلة عن البيئة المحيطة بها.*********- تقف المدارس خلف الإرهاب الموجه ضد الفلسطينيين، كمحاولات هدم المسجد الأقصى، ومهاجمة الحرم الإبراهيمي، وتأييد 80% منهم للجيش في إجراءاته الدموية ضد الفلسطينيين.*********- رفض عملية التسوية والانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967.*********- الانطلاق من نصوص وفتاوى دينية، والسعي إلى بناء الهيكل الثالث.
ولعل المراقب للتطورات العسكرية في إسرائيل يلاحظ زيادة وجود التيار الديني في مؤسسات الجيش، مع سيادة ثقافة دينية مسيحانية كاملة، ونجاحه في تفريخ تيار من الشباب المتدين يسعى إلى الخدمة العسكرية كوسيلة للسيطرة على مراكز القوة في الدولة والجيش.
ومع تزايد المدّ الديني داخل إسرائيل، اتجه المتدينون والحريديم إلى الانخراط في صفوف الجيش، ووصلوا إلى مناصب عديدة على مستوى القيادات.
يعترف الإسرائيليون بأن هذه الانتهاكات تتسبّب في حدوث مضاعفات عقلية لديهم في أوقات لاحقة من أعمارهم، تتمثل في نوبات القلق، والانسدادات العاطفية، والرغبة في تجنّب الاقتراب من الآخرين، وممارسة هذا العنف ضد الشعب الفلسطيني حين ينخرطون في الخدمة العسكرية بجيش الاحتلال.
وقد أيّد المستشار القضائي الأسبق يهودا فاينشتاين خططاً لوقف تمويل مدرسة دينية في مستوطنة يتسهار قرب مدينة نابلس، التي تُعدّ من أكثر المستوطنات تطرّفاً، بسبب أعمال العنف التي يرتكبها طلابها بحق الفلسطينيين، حيث إن حاخامات المدرسة إما غضّوا الطرف عن ذلك، وإما أيّدوه.
بل إنهم شاركوا بأنفسهم في بعض الأحيان، لأن طلابهم انخرطوا في عدد من الأنشطة العنيفة، ونفذوها بشكل منهجي لفترة طويلة ضد الفلسطينيين، ومنها حوادث إلقاء حجارة، ودحرجة إطارات مشتعلة، وإضرام النار في مساجد، وجرائم "دفع الثمن"، وأعمال كراهية أخرى ضد الفلسطينيين.
يدرّس عدد من كبار الحاخامات في هذه المدارس الدينية في إسرائيل، ومنهم إيتسيك شابيرا، مؤلف كتاب "شريعة الملك"، الذي أصدر فتاوى دينية دموية تسمح للجنود بقتل أطفال "غير يهود" أبرياء غير متورطين بالحرب والقتال.
واتهم الوزير السابق أفيغدور ليبرمان المدارس الدينية في إسرائيل بإعداد تلاميذها للخدمة العسكرية، والسعي نحو إنشاء ميليشيات دينية خاصة، محذّراً من عدم تبعيّة هذه المدارس لوزارتي التعليم والدفاع، بعيداً عن أعين الجيش، لأن ذلك يعني أن يكون ولاء هؤلاء الجنود للحاخامات، وليس لقادتهم في الجيش.
تجد هذه المدارس التي تشهد حوادث العنف والتحرّش تفريغاً لطلابها الملتحقين لاحقاً بجيش الاحتلال، من خلال إصدار فتاوى شرعية تحثّ على استهداف غير اليهود، وإيذائهم، وقتلهم، دون معاقبة مرتكبي هذه الجرائم، بزعم أن التوراة والتلمود "يحتقران" الأرواح غير اليهودية، باعتبار أن "روح اليهودي تتميّز بأنها جزء من الله، كما أن الابن جزء من والده، أما الأرواح غير اليهودية فهي شيطانية، وشبيهة بأرواح الحيوانات".
أكثر من ذلك، فإن تلاميذ المدارس الدينية في إسرائيل، بالتزامن مع ما يواجهونه من أذى ومعاملة مهينة من حاخاماتهم، يتم تلقينهم بضرورة قتل كل من هو من نسل "الشعوب السبعة" التي سكنت فلسطين عندما أقام اليهود مملكتهم فيها قبل ألفي عام، واستباحة أموالهم.
وتأتي تلك التوجيهات أو الفتاوى المتطرفة تحت ذريعة أنه "إذا سرق أولاد نوح شيئاً ولو يسيراً، فإنهم يستحقون الموت، أما اليهود فيحق لهم الاستيلاء على أموال الوثنيين، واستباحة أجر الأجنبي الذي يعمل لديهم"، بزعم أن "اليهودي مُعتبر عند الله أكثر من الملائكة".
وساهمت هذه الفتاوى الدينية الدموية التي يدرسها التلاميذ في المدارس الدينية في إسرائيل في شرعنة استهداف الفلسطينيين وقتلهم، وقالت واحدة منها: "اقتلوا كل من يشكل خطراً على إسرائيل، رجلاً كان أم طفلاً أم امرأة، لأنهم يشكلون عقبة في طريق إنقاذ الجنود، ويعاونون الأعداء، ومسموحٌ قتلهم إذا تسببوا في ضرر لنا".
كما وقع عشرات الحاخامات وأعضاء الكنيست المتدينين على وثيقة أيدوا فيها هذه الفتاوى، فيما اعتبر شلومو أفنير، حاخام مستوطنة بيت إيل، أنها تُمثل "إبداعاً فقهياً وأكاديمياً"، وادعى شلومو إلياهو، حاخام مدينة صفد، أنها تدخل في إطار حرية التعبير التي يفترض أن تضمنها الديمقراطية.
كما أصدرت رابطة حاخامات إسرائيل، برئاسة الحاخام دوف ليئور، فتوى أباحت للجيش قصف التجمعات السكانية الفلسطينية دون تمييز، بزعم أن التوراة تُجيز إطلاق قذائف على مصدر النيران، حتى لو كان يتواجد فيه سكان مدنيون، دون تحذيرهم، قبل عملية القصف.
تُظهِر المتابعة الحثيثة للمناهج الدراسية المقررة في هذه المدارس الدينية في إسرائيل أنها تنطلق من فرضية مفادها أن "فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، وأن شعبها ليس له هوية، وسكانها بدو متوحّشون احتلوا البلاد وخرّبوها؛ وليسوا أكثر من قُطَّاع طرق وقذرين، ثيابهم رثّة، يمشون حفاة الأقدام.
لذا، فإن الفلسطينيين، وفق هذه المعتقدات اليهودية، يجب أن يعودوا إلى الصحراء، وأن يستولي اليهود على الأرض؛ كما تعجّ كتبهم المدرسية بمئات، بل وآلاف من قصص الأطفال اليهود، هدفها الأساسي غسل دماغهم، وتصوير العربي بأبشع الصور، فهو "قاتل ومخادع".
وتتفنّن التصاوير الاستعلائية العدائية المصاحبة للنصوص التعليمية بتصوير الإنسان العربي بأنه "طويل القامة، عريض المنكبين، يلمع في عينيه بريق الغضب، وجهه قاس تحت جبين ضيق وصغير، وشاربه مدبب"، وتصف الجندي اليهودي بأنه مُسالم لا يحب الدم والقتل، لكن الفلسطيني هو من يدفعه لسفك الدماء والقتل.
وتدور النصوص التعليمية والأدبية المقدمة لمن هم في أعمار العاشرة والخامسة عشرة حول البطل اليهودي الخارق ذي الصفات الأسطورية، الذي أوتي من الشجاعة والقوة ما يجعله قادراً على إلحاق الهزيمة دائماً بالعرب الأشرار الذين يحملون السلاح في أيديهم، لكنهم يحملون الهزيمة في قلوبهم، انسجاماً مع ما صرّح به الكاتب المتخصص في أدب الأطفال الإسرائيلي "هازي لابين" بقوله إننا "نريد خلق جيل ينتقم لنا، ويأخذ بثأرنا"!
كما يشير تحليل مناهج المدارس الدينية في إسرائيل إلى حقيقة أنها تهدف لتعبئة النشء اليهودي نفسياً باتجاه الحرب، وتزرع في نفوس التلاميذ الرغبة في الحرب كوسيلة وحيدة للدفاع عن حقوق يزعمون أنها مشروعة وتاريخية، لتعبئة الرأي العام الإسرائيلي بأن الحرب لا مفرّ منها، مع وجود توجّه واضح وتخطيط مقصود نحو تربية أطفال اليهود على كراهية العرب واحتقارهم، والتعامل معهم على أنهم أعداء وحشيّون همجيّون.
الباحث اليهودي "إيلي بوديه" رصد عينة عشوائية من المناهج الدينية المقررة في تلك المدارس، وخرج باستنتاجات مفادها أن هذه الكتب سعت لـ"شيطنة" العرب، وتجريدهم من إنسانيتهم، ما أدى لترسيخ صورة نمطية لدى الإسرائيليين الذين ظهروا دائماً بصورة الغربيين المتحضّرين صانعي السلام، مقابل صورة العرب "الخونة العدوانيين المتخلفين المجرمين الخاطفين القذرين المبادرين دوماً نحو التدمير".
كما ترسم المواد الجغرافية في عقول التلاميذ خريطة "إسرائيل الكبرى"، الممتدة حتى المدينة المنورة، وتشوّه المواد التاريخية كل ما هو عربي وإسلامي، وهذا التغييب المتعمد للهوية العربية يهدف لإدخالها في هوية إقليمية جديدة، تحمل طابعاً سياسياً استعمارياً هو إقليم "الشرق الأوسط".
ودأبت هذه المناهج الدراسية الدينية على استبدال أسماء المدن والقرى والأنهار والأودية والجبال والسهول والمناطق الفلسطينية بأسماء عبرية، وتجاهل اسم "فلسطين" تاريخياً، واستخدام تعبير "أرض إسرائيل" ليصبح راسخاً في ذهن الطالب اليهودي.
وكالات