حال الغليان التي تعيشها القرى الحدودية اللبنانية المحاذية للأراضي السورية في شرق محافظة البقاع، ولا سيما في منطقتي الهرمل والقاع تبدو كـ"الجمر تحت الرماد". بعد المعارك التي وقعت بين مهربي المعابر غير الشرعية في منطقة الهرمل، بعد التبدلات السياسية التي حصلت على الطرف السوري من الحدود، تراجعت الإشكالات الأمنية في تلك المناطق. وتراجعت أيضاً حركة التهريب عبر بلداتها المحاذية للأراضي السورية. إلا أن معظم هذا التهريب، يبدو أنه إنتقل إلى منطقة مشاريع القاع، التي تحولت إلى حدود "فلتانة" وفقاً لرئيس بلدية القاع، بشير مطر.
العثور على الغام أرضيةيقول مطر لـ"المدن": "أعداد من يدخلون ويخرجون يومياً بين سوريا ولبنان من تلك المنطقة كبيرة جدا. ولا أحد قادر على إحصائها. يتجول هؤلاء بين البلدات المنتشرة على حدود البلدين، وكأنهم يتنقلون بين الدورة وجل الديب. ويمكن لأحدهم أن يحضر عرسا في القصير ويعود باليوم نفسه إلى سوريا، ولا من يسأل".تترافق هذه الحركة مع عمليات تهريب للبضائع، نشطت أيضا بشكل كبير عبر الطرقات الترابية غير الوعرة، الفاصلة بين منطقة مشاريع القاع والقرى السورية. وأبرز المواد المهربة المازوت.ويؤكد مطر "أن الأمور على المعابر غير الشرعية في المنطقة فلتانة على الاخر. والله يستر. الوضع تعيس ولا قرار بإيقاف التهريب".ويشرح أنه على "هامش تهريب البضائع، يدخل الأشخاص إلى لبنان من دون ضوابط أو تسجيل أو رقابة. وبدلاً من أن نغلق الحدود على الموجودين في أرضنا، ونحصيهم لإعادتهم إلى بلادهم، نستقبل أعدادا إضافية منهم. علما أن تنوع إنتماءات هؤلاء بين جماعات مع النظام الحالي وجماعات نظام الأسد، يهدد بانتقال مشاكل هؤلاء إلى أراضينا".خلال الأيام الأخيرة وقعت احداث أمنية خطيرة، مرتبطة بالفوضى السائدة عند هذه المعابر. وما زالت خلفياتها غير معلومة، إلا أنها أثارت الكثير من الهواجس. فقبل أيام عثر في حقل لزراعة الخس، في منطقة مشاريع القاع، على ألغام مضادة للأفراد. وعملت سرية الهندسة في اللواء التاسع بالجيش اللبناني على تفكيكها.ويؤكد مطر أن الألغام ليست من مخلفات أي معارك. وجدت على بعد كيلومترين من الأراضي السورية، في قطعة أرض يزرعها شخص من منطقة الهرمل. مشككاً في أن خلفيات الحادثة ربما تكون شخصية أو نزاع على ملكية الأراضي، أوربما تكون لأسباب طائفية سياسية.يطرح استخدام مثل هذه الألغام وفقا لبيان صدر عن مطر تساؤلات عديدة حول "من يمتلك القدرة على الوصول إليها؟ ومن لديه الخبرة في التعامل معها؟ وما العمل ان كانت هذه الالغام وغيرها من الاسلحة متوفرة بكثرة بأيادي السوريين المتواجدين على ارضنا"؟ تحقيق الجيشيحقق الجيش اللبناني لمعرفة خلفيات الحادثة، إلا أن خطورتها تكمن في الإنتقال النوعي نحو استخدام ألغام مضادة للأفراد في بلدات آمنة، وهذا ما يشكل تهديدا فعليا لأمن المنطقة، التي تعاني من تكرار المشاكل منذ فترة، كما يقول مطر، مشيراً إلى وقوع حادثة قبل أيام من العثور على الألغام. فقد أقدم مسلحون من الجانب السوري للحدود بإطلاق النيران على شخصين، تبين أنهما من منطقة الهرمل أيضا، وهما كانا داخل الأراضي اللبنانية، فتوغل المعتدون اليها وسرقا درجتيهما النارية. وهذا ما اعتبره مطر "خرقا كبيرا".هذه الفوضى المرتبطة بعمليات التهريب في معظمها، سببها "الأرض السائبة" المتروكة على غاربتها في هذه المنطقة. فعلى رغم إعادة فتح المعابر الشرعية بعد العدوان الإسرائيلي الأخير الذي استهدف المنطقة، يبدو أن معظم حركة الانتقال في هذه المنطقة تتم من خارج المعبر الشرعي. علما أنه بحسب مطر فإن القوى الأمنية المسيطرة على المعابر الشرعية من الجانب السوري، تفتحها وتغلقها على هواها، ولا يبدو أن هناك سلطة دولة فعلية هناك.قوة أمنية مشتركةتشجع الأرض المنبسطة في منطقة مشاريع القاع على التنقل بين البلدين من دون صعوبات. وعلى رغم الجهود التي بذلت سابقا للحد من التهريب، فإن هذه الحركة لم تتراجع إلا عندما كانت معظم عمليات التهريب محصورة في البلدات الملاصقة لقرى الهرمل. ولكن مع تراجع الحركة في تلك المنطقة، يبدو أن المعابر عبر منطقة مشاريع القاع صارت الأنشط حاليا.لا يهتم مطر لما يمكن للسلطات السورية أن تتخذه من إجراءات فيما لو رغبت بضبط حدودها، إلا أنه يعتبر "أن السكوت عن أي خرق أمني من ناحيتنا يمكن أن يستجر خروقات أخرى. فقد عثرنا اليوم على لغم وربما نجد غدا راجمة فوق رؤوسنا". ومن هنا يجد حاجة لتحويل منطقة مشاريع القاع إلى منطقة عازلة، فلا يسمح بإنشاء أي بيت أو مزرعة فيها، علما أن معظم من تسللوا إلى هذه المنطقة برأيه "محتلون".ويطالب مطر بقوى أمنية مشتركة تحت إمرة الجيش لضبط هذه الخروقات الحاصلة عبر الحدود، على أن تعمل هذه القوى على فرض إجراءات حازمة لرفع السواتر الترابية بدلا من الشرائط الشائكة، التي يسهل على المهربين إحداث فتحات فيها تمرر كميات المازوت وغيرها.ويعتبر أن عدم التنسيق بين الأجهزة الأمنية يترك إنطباعا وكأن المطلوب " إبقاء الحال على ما هو عليه"، مستهجناَ طلب السلطة المركزية والمحافظات بإجراء مسح لأعداد السوريين الذين يدخلون إلى لبنان، خصوصا أن الحركة دخولاً وخروجاً لا تتوقف "وهم في حركة انتقال دائم، وكل ما نحاول القيام به هو التأكد من عدم استقرار أي منهم في الأحياء السكنية لمنطقة القاع أثناء إنتقالهم عبرها". وأكد "أن الأزمة التي تتسبب بها فوضى إنتقال السوريين بين البلدين هي أكبر بكثير اليوم مما كانت عليه سابقا".