2025- 03 - 12   |   بحث في الموقع  
logo بعد أيام من العنف: سيدة من السويداء تهدي الشرع "قلادة من الساحل"! logo "علاقات طبيعية"... روسيا: أميركا مستعدة للتفاوض بجدية معنا logo جريمة مروّعة تهزّ الشوف... عُثر عليها مقتولة داخل منزلها! logo رسامني: أمن المطار وتأهيل البنى التحتية أولوية logo كنعان: هكذا يبدأ الإصلاح المنشود لاستعادة الثقة logo تحويلات المغتربين إلى لبنان تتراجع لأدنى مستوى منذ 2007 logo تصعيد خطير: كمائن ضد الجيش الإسرائيلي في حوض اليرموك logo بصمات إيرانية في الساحل السوري... من يمسك بورقة الفوضى؟
دمشق و"قسد": اتفاق الضرورة ومواكبة المتغيرات
2025-03-12 00:25:45


لم تكد تمضي أيام على دعوة زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبدالله أوجلان حزبه إلى نبذ العنف والتخلي عن السلاح، حتى أثمرت اتفاقاً بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والإدارة السورية الجديدة، لتصدق التوقعات التي كانت أشارت إلى تأثير إيجابي لتلك الدعوة على إعادة تموضع الأكراد في سوريا.
يمكن القول إن الاتفاق، يعكس تبدّل المفاهيم لدى الأكراد، الذين وجدوا، بعد عقود من النزاع، أن استقرار مناطقهم ومصلحتهم العامة، يجب أن يتقدّما على أي أحلام تتعلق بالانفصال وتشكيل كيانٍ داخل الأراضي السورية، لن يجلب لهم سوى الحرب وما يرافقها من قتل وخراب ودمار.
بذرة أوجلان وعوامل أخرى
وإذا كانت دعوة أوجلان، شكّلت البذرة التي أسست لاقتناع الأكراد بالتحوّل، فإن عوامل أخرى لعبت دوراً في حياكة الاتفاق أهمها:
أوّلاً، ما يتعلق بالتاريخ، إذ أمضى الأكراد سنوات طويلة تحت مظلة نظام البعث البائد، تخللتها واحدة من أسوأ تجاربهم، حيث جرى التعامل معهم في تلك الحقبة على أنهم أقلية غير مرغوب فيها، في ظل محاولات حثيثة وعملية لإخراجهم من جلدهم وإلباسهم عباءة العروبة رغماً عنهم. من هنا وجد الأكراد أنفسهم أمام معضلة، فإمّا الذهاب إلى حرب أوسع، أو خوض تجربة مختلفة كلياً عمّا عاشوه، مع حكم جديد من خلال الاستثمار في التقارب الذي نشأ مع سلطة دمشق، بعد سلسلة من المشاورات والمحادثات المتكررة، فكان الخيار الثاني وذهب الأكراد إلى إبرام الاتفاق.
ثانياً، الأحداث التي تشهدها المناطق الساحلية في سوريا، وتخللتها اشتباكات وانتهاكات ذهب ضحيتها الآلاف من المدنيين ومن رجال الأمن السوريين. فهذا المشهد شكّل حالة من الهلع والخوف لدى كل المكونات السورية، وليس العلويين فقط، خصوصاً في ظل الجنون الدموي لبعض الفصائل، وعلى رأسها "العمشات" و"الحمزات"، والتي أسرفت في القتل من دون حسيب أو رقيب، وكأنها تستغل بذلك حالة الاحتضان العربي لسلطة الرئيس أحمد الشرع، بالإضافة إلى احتضان شعبي تمثّل في طائفة معينة، كانت ترى نفسها حتى الأمس القريب مقموعة ومقهورة، وعانت ما عانته من نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وجاءتها الفرصة لتحقيق انتقامها وإن على يد "الأجنبي" القادم إلى سوريا لـ "الجهاد" انطلاقاً من خلفية دينية تكفيرية، لا ترى في الآخر سوى مشروع قتل وسبي وهدر دم. هذه التطورات وما رافقها من مشاهد غلبت على المشهد الكردي، ففضّل الأكراد الجنوح إلى السلم فجنح الشرع معهم.
ثالثاً، أحداث الساحل نفسها، أجبرت أنقرة على إعادة النظر في سياساتها تجاه الأكراد، ولو مرغمةً، فهي من ناحية لا تريد التنازل والاعتراف بأي حق كردي في تأسيس دولة مستقلة، وفي الوقت نفسه، لا ترغب بانفلات الأوضاع الداخلية في سوريا والانزلاق إلى حرب أهلية قد يكون أول المتضررين منها، الإدارة السورية الجديدة، وهذا ما سينعكس بدوره على نفوذها في سوريا، وتراجعه لمصلحة إسرائيل التي سارعت إلى تبني حماية "الأقلية" الدرزية، فيما تعمل تركيا منذ سنوات على تكريس حكم في دمشق، يؤمن لها مصالحها القومية والاستراتيجية. وعلى ذلك ترجمت أنقرة تنازلاتها بإشارات إلى الشرع، جعلته يسرّع في توقيع الاتفاق، لكن ضمن خطوط حمراء تركية بأن لا دولة كردية مجاورة مهما بلغ أو كلّف الأمر.
رابعاً، التحوّلات التركية تلتقي في جانب منها مع الرغبة والمساعي العربية الهادفة، إلى المحافظة على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها. فالعرب، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل، لكنهم لا يرغبون برؤية سوريا ذات لون طائفي واحد، بل على العكس تماماً إن عدم استقرار سوريا، ودخولها في حرب أهلية، لن ينعكس فقط على الداخل السوري، وإنما على المنطقة العربية ككل، وبالتالي لا مصلحة لهم، أقله في الوقت الراهن، في رؤية بلاد الشام مقسّمة ومفتتة إلى دويلات طائفية ومذهبية تعيش حالة من التناحر والاقتتال في ما بينها، ويمكن استغلالها من قبل أطراف خارجية، ما يهدد الأمن والسلم العربيين، وبالتالي فإن الهدف هو المحافظة على سوريا المتعددة طائفياً، على أساس أن التنوّع غنى وأنه يمكن اعتبار الطوائف نعمة بدلاً من نقمة الطائفية.
قراءة المشهد
إذاً، بالنسبة إلى الأكراد السوريين، فقد قرأوا المشهد العام بعناية، وأدركوا أن مواكبة المتغيرات الإقليمية والعربية والدولية، في سبيل مستقبل أفضل والمصلحة العامة، خير من الاستمرار في حرب لا متكافئة في مواجهة سلطة كشّرت عن أنيابها، من أجل تثبيت حكمها بالبارود والنار. وهنا فإن ما فعله الأكراد يمكن النظر إليه بأنه مبادرة لحماية "الذات"، ومن ناحية ثانية، مسعى لتجنيب المكوّنات الأخرى، وبينهم العلويون ضمناً، المذابح التي تُرتكب بحقهم، وإجهاض أي محاولة من قبلهم للمطالبة بالانفصال أو طلب الحماية الدولية لمواجهة النظام الإسلامي الوليد في سوريا. بالإضافة إلى كونها محاولة لمساعدة الدولة السورية على تحقيق الأمن والاستقرار لكل المواطنين، من خلال إرساء نظام حكم لا يتّخذ من القتل سبيلاً لتعزيز أركانه، في وقت يمكنه اعتماد الحوار والتفاهم من أجل إبرام اتفاقات تعزز اللحمة السورية. وعليه يمكن القول إن الأكراد وتحديداً "قسد"، قدّمت خدمة إلى السلطة السورية الجديدة هي في أمس الحاجة إليها، في ظل أحداث الساحل الدموية، وهذا يفرض على السلطات استغلال التطورات وإجراء مراجعة سريعة لما جرى في غرب سوريا، وأخذ الدروس والعبر منه، والبناء عليه في رحلة البحث عن اتفاق مع العلويين مشابه للذي أبرم مع الأكراد.
لا شكّ أن التقارب العلوي مع السلطة الجديدة، دونه تحديات يتعين على دمشق معالجتها أولاً، والمتمثلة بأن من يتصدّر المشهد في الساحل حالياً هي جماعات وفلول تناكف الشرعية السورية، فيما الحاجة هي إلى ممثل جامع للعلويين يكون مستعداً للاتفاق مع الشرع. وفي المقابل، فإن العلويين مطالبون بمواكبة التطورات إذ لا يجب قراءة الاتفاق الكردي بأنه تخل عن الحقوق، ولكن اعتباره بمثابة تحوّل ضروري لانتهاج السبل السياسية والوسائل السلمية واعتماد الوفاق في نسج العلاقات بين السلطة والمكونات، من ناحية، والمكونات في ما بينها من ناحية أخرى، وكل ذلك من أجل الوصول إلى سوريا سيدة حرة مستقرة تجمع السوريين ولا تفرقّهم.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top