2025- 03 - 12   |   بحث في الموقع  
logo "بدء محادثات مع روسيا"... ترامب: زيلينسكي مرحبًا به في البيت الأبيض logo اغتيال سفير سوري منشق عن "نظام الأسد" logo سلام "يمدّ يده" على حصّة الرئيس؟ التعيينات أنجزت وهذه هي القائمة logo الحكومة بين تعيينات الضرورة وتعيينات المحاصصة!.. عبدالكافي الصمد logo أميركا "ترتّب" ملفات سوريا ولبنان: الثمن سيُدفع لإسرائيل؟ logo شروط إسرائيلية جديدة للانسحاب.. الديبلوماسية رهينة لمشوار التطبيع؟ logo دمشق و"قسد": اتفاق الضرورة ومواكبة المتغيرات logo بالفيديو: لحظة استقبال الأسرى المحررين في صور
"نسمات أيلول": وسط الديكور الجميل...تُفتقد الكوميديا
2025-03-11 17:25:45

يقدّم مسلسل "نسمات أيلول" نفسه كعمل كوميدي اجتماعي بقالب جديد، لكن نظرة فاحصة على العمل تظهر غياب الفكاهة الراقية لصالح ضحكات مجانية وقهقهات متواصلة، حتى في لحظات لا تحمل أي طرافة حقيقية، ما يجعل الكوميديا المفترضة إجبارية، وكأن الهدف هو فرض الضحك على المشاهد بدلاً من أن ينشأ تلقائياً من الموقف الدرامي نفسه، لتتحول كل حلقة منه إلى كتلة من السماجة المتواصلة والمواقف الفجة الخالية من الكوميديا.
وتكمن المشكلة الأساسية في نوعية المواقف التي يُراد منها إضحاك الجمهور. فبدلاً من أن تبنى الكوميديا على المواقف الذكية أو التفاعل الطبيعي بين الشخصيات، تعتمد على ممارسات غير أخلاقية تُقدَّم بأسلوب هزلي. مثلاً، تظهر الجدة (صباح الجزائري) وهي تسرق أموال أحد أفراد العائلة القادمة من أستراليا، التي لا تعرف أحداً من أفراد العائلة، وكأن العلاقات العائلية مقطوعة تماماً في عصر الاتصالات الحديثة. الأسوأ من ذلك أن العائلة تتفاعل مع الموقف بضحك متواصل، وكأن السرقة مجرد تصرف طريف يستحق الاحتفاء. حتى تعليق أحد الشخصيات: "الله يسعدك يا عمتي على هالعادة الوسخة!"، يُقال وسط موجة من الضحك، وكأن العمل يرسّخ فكرة أن المخالفات الأخلاقية يمكن أن تكون مصدراً للفكاهة.ويقدم الشباب الذكور في العائلة بلا أي طموح أو رؤية للمستقبل، يعيشون يومهم بين النميمة والسخرية، من دون عمل أو دراسة أو حتى محاولة لاكتشاف الذات، وتتكرر المشاهد بالإيقاع ذاته بين جلسات شرب المتة وأكل بذور عباد الشمس وتناقل الشائعات والتنمر، والتعليقات الجارحة، ما يجعل الحوار أقرب إلى التهريج منه إلى الكوميديا. وحتى عندما تحاول إحدى الشخصيات البحث عن عمل، تصبح مادة للسخرية، وكأن الاجتهاد والسعي وراء النجاح أمر مثير للتهكم لا للتقدير في هذه القرية الجميلة.والحال أن التهريج نفسه كأسلوب فني لتقديم الكوميديا ليس مشكلة بحد ذاته إذا ما قدم العمل نفسه أصلاً بهذا الشكل كحالة تشبه السباحة في الوحل، حيث يصبح التهريج السبيل أو الطريقة الوحيدة للتعبير عن الواقع السيئ، مهما كانت النتيجة فاقعة وصادمة بصرياً وسمعياً للوهلة الأولى. وهنا يمكن استذكار تجربة المخرج الراحل هشام شربتجي، الذي قدم مسلسلات "عيلة 6نجوم" و"عيلة 7نجوم" و"عيلة 8نجوم" قبل أكثر من عقدين من الزمن، وقدم فيها التهريج المقصود كأسلوب فني، يعبر عن مدى الإذلال والانكسار والحالة المسحوقة للمواطن الفقير الذي تتناوله الشخصيات في العمل، بما في ذلك علاقة العائلة التي تمثلها عادة الأم (سامية الجزائري)، مع السلطة الذي يمثلها رئيس المخفر (جرجس جبارة). وفي المقابل تغيب السلطة في "نسمات أيلول" بشكل كامل ويصبح التركيز على العلاقات العائلية القائمة على السخرية والتنمر والنميمة، من دون حتى تقديم دفء عاطفي لتلك العلاقات مثلاً.وطوال حلقات العمل، لم يظهر أي مشهد يعتمد على كوميديا نابعة من موقف طريف أو نص ذكي. بدلاً من ذلك، يتم تقديم الصراخ والشتائم والتنمر كأدوات أساسية للإضحاك. في حين أن الكوميديا الجيدة لا تحتاج إلى قهقهات مفتعلة أو انفعالات مبالغ فيها، بل تعتمد على الحوار الذكي، المواقف العفوية، والتعليقات الساخرة التي تعكس عمق الشخصيات وتطورها، علماً أن المسلسل لا يشكل حالة خاصة بل هو مثال لما آلت إليه الكوميديا السورية منذ العام 2011 على الأقل.ويُفترض أن يعكس المسلسل واقعاً اجتماعياً، لكن حتى الآن، لا إطار زمنياً واضحاً للأحداث. هل يتحدث المسلسل عن سوريا في فترة الحرب أم عن واقع افتراضي لا يمت للواقع بصلة؟ هذا الغموض يجعل من الصعب تصديق أن المسلسل يقدّم الكوميديا الواقعية مثلما يدعي أصحابه، بل يبدو وكأنه مفصول عن أي سياق زمني أو مكاني حقيقي، علماً أن الكوميديا السورية بدأت تميل إلى هذا النوع من الكوميديا المنفصلة عن الزمان والمكان، كي تتجنب الحديث عن الحرب والثورة في البلاد، حيث تم بشكل غريب طوال عقود حكم الأسد في البلاد، تشويه معنى الكوميديا أصلاً وربطها فقط بالانتقادات الساخرة للحكومة. وذلك ليس مشكلة، لكنه يصبح كارثة بالنظر لعدم وجود إطار من الحريات يجعل من ذلك النمط حاملاً للمصداقية، ما يعني أن الكوميديا طوال حكم عائلة الأسد المخلوع للبلاد، لم تكن أكثر من طريقة لضخ الدعاية الرسمية.وتعتمد القصة على إعادة تدوير المشاهد نفسها: جلسات الطعام، النميمة، الطهي، شرب المتة، ثم تكرار الدورة. الشخصيات تبدو عالقة في حلقة مفرغة، بلا تطور درامي واضح أو أحداث تدفع الحبكة للأمام او تطور واضح في الشخصيات نتيجة مواقف معينة، لكن ذلك ليس خياراً للحديث مثلاً عن حياة الأفراد في بلد تعمه الفوضى والحرب لأكثر من عقد، بحيث باتت حياتهم وكأنهم يعيشون في عالم البرزخ (Limbo) سواء كانوا واعين لذلك أم لا، وهو خيار كان ليجعل من المسلسل مثيراً للاهتمام على أقل تقدير. وحتى المحور الأساسي للقصة حتى الآن، وهو عودة حفيدتهم من استراليا من أجل توزيع الميراث بعد موت الجد، يقدم بطريقة تفتقر إلى أي حس كوميدي حقيقي، وكأن المسلسل عالق في فخ الاجترار والتكرار، لتصبح كل حلقة استنساخاً عن الحلقة السابقة، ما يجعل مشاهدته هي "البرزخ".ومع افتقار العمل لنص متماسك، يبدو أن المخرجة رشا شربتجي حاولت تعويض ذلك بالتركيز على المشاهد البصرية الجميلة والديكور الغني بالتفاصيل، وزوايا الكاميرا الاستثنائية والفلاتر البراقة والطبيعة الخلابة. ومنذ الحلقات الأولى، يلفت الانتباه جمال القرية التي تدور فيها الأحداث، حيث الأشجار المورقة والزهور والشمس الساطعة، والتفاصيل الدقيقة داخل منزل العائلة: السجادات العتيقة، الطاولة التي تجمع الأسرة، الصور المعلقة، وأصص النباتات المنتشرة في كل مكان، وجدران المنزل الحجرية، والشرفة الواسعة وأوراق التبغ المعلقة، وغيره من التفاصيل التي تمنح المسلسل لمسة نوستالجيا تحاكي دفء المنازل العائلية، خصوصاً في ظل بلد مزقته الحرب، ودمرت منازله وفرقت أفراد العائلات الواحدة فيه، لكنه لا يكفي لصنع دراما حقيقية.وحتى التفاصيل الصغيرة، مثل ملابس العمة التقليدية، وشاحها وحليها الذهبي، أطباق الفليفلة المجففة، ديكور المطبخ القروي، ورؤوس الثوم المعلقة، تعكس أجواء البيت السوري الكلاسيكي، لكنها تبقى مجرد عناصر جمالية لا تضيف أي بعد حقيقي للشخصيات أو القصة. وتبدو المشاهد ملونة وساحرة، وكأن الأحداث تدور في فقاعة سحرية منفصلة بشكل تام عن كل الدمار والأزمات الاقتصادية وآثار ما بعد الحرب، وربما يكون هذا مبرراً حيث تحاول المخرجة خلق مساحة جميلة خالية من التوتر الذي يعصف بكل سوريا، لكن في غياب نص متماسك وشخصيات مقنعة، وغياب إطار زمني واضح، تصبح الصورة مجرد غلاف جميل لمحتوى فارغ.وفي الكوميديا، لا يمكن الاعتماد على الديكور والطبيعة الجميلة كبديل عن نص جيد والشخصيات الفاعلة. فالأعمال الكوميدية الناجحة تعتمد على التلاعب الذكي بالكلمات، الحبكات المبتكرة، وردود الأفعال العفوية، وليس على بيئة التصوير. حتى الأفلام الصامتة التي تعتمد على الكوميديا البصرية مثل أعمال تشارلي تشابلن، لا تقتصر على جمالية الصورة، بل تستغل حركة الجسد، التفاعل مع الأحداث، والابتكار في توظيف المواقف اليومية.بناء على ذلك، يبدو أن الاستمتاع بالمسلسل ممكناً فقط إذا تمت مشاهدته من دون صوت، بحيث يقتصر التقدير على المشاهد البصرية من دون الحاجة لسماع الصراخ والقهقهات المصطنعة. فالمسلسل ينجح في تقديم صورة جميلة، لكنه يفشل في تقديم نص كوميدي يليق بالمشاهد، وربما الأجدى أن يتم اختصاره ليصبح مجرد "فيديوكليب" مثلاً لأغنية لم تكتب بعد وتحكي عن العادات والتقاليد وتاريخ سوريا، أو كخلفية لأحد فيديوهات "يوتيوب" الطويلة المرافقة لموسيقى لطيفة تدعو للاسترخاء.المسلسل من تأليف علي معين صالح وإخراج رشا شربتجي، وبطولة صباح الجزائري ومحمد حداقي ووضاح حلوم ورنا جمول وغزوان الصفدي ورواد عليو وسوسن أبو عفار، وإنتاج شركة "الزعبي" للإنتاج الفني، وصُوّر العمل في وادي النصارى بريف حمص.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top