هارتموت فاندريتش مترجم ألماني، منذ العام 1982 وهو يترجم الروايات العربية من مصر ولبنان وسوريا وفلسطين وليبيا والمغرب. نقل من العربية إلى الألمانية نحو 75 رواية لنجيب محفوظ وجمال الغيطاني وإدوار الخراط وإبراهيم الكوني ورجاء عالم واملي نصرالله ورشيد الضعيف وحسن داوود وربيع جابر وغيرهم. وكل سنة يزور معرض الكتاب في القاهرة ليتزود بكل جديد ويعرج على بيروت لتكتمل رحلته السنوية. في الثمانين من عمره وما زال الشغف يسكنه لأجل أعمال جديدة تغني الأدب الإنساني في العالم. يقول: "لدي مشكلة جديدة في التواصل مع الإنتاج الجديد في العالم العربي فمثلاً لم تعد مجلة "أخبار الأدب" وغيرها من المجلات الأدبية في العالم العربي تصلني لأعرف وأتحقق من أعمال وأسماء جديدة. رأيت في معرض القاهرة سلسلة من روايات بوليسية كأنها إعادة صناعة للروايات البوليسية الأوروبية". هنا حوار أجرته معه "المدن"...- ما آخر ترجماتك؟* رواية "حياة معلقة" للروائي الفلسطيني عاطف أبو سيف، وهي رواية كتبت منذ عشر سنين ولا عَلاقة لها بالأحداث الأخيرة التي جرت في غزةن لكنها تروي قصة لاجىء يحاول بناء حياة إنسانية اجتماعية لائقة وسط رغبات مختلفة ومصالح متناقضة. رواية الصراع من أجل حياة إنسانية في ظروف صعبة أو مستحيلة. وترجمت أيضأ مجموعة قصص قصيرة بعنوان "ملك الساحة" للمغربي محمد زفزاف.- هل ما زلت تواجه صعوبات مع الناشر الألماني من أجل روايات عربية مترجمة؟* ما زالت الصعوبات مستمرة منذ الرواية الأولى التي ترجمتها حتى اليوم. أعني صعوبة وجود ناشر ألماني. هم لا يشجعونني على ذلك، بل أنا اشجعهم وأحاول إقناعهم. والأمر بات أصعب في السنوات العشر الأخيرة بسبب الأحداث غير المريحة، إذا جاز التعبير، التي مر بها العالم في العَلاقة بين الشرق والغرب. وانطباعي أن الأوروبيين ليسوا جاهزين بعد لفهم ما يحدث في الشرق الأوسط، وهذا أمر غير منطقي وغير أخلاقي. ومن الصعب أن تقول شيئاً أو تنتقد أمراً ولا يقودك ذلك إلى الاتهام بمعاداة السامية. ربما أتحدّث هنا عن التاريخ من وجهة النظر الأوروبية وعلاقة ذلك كله بالإمبريالية والاستعمار والمصالح الدولية. في رأيي أن العالم العربي يختلف عن نظرة الأوروبيين إليه. وهذا ما أحاول أن أظهره في الرواية العربية باعتبارها الصوت الإنساني الحقيقي للعالم العربي.
- ما هي الرواية العربية التي ترجمتها وشغفت بها وشعرت أنها تلامس ضفاف الأدب العالمي؟* رواية "المجوس" لإبراهيم الكوني وهي بحق رواية عالمية مثل "الأخوة كارامازوف" أو "الجريمة والعقاب". وكذلك رواية "طوق الحمامة" لرجاء عالم وهي تعكس ثقافة العرب والإسلام وفي تماس مع رواية الجريمة. وهناك رواية "الزيني بركات" لجمال الغيطاني وحكايته عن الناس البسطاء الذين يحلمون بحاكم جديد يجلب لهم البركة والسعادة والعدالة. لكن كل ذلك كله يبقى أحلاماً مرتجاة. هذه روايات على سبيل المثال تجعلني أفكر بالطريقة المثلى لفهم الإنسان والمجتمع والسلوك وردود الأفعال بطريقة مختلفة.- كيف ترى إلى دور المترجم، العابر بين ضفتين، أما زال مرتحلاً بين الكلمات والثقافات؟* أشبّه المترجم بالقديس كريستوفر الذي يحمل المؤمنين ويعبر النهر من ضفة إلى ضفة، وعليه أن يكون عليماً بالظروف والمناخ وحركة المياه والصعوبات التي تزداد في الرحلة وتصبح أثقل. وعندما يصل إلى الضفة الثانية يكون متعباً أكثر من الحامل والمحمول.- هل تعتبر أن هناك في الرواية العربية ما يمكن تسميته بمرحلة ما بعد نجيب محفوظ؟* بالتأكيد دائماً هناك تحولات. أذكر ما كتبه محمد المخزنجي في كتابه "رشق السكين" وتحول إلى ما يشبه الموضة، وأحببت ما يفعله، وتناول الروائي العربي للأحداث التاريخية ومعالجتها روائياً. ما يهمني أيضاً هو تنوع الأساليب في المسار السردي التاريخي العربي. هناك روائيون عرب لم يأخذوا حقهم في الاعتبار والانتشار، مثل السوري حيدر حيدر، وهو غير معروف كثيراً في العالم العربي، وأعتقد أنه كتب أشياء مهمة من سوريا وعن سوريا، يلعب بسخرية مع الثقافة العربية وبجرأة.- ماذا عن الجيل الجديد والأصوات الجديدة وما يمكن أن تحمله إلى الرواية العربية؟* لدي الأمل ولدي الانطباع أن يستطيع الجيل الجديد فتح النقاش عن الأدب العالمي، ليس بمعنى التوحد، بل بمعنى التنوع. وأن تكون لديهم همة قوية لتقديم صوت الشعور لجماعة اجتماعية محدّدة في علاقتها بنفسها ومع الآخر والعالم، حتى نصل إلى جواب حقيقي حول ما يعنيه الأدب للإنسانية وللعنصر البشري.- كيف ترى مواضيع الروايات والقضايا التي تحملها بين الشرق والغرب؟* في الشرق تبدو المعاناة أوضح وأقسى على مستوى العذاب الجسدي والانتهاك والصعوبات المعيشية واحياناً القمع والاضطهاد. وفي الغرب، تبدو المعاناة نفسية أكثر، والشعور المتزايد بالغربة داخل المجتمع نفسه. لكن المهم في الأدب هو نقل التجربة الإنسانية في المجتمع الذي نعيش فيه، وتظهير ذلك بأسلوب مختلف.- هل ما زال الأدب يحمل إمكانات التغيير؟* ربما يحرّك أو يحفز التغيير. هو بحث في التعبير عن الوجود الإنساني بأساليب مختلفة ومنطلقات مختلفة. وهذا ما يفعله الأدب في حياتنا، يجعلنا تقترب أكثر فأكثر من واقعنا وأحلامنا ومن هويتنا الإنسانية.