لم تتمكّن السلطة السورية الجديدة حتى الآن، من احتواء موجات العنف المستمرة في أرياف الساحل السوري، رغم إعلان الإدارة العسكرية عن انتهاء العمليات القتالية وتصفية الخلايا المسلحة التي هاجمت حواجز الأمن العام وحاولت فرض نفوذها. إلا أن أعمال العنف، والترهيب، وحرق القرى لا تزال متواصلة.
فصائل "منفردة"!
منذ الليلة الماضية، تحاول هيئات مدنية، مثل الخوذ البيضاء والهلال الأحمر السوري، الوصول إلى المناطق التي شهدت عمليات إبادة، لكنها لم تتمكن من ذلك. وقالت مصادر إدارية وأمنية في محافظة اللاذقية، إن هذه الهيئات لا تستطيع مغادرة المدينة باتجاه المناطق المنكوبة، خشية التعرّض لهجمات من قبل الفصائل المسلحة، التي يُشار إليها على أنها تابعة للواء 125، بقيادة "أبو عمشة"، إضافةً إلى فصيل "الحمزات"، الذي يضم مقاتلين أجانب.
وفي ظل هذه الظروف، تستمر أعمال النهب والقتل العشوائي، من قبل الفصائل المنتشرة في أرياف الساحل، والتي تتحرك دون هوية سياسية أو عسكرية واضحة، مستفيدةً من الفراغ السلطوي القائم.
وتعيش القرى المتقاربة من بانياس باتجاه اللاذقية، كابوساً مستمراً من الرعب، حيث يتجنب السكان الطرقات بسبب انتشار فصائل مسلحة تتسم بالقسوة الشديدة والنزعة الطائفية في تعاملها مع المدنيين. وخوفاً من هذه الفصائل المتشددة، التي ترفع أعلام تنظيم داعش، يلجأ معظم الأهالي إلى الوديان والجبال بحثاً عن ملاذٍ آمن.
وبحسب العديد من الشهادات التي حصلنا عليها، تحاول قوات الأمن العام، والتي تُعدّ الأكثر إيجابية في تعاملها مع الصدمة، الوصول إلى السكان لإنقاذ حياتهم. ومع ذلك، ورغم محاولاتها، لم تتمكن من التدخل الفعّال. حتى مساء البارحة، شهدت المنطقة تراجعاً جزئياً في نشاط الفصائل، إلا أن موجات العنف عادت صباحاً، لتستمر دوامة الخوف والترهيب دون انقطاع.
وقد فرّ أغلب سكان القرى منها، خوفاً من التصعيد المستمر، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لحمايتهم، إذ يتم معاقبة الأهالي الهاربين بحرق قراهم بالكامل. من جانبها، حاولت قوات الأمن العام تتبع الفارين وإعادتهم، إلا أن معظم السكان فقدوا الثقة بجميع قوى النظام الجديد، ورفضوا العودة. في الوقت ذاته، تواجه قوات الأمن العام حصاراً متزايداً من فصائل معادية، مما يضعف قدرتها على التحرك ويفاقم حالة الفوضى.
ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تم توثيق أكثر من ألف قتيل خلال أربعين مجزرة متتالية، بينما لا تزال العمليات العسكرية في ريفي بانياس وطرطوس واللاذقية تثير القلق بسبب وتيرتها المتكررة وانتشارها الواسع. ورغم تفاوت أعداد القتلى المسجلين حتى الآن، إلا أن عمليات السرقة، وحرق الأراضي والمنازل، لا تزال مستمرة، مما يزيد من معاناة السكان في ظل غياب أي تدخل فعّال لوقف هذه الجرائم.نهب منظم وحواجز غير رسمية
في المقابل، يبدو الوضع مستتباً نسبياً في مدينتي اللاذقية وجبلة، إلا أنه يشهد حملات تفتيش ونهب منظّم للمحال التجارية في المناطق العلوية، خصوصاً في أحياء سكن الشباب، الدعتور، بسنادا، استيراد الثورة وحارة الدن. كما وردت شهادات عن حالات تفتيش من جهات غير معروفة، اقتحمت منازل المدنيين في بعض هذه المناطق، حيث تمت مصادرة الهواتف المحمولة من السكان، مما زاد من أجواء التوتر والخوف في المدينة.
في الوقت نفسه، تنتشر الحواجز الأمنية في مناطق متفرقة، بعضها تابع للأمن العام، بينما تنتمي أخرى إلى جهات عسكرية جديدة لم تكن موجودة سابقاً في اللاذقية. ووفقاً لشهادات محلية، فإن بعض هذه الحواجز تستجوب المارة حول هوياتهم الطائفية، مما يزيد من حالة التوتر داخل المدينة.
وعلى الرغم من هذه الأوضاع المتوترة، يحاول عدد كبير من أبناء المدينة تقديم يد العون، حيث يسعون إلى إيصال المساعدات الغذائية والمياه إلى ريفي اللاذقية الغربي والشرقي، رغم المخاطر الأمنية التي تعترضهم. ومع تفاقم الأوضاع، يواجه سكان الساحل أزمة إنسانية حادة، إذ لا كهرباء ولا ماء في مختلف المناطق. وقالت الإدارة العسكرية إن الفلول المسلحة دمرت شبكتي الكهرباء والمياه، مما أدى إلى شلل تام في الخدمات الأساسية، ليزيد من معاناة الأهالي في هذه الظروف القاسية.
واليوم، برزت دعوات متزايدة لوقف نشاط الفصائل المسلحة التي لم تلتزم حتى الآن بـالقرار الشرعي الصادر قبل يومين، كما أنها لم تمتثل لتقرير وزارة الدفاع الذي أعلن انتهاء العمليات العسكرية. ومع ذلك، لا تزال الفصائل تواصل القتال، في تحدٍّ واضح لأي محاولات لفرض النظام أو إعادة الاستقرار، مما يجعل الأوضاع في الساحل أكثر غموضاً واضطراباً.