يبدو أن "بركة" التعيينات القضائية المرتقبة قد حلّت على المدعي العام التمييزي، القاضي جمال الحجار، الذي قرّر بشكل فُجائيّ التراجع عن قرار المدعي العام التمييزي السابق، القاضي غسان عويدات وإعادة التعاون مع المحقق العدلي في قضية المرفأ، طارق البيطار.
لهذه الخطوة أهمية كبرى في إنهاء ملف المرفأ، فرجوع الحجار عن قرار عويدات يعتبر ملغاة للقرار من أساسه، وبمعنى أوضح هو "كسر" للقرار الذي منع قلم النيابة العامة التمييزية من تسلّم أو تسليم البيطار أي مستند أو ورقة أو استنابة..، ما أدى إلى عرقلة مسار التحقيقات لأكثر من عامين.
وحسب مصادر "المدن" فإن اجتماعات عديدة عقدت خلال الأسابيع الماضية، بحضور وزير العدل، عادل نصار، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، سهيل عبود، والقاضيين الحجار والبيطار، بهدف حلحلة هذه القضية. وبعد انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهوريّة، وتشكيل الحكومة الجديدة، بات هناك حاجة ملحة لانهاء ملف المرفأ وإصدار القرار الظنيّ. ومن شأن هذه المتغيرات التغيرات الضغط أكثر على القضاء اللبنانيّ، وتحديدًا على القاضي الحجار لحل الملف وإبعاده عن العراقيل، خصوصًا وأنها تزامنت مع تحريك ملف التعيينات القضائية والأمنية في المراكز الشاغرة، فالتوجه الحاليّ للعهد الجديد هو تعيين مدع عام تمييزي يوافق على التعاون مع البيطار، ولا يساهم بعرقلة الملفات المجمدة في قصور العدل. وكل المؤشرات باتت تشير إلى أن الحجار الأوفر حظاً لتثبيته كمدع عام تمييزي لشهر نيسان من العام 2026، أي حتى تقاعده.ما أهمية هذه الخطوة؟إعادة التعاون مع البيطار تعني وضع الملف على السكة الصحيحة تمهيدًا لإصدار القرار الظنيّ وتحويل الملف للمجلس العدلي أي أن القضاء يعمل على تحقيق العدالة في قضية المرفأ. ووفقًا للمصادر القضائية فإن البيطار سيصدر القرار الظني في نهاية شهر نيسان المقبل كحد أقصى، خصوصًا أن التعاون مع النيابة العامة التمييزية يزيل كل العراقيل التي ساهمت بتأخير تحقيقات هذا الملف.
ووفقًا للمصادر ذاتها، فإن الخطوة الأولى التي ستبدأ هي البت بالدفع الشكلي الذي تقدّم به أحد المدعى عليهم في الملف. وحسب معلومات "المدن" فإن البيطار والحجار سيجتمعان خلال الأيام المقبلة للاتفاق على آلية العمل في المرحلة المقبلة، كما أن البيطار سيعيد للمرة الثانية تحويل الدفع الشكلي الذي تقدم به العميد المتقاعد في الأمن العام، محمد حسن مقلد، والذي رفضه الحجار نفسه منذ أيام قليلة، لإبداء المطالعة تمهيدًا للبت به قبل موعد الجلسة المحددة يوم الجمعة 14 آذار.
وبحسب مصادر قضائية لـ"المدن" فإن الدفع الشكلي الذي تقدم به مقلد ذكر في مضمونه بأنه "ما من صلاحية للبيطار بالعودة للتحقيقات، وأنه مكفوف اليد وبحقه دعاوى مخاصمة". وهو ما يتطلب من الحجار إبداء مطالعته في هذا الدفع، إما باعتبار البيطار يملك الشرعية الكاملة لمتابعة كل تحقيقاته، أو باعتباره ممنوعًا من العودة إلى ملفه. علمًا أن الحجار وافق على التعاون مع البيطار وتوضع هذه الخطوة في مسار الاعتراف بشرعية المحقق العدلي.
وحسب مصادر"المدن" فإن الخطوة الثانية هي أن يطلب البيطار من الحجار اطلاعه على كل الاستنابات المعنية بقضية المرفأ التي وصلت للنيابة العامة التمييزية طيلة السنوات الماضية خلال ولاية عويدات، والتي مُنع تسليمها للبيطار. وبذلك بات بإمكان الأخير تحويل أي استنابة للخارج من أجل التعاون في القضية.مهام النيابة العامة التمييزيةوالأهم، أن النيابة العامة التمييزية هي التي ستتولى مهمة تبليغ كل المدعى عليهم في قضية المرفأ، ففي المرحلة الماضية استعان البيطار بالمباشرين لتبليغ المدعى عليهم بمواعيد جلسات استجوابهم. ولكن بعد الرجوع عن قرار عويدات، فإن الحجار سيوكل الضابطة العدلية المتمثلة بقسم المباحث الجنائية المركزية وبقوى الأمن الداخلي، لإبلاغ كل من تبقى من ضباط وسياسيين وقضاة. يعني، بات على عاتقه الحجار، وابتداءً من اليوم تبليغ كل من المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، مدير عام الأمن العام السابق، عباس إبراهيم، رئيس الحكومة السابق، حسان دياب، الوزير السابق غازي زعيتر، الوزير السابق، نهاد المشنوق، المدعي العام التمييزي السابق، القاضي غسان عويدات، المحامي العام التمييزي، القاضي غسان الخوري، قاضية الأمور المستعجلة، كارلا شواح، قاضي الأمور المستعجلة، جاد معلوف بمواعيد مثولهم أمام البيطار.
وعودة التعامل لا تقتصر على تبليغ المدعى عليهم بمواعيد جلساتهم وإبداء المطالعة بالدفع الشكلي، فإن الحجار يملك الصلاحية لإعادة النظر بكل الإجراءات التي اتخذتها النيابة العامة التمييزية خلال ولاية عويدات وعلى رأسها "وقف" تنفيذ مذكرات التوقيف الغيابية التي أصدرها البيطار بحق كل من الوزير السابق النائب علي حسن خليل، ووزير الأشغال العامة والنقل السابق، يوسف فنيانوس. فهل سيعيد الحجار تفعيل تنفيذ هذه المذكرات؟ وأيضًا، سبق وأن أرسل عويدات كتابًا للمديرية العامة للأمن العام، يطالب فيها وضع إشارة منع سفر على البيطار، وبالتالي مع كسر أولى قرارات عويدات وإعادة التعاون، يتوجب اليوم مطالبة الأمن العام إزالة إشارة منع السفر عن البيطار. ما مصير القضاة؟وحسب معلومات "المدن" لا تزال آلية إعادة التعاون ضبابيّة بما يتعلق بالتحقيق مع القضاة، خصوصًا أن الحجار سبق وأبدى، خلال مفاوضاته مع البيطار في شهر تموز العام 2024، رغبته بتقسيم الملف وفقًا لاختصاص وصلاحية مجموعة من المراجع، ليتولى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء محاكمة المدعى عليهم من السياسيين، على أن تتابع النيابة العامة التمييزية محاكمة القضاة، وليحاكم هؤلاء أمام هيئة قضائية تؤلف من 5 قضاة. في المقابل، تؤكد مصادر "المدن" أن البيطار لا يزال على موقفه في متابعة الملف، ويرفض تصنيف المدعى عليهم بهذا الشكل، انطلاقًا من رؤيته الثابتة والتي لم تتغير بأنه يملك كامل الصلاحية لمحاكمتهم من دون استثناء.