2025- 03 - 10   |   بحث في الموقع  
logo بيان للجيش عن فقدان الإتصال بأحد العسكريين… هذا ما كشفه logo الحجار يكسر قرار عويدات: "بركة" التعيينات القضائية حلت؟ logo "باب مفتوح" يحطم طائرة صغيرة في أميركا! (فيديو) logo "كارثة" في بحر الشمال... تصادم بين سفينة شحن وناقلة! (فيديو) logo إسرائيل تهدّد والمقاومة مستعدة... فهل تشتعل الحرب من جديد؟ logo "تداعيات تلوح في الأفق"... خبير اقتصادي يُنبّه من المخاطر المقبلة! logo ‏مطر زار الرئيس عون وبحث في التطورات السياسية logo إمساكية شهر رمضان المبارك
وسط بيروت: بوادر عودة الحياة مدفوعة بأمل الإصلاح
2025-03-10 14:25:44


منذ بضعة أشهر فقط، كان مجرد تخيّل عودة الحياة إلى أسواق العاصمة اللبنانية بيروت، وخصوصًا وسطها التجاري، أشبه بمحاولة استحضار صورة خيالية أو ضربٍ من ضروب الهذيان. فالمدينة التي وُصفت سابقًا بأنها جسرٌ يجمع الشرق بالغرب، وشهدت سنوات من الازدهار الاقتصادي والسّياحي، ابتعدت شيئًا فشيئًا عن دورها الريادي تحت وطأة أزمات متداخلة؛ من أزمة اقتصادية خانقة بدأت منذ عام 2019، مرورًا بتبعات انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، وصولًا إلى عواصف سياسية وأمنية تراكمت منذ حرب عام 2006 وما تلاها من احتقانٍ داخليّ وضغوطٍ خارجيّة.
حتّى بدا الوسط، وفي السّنوات القليلة الماضية، كمشروع كبير فقَدَ ألقه: أبنيةٌ شاهقة، أرصفةٌ أنيقة، محلاتٌ تجاريةٌ عالمية ومتاجر أزياء فاخرة، لكنها بلا جمهور تقريبًا؛ واجهات لامعة وأضواء لا تُضاء إلا لمامًا. كثيرون ظنّوا أن بيروت فقدت دورها الرياديّ بلا رجعة، وأن وسطها التجاري صار رمزًا للوعود الخائبة؛ لم يُقدّر له أن يصبح دبي جديدة، بل تحوّل إلى صورة باهتة عمّا كان يجب أن يكونه لو سارت الأمور على ما خُطط له.بوادر انفراجوقائع الأشهر الأخيرة، وما تلا انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة وتشكيل حكومة جديدة في لبنان، حملت بوادر انفراج في المشهد السياسي، انعكست ولو نسبيًا على وسط بيروت. خُطوات عدة اتُخذت، من بينها إعادة فتح الطرقات المؤدية إلى ساحة النّجمة وسائر الشوارع المقفلة في محيط البرلمان، فضلًا عن الإعلان عن إعادة تأهيل أسواق بيروت من قبل شركة سوليدير. وقد لا يكون الحراك بالزخم المنشود، لكن ملاحظته ليست صعبة: سيارات فارهة تصطف بمحاذاة الأرصفة، متسوقون يدخلون إلى بعض المحلات التي عاودت فتح أبوابها، مطاعم ومقاهٍ بدأت تستقطب زبائنها، والأهم عودة بعض الحركة إلى الطرقات المؤدية إلى هذه المنطقة التي ظلّت شبه مغلقة لفترة طويلة بفعل حواجز إسمنتية وأمنية أقامتها السلطات خلال فترات الاضطراب.
اليوم، وعلى الرغم من أن مظاهر الحياة في وسط بيروت لم تبلغ بعد ما كانت عليه في زمن الازدهار، فثمة حراك يسجّل تقدّمًا ملحوظًا. يكفي القيام بجولة قصيرة في السوق: الواجهات تُضاء مساءً، المطاعم والمقاهي تفتح أبوابها في عطلة نهاية الأسبوع وتستقبل زبائنها، وبعض المحلات التجارية باشرت تعبئة رفوفها بالبضائع والاستعداد لإطلاق حملاتها الإعلانية. في حديثه إلى "المدن"، يقول أحد أصحاب المحلات: "لم تكن لديّ نية لإعادة فتح المتجر قبل بضعة أشهر، لكنّنا نلمس تحسّنًا طفيفًا، خصوصًا مع اقتراب موسم الصيف، فضلًا عن حملة إعلانية ستطلق قريبًا للإضاءة على وسط بيروت واستقطاب الزائرين من جديد. صحيح أن الحركة ليست قوية، لكن الشعور العام أفضل مما مضى."
أما بالنسبة إلى المارة الذين تصادفهم بين المحلات، فغالبيّتهم إما عاملون في مؤسّساتٍ مصرفيّة وإدارية قريبة، أو زوار يأتون لاستكشاف المنطقة المستعادة بعد سنوات من الإغلاق الجزئي أو الكلي. أحد رواد المقاهي في وسط بيروت يقول إنه يأتي إلى هذه المنطقة مرة في الأسبوع على الأقل، ولو لمجرد تغيير الأجواء: "أحبّ الجلوس في مقهى يطل على الساحة الواسعة في قلب المدينة، فذلك يعيدني إلى ذكريات أيام الجامعة قبل أكثر من عشر سنوات. لا تزال الحركة أخف بكثير مما كانت عليه في السابق، لكن الأجواء بدأت تعود. هناك سياح يُشاهدون آثار المدينة القديمة، وهذا جيد في ظل ما مررنا به."الآمال المعقودة على الإصلاحتتقاطع هذه المؤشرات مع تصريحاتٍ لمسؤولين اقتصاديين بشأن الاستعداد لمرحلةٍ قد تشهد انتعاشًا تجاريًا، خصوصًا في مواسم الأعياد والصيف. ويرتبط ذلك بما يسمى "خطوات إصلاحية" شرعت الحكومة بتطبيقها، إضافة إلى زيارة رئيس الجمهورية للسعودية في سياق تعزيز العلاقات مع الخليج وتشجيع الاستثمارات والسياحة. إعادة افتتاح وسط بيروت وإطلاق فعاليات مثل "ليالي بيروت" قد تشكّل بداية لإعادة الروح إلى العاصمة، على أمل أن تشمل لاحقًا أحياءً مجاورة لا تزال متأثرة بتداعيات انفجار المرفأ.أجور تتآكل لا تنحصر أجواء الترقّب في التجار وأصحاب المحلات، بل تتعداها إلى العمال والموظفين الذين يشكّلون العمود الفقري لأي نشاط اقتصادي. وفي جولة لـ"المدن" ضمن منطقة الوسط، نقل لنا عدد من الموظفين رغبتهم في الاستمرار بالعمل في المنطقة، شرط أن تتحسّن الخدمات الأساسية، مثل تأمين المواصلات العامة وعودة انتظام التيّار الكهربائي، فضلًا عن تصحيح الأجور المتآكلة، خصوصًا أنها تُدفع بالليرة اللبنانية في ظل انهيار قيمتها. ويقول أحد الموظفين، الذي يعمل في إحدى الشركات الناشئة التي اختارت وسط بيروت مقرًّا لها: "فضلنا هذه المنطقة لما تحمله من رمزية وتاريخ، ولكنّنا نواجه مشاكل مثل انقطاع الكهرباء واضطرارنا للاعتماد على مولّد خاص. هذا يرفع الكلفة علينا بشكل كبير. نأمل أن نرى حلولًا حكومية أو تشريعات تُحفّز الشركات الناشئة على البقاء في بيروت بدلًا من الهجرة نحو الخارج".
في المقابل، تجدر الإشارة إلى أن بعض المحلات والمطاعم الجديدة استقطبت عمالًا مؤقتين للعمل بدوام جزئي خلال عطلة نهاية الأسبوع أو الفترات التي تشهد حركة. هؤلاء يتقاضون عادةً أجورًا مدفوعة بالدولار، بحسب ما يتّفق عليه صاحب العمل والعامل. يعتبر البعض ذلك "نعمة" في ظل انهيار العملة الوطنية، بينما يراه آخرون غير صحي في سوق العمل. تقول إحدى الشابات، وهي طالبة جامعية تعمل كنادلة في أحد المقاهي الفاخرة في وسط بيروت: "أتلقّى أجرًا بالدولار، وهذا أمر جيد في هذه المرحلة. لكن المشكلة هي أن عملي موسمي وغير مضمون على المدى الطويل. كما أن العروض الوظيفية القليلة في وسط بيروت لا تسمح بوجود بدائل إذا أقفل هذا المقهى."هوية وسط بيروتيعوّل كثيرون على عودة المستثمرين الكبار والعلامات التجارية العالمية لاستعادة زخم الوسط التجاري، بعدما أغلقت معظمها متاجرها بسبب الاضطرابات وعدم الاستقرار. ويُطرح هنا دور "سوليدير" وإدارتها للمشروع: فالإيجارات العالية والمواصفات المشددة أدّت إلى حصر النشاط بتجار عالميين فخريين، وابتعاد صغار المستثمرين والروّاد. ومع الأزمات الأمنية والسياسية، وانحسار السياحة الخليجية منذ 2011، بقيت محالّ عدة فارغة لسنوات.
يشير الخبير المالي والاقتصادي محمد فريدة إلى أن الحركة في وسط بيروت "لا تزال شبه معدومة"، إلا أنها تتحسّن تدريجيًا مع اقتراب شهر رمضان وقيام بعض النشاطات الموسمية. من جهته، يربط أسباب الركود بتراكم الأزمات منذ 2006 وغياب رؤية متكاملة لدى "سوليدير"، إضافةً إلى ارتفاع الإيجارات والاحتكار العقاري، ما أضعف عملية إعادة الإعمار. ويؤكد فريدة أهمية أن يشعر اللبنانيون بالانتماء للوسط، فالعزوف عن ارتياده يعود جزئيًا لنظرةٍ تفيد بأنه فضاءٌ خاص لفئة معينة. ويرى أنّ إدخال بُعدٍ ثقافي واجتماعي يشمل فعالياتٍ شبابية ومساحاتٍ عامة سيعزّز التنوع ويشجع الزائرين على العودة.
أما أمين عام الهيئات الاقتصادية ورئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، فيعتبر أن الوقت لا يزال مبكرًا لتقييم نجاح إعادة الافتتاح، خصوصًا مع حلول رمضان وتغيّر أنماط الاستهلاك، مقترحًا انتظار الأسابيع المقبلة لمعرفة اتجاه السوق.بين مدينة الأحلام والواقعيتساءل كثيرون عمّا ينقص وسط بيروت كي يستعيد نبضه. الجواب غالبًا هو حزمة حلول متكاملة، فالخطوة لا تقتصر على فتح الطرقات أو إقامة فعالياتٍ محدودة، بل تتطلب توفير حوافز مالية للمستثمرين وخفض الإيجارات بما يتلاءم مع قدرة السّوق المحليّة، وتشجيع المبادرات الشبابيّة والمشاريع الناشئة لتعيد الحيوية إلى المدينة. كما أن توفير البنى التحتية من كهرباء ومواصلات عامة واستقرار نقديّ يبقى أساسيًا.
كذلك، فإن الانفتاح على الدول العربية واستقطاب السائح الخليجي مجدّدًا قد يمنح وسط بيروت دفعًا إضافيًا لاستعادة جزءٍ من حيويته المفقودة. لكن هذا مرهونٌ بقدرة الدولة على الإيفاء بالوعود الإصلاحية، ومحاربة الفساد، وتبسيط البيروقراطية، وتقديم صورة أكثر استقرارًا وجاذبية عن لبنان. فقط حينها قد تتحقق نقلة حقيقية تحول وسط المدينة من مجرّد مشروع مؤجل إلى واقعٍ يعيد للأذهان سحر بيروت القديم.



المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top