2025- 03 - 09   |   بحث في الموقع  
logo الشرع يكلف لجنة مستقلة للتحقيق في انتهاكات الساحل السوري logo واشنطن تدعو لمحاسبة مرتبكي الانتهاكات في الساحل السوري logo مبعوث ترامب: الافراج عن الأسرى بغزة ممكن خلال أسابيع logo بن غفير يتقدم بمشروع قانون لإلغاء اتفاق أوسلو logo إسرائيل تصف القيادة السورية بـ"الجهاديين بالبدلات"! logo سموتريتش يتحدث عن مستجدات "خطة ترامب" لنقل سكان غزة logo في كسروان… رجل أربعينيّ يضرب ثمانينياً! logo سوريا اعتقلت القاتل.. حقائق مثيرة عن كمال جنبلاط ولحظات اغتياله
رمضان في طرابلس: مدينة تنبض بتناقضاتها
2025-03-09 09:55:46


مع أولى ساعات الصباح، تخرج طرابلس من سباتها المتقطّع. الشوارع نصف نائمة، الأرصفة شبه فارغة، المحال مغلقة، والهواء ما زال مشبعًا بآثار الليل. مدينة تتثاءب. لكن هذا الهدوء ليس سوى خدعة بصرية، فلا شيء يهدأ في طرابلس إلا ليعود إلى ضجيجه مضاعفًا. مع اقتراب المغيب، يبدأ التحول.
الأبواب تُفتح بعصبية. الباعة يجهّزون بسطاتهم، والناس يخرجون كأنهم تأخروا عن موعد غير محدد. في الأسواق الداخلية، يستعيد المشهد حيويته المعتادة: صرخات التجار تتنافس في جذب الزبائن، أحدهم يلوّح بحزمة نعناع طازج، وآخر يرصّ الليمون في قناني بلاستيكية، فيما يتفنّن بائع الحلوى في ترتيب صواني القطايف والمشبّك وكأنها قطع مجوهرات. رمضان هنا ليس شهرًا، بل حالة.في شارع العريض، الحركة مضاعفة. سيارات متوقفة بعشوائية، دراجات نارية تنساب بين الفجوات الضيقة، أبواق لا تتوقف، وصراخ متبادل بين سائقين، كل واحد منهما مقتنع بأن الآخر هو المخطئ. ثم فجأة، تهدأ الأصوات للحظات، يتبادل الجميع نظرات متوترة، قبل أن تعود الحياة إلى فوضاها الاعتيادية.الميناء وطرابلس والهويةتعبر الجسر نحو الميناء، وستشعر كأنك انتقلت إلى عالم آخر. البحر هنا يفرض إيقاعه الخاص. الهواء أكثر خفة، والمدينة أكثر انفتاحًا. لا أحد في الميناء يقول إنه "طرابلسي"، بل "مينتي"، وكأن هذا الامتداد البحري قطعة منفصلة عن المدينة. أهل الميناء لا يرون أنفسهم جزءًا من طرابلس المحافظة، والمصطلحات اليومية تؤكد هذا الفصل: من ينزل من القبّة إلى طرابلس يقول "غربتي"، بينما المتنقل بين الأحياء الداخلية يبقى "مينتي"، كأن المدينة لا تزال تعيش في عصر الحدود الداخلية.
عند المساء، يتضح الفارق أكثر. في التل، الفوانيس المعلقة بين الأزقة ترسم مشهدًا رمضانيًا كلاسيكيًا، أصوات المآذن تمتزج مع نداءات الباعة، والطرابلسيون يتنقلون بين محلات الحلوى ومحلات الألبسة كأنهم في طقس جماعي متكرر كل عام. لكن على بعد دقائق، في الميناء، المشهد مختلف: موسيقى تصدح من المقاهي، طاولات مزدحمة بالأحاديث والضحكات، والبحر يتلألأ تحت أضواء المدينة، كأن ما يفصل بين طرابلس والميناء أكثر من مجرد جسر.الثراء المعزول في مدينة الفقرلكن طرابلس ليست فقط الأسواق والميناء. إذا اتجهت قليلًا نحو "الضم والفرز"، ستجد طرابلس مختلفة تمامًا، مدينة لا تشبه نفسها. أبنية اسمنتية زجاجية، والشقق السكنية في هذا الحي لا يقل سعرها عن 200 ألف دولار، ومقاهٍ تبدو وكأنها مستوردة من بيروت.يقول مالك، أحد سكان طرابلس، وهو ينظر إلى واجهات المباني الزجاجية "لا أفهم هذه الأسعار لشقة سكنية في طرابلس". في مدينة تعاني من أزمات متراكمة، أصبح "الضم والفرز" عالمًا معزولًا عن بقيتها، واحة للأثرياء الذين لا يختلطون ببقية المدينة إلا عبر زجاج سياراتهم المغلقة.مبان تتآكل وبيوت تنهار بصمتفي قلب طرابلس القديمة، المشهد على النقيض تمامًا. هنا، الأزقة تتعرّج بين مبانٍ تراثية تتداعى ببطء، بعضها مهجور منذ عقود، وبعضها الآخر لا يزال مأهولًا رغم تصدّع جدرانه وتآكل نوافذه الخشبية.في الأسواق الداخلية، البيوت العتيقة لا تزال صامدة رغم كل شيء، شاهدة على زمن كانت فيه طرابلس مدينة مزدهرة. لكن هذه الشواهد تموت بصمت. "كل فترة نسمع عن بيت وقع، عن جدار انهار، ولا أحد يهتم"، يقول أحد سكان باب التبانة، حيث البيوت القديمة أكثر هشاشة، وحيث الناس يتعايشون مع فكرة أن منازلهم قد تنهار فوق رؤوسهم في أي لحظة.
على ايقاع موسيقى الرصاصلكن طرابلس ليست فقط فوضى الأسواق وجمال التراث، بل أيضًا مدينة تتحرك على إيقاع آخر: الرصاص. عند السرايا العتيقة، كاد أحد السائقين أن يدهس رجلاً يعبر الشارع. حادثة عادية، تحدث كل يوم. لكن الغضب تصاعد سريعًا، وتحوّل إلى صراخ، ثم إلى تهديد مباشر"بقوّصك ولاه؟".العبارة لم تعد صادمة هنا. الرصاص، المشاكل، وحتى القتل، كلها تحولت إلى أخبار عادية، جزء من يوميات المدينة. لا يمر يوم من دون حادثة، من دون إطلاق نار في زقاق هنا أو هناك، من دون موت مفاجئ يمرّ كأنه تفصيل إضافي في مشهد مزدحم أصلًا.وفي شارع العريض، الذي يبعد دقائق عن السرايا، وقع اصطدام آخر، هذه المرة بين سيارة ودراجة نارية. وبعد أمتار قليلة، حادثة أخرى بين دراجتين. المدينة تتنقل بين الحوادث كأنها مشاهد متكررة في فيلم طويل بلا نهاية.بين الأسواق الشعبية والأبنية الفاخرة، بين الرصاص العشوائي وزينة رمضان، بين بيوت تتهاوى وأخرى تباع بأسعار فلكية، تظل طرابلس مدينة لا تفهمها بسهولة، مدينة تتحرك وفق إيقاعها الخاص. مدينة تتغير لكنها تبقى هي نفسها. مدينة تعيش على تناقضات متعددة، لكنها تبقى حقيقية.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top