2025- 03 - 09   |   بحث في الموقع  
logo الشرع يكلف لجنة مستقلة للتحقيق في انتهاكات الساحل السوري logo واشنطن تدعو لمحاسبة مرتبكي الانتهاكات في الساحل السوري logo مبعوث ترامب: الافراج عن الأسرى بغزة ممكن خلال أسابيع logo بن غفير يتقدم بمشروع قانون لإلغاء اتفاق أوسلو logo إسرائيل تصف القيادة السورية بـ"الجهاديين بالبدلات"! logo سموتريتش يتحدث عن مستجدات "خطة ترامب" لنقل سكان غزة logo في كسروان… رجل أربعينيّ يضرب ثمانينياً! logo سوريا اعتقلت القاتل.. حقائق مثيرة عن كمال جنبلاط ولحظات اغتياله
نحو تجنّب "عرقنة" سوريا
2025-03-09 09:55:46


قد لا يعجب الكثيرين هذا الإسقاط الذي سنجريه على المشهد السوري اليوم. لكن أوجه الشبه في الخلفية والمدخلات الراهنة ستقودنا إلى نتائج مشابهة لتلك التي عاشها العراق خلال عقدين بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003.أما في الخلفية، فالنواة الضيقة لحكم صدام حسين كان يقوم على "أقلية سُنيّة" مطعّمة بأيديولوجية قومية- بعثية، تحكم أكثرية "شيعية"، و"أقلية" أخرى "كردية". ومن الصعب الاتفاق على نسب التوزّع العِرقي والطائفي في العراق، لكن التقديرات الأكثر موضوعية تشير إلى نحو 60% من العرب الشيعة، ونحو 20% من العرب السنة، ونحو 15% من الأكراد، و5% من مكونات عرقية ودينية أخرى، هم قوام الديمغرافيا العراقية.
ومع انهيار نظام صدام حسين بغزو أميركي عام 2003، تصدّرت المشهد قوى شيعية- إسلامية، مدعومة إيرانياً بصورة أساسية. وهي التي هندست "حواراً" مع القوى الممثلة للمكوّن الكردي، مع تهميش كبير للعرب السُنة. وانتهى ذلك إلى تشكيل منظومة حكم أقصت المكوّن السني بصورة مباشرة. ومن اشترك من ممثلي هذا المكوّن في اللعبة السياسية بعد العام 2005، كان في حالة أقرب للتبعية للقوى الشيعية الكبرى التي حكمت البلاد فعلياً، باستثناء إقليم كردستان العراق.تلك الخلفية -حكم أقلوي مطعّم بنكهة آيدلوجية قومية- والمدخلات -حوار "وطني" منقوص التمثيل وإقصاء لمكوّن رئيسي- كانت مخرجاته دولة يختلف العراقيون في توصيفها بين "الفاشلة" و"الهشة"، كانت أبرز معالمها: اقتتال أهلي- مذهبي، تكرّر بصورة دامية في موجتين كبيرتين بين عامي 2006 – 2008، وبعد 2014، سيطرة للفصائل الميليشيوية وممثليها السياسيين على الحياة السياسية، والفساد المستشري الناجم عن ذلك. موجات تطرّف لا تهدأ إلا لتبدأ مجدداً، بنية تحتية متهالكة، وقطاع طاقة ضعيف، واقتصاد عاجز عن أن يوفّر للعراقيين حياة متناسبة مع الإيرادات الضخمة من تصدير النفط التي تتراوح ما بين 8 إلى 11 مليار دولار شهرياً.
في تحليل نشره مركز "مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط"، قبل نحو عقدٍ من الزمن، بعنوان: "الأزمة الطائفية في العراق: إرث من الإقصاء"، يشير الكاتب حارث حسين إلى ضرورة معالجة مشاعر الاغتراب والنفور لدى السنّة حيال نظام الحكم، بوصفه أمراً بالغ الأهمية، لمعالجة معضلات العراق. ويضيف أنه لكي يتم بناء الشرعية والاستقرار، تحتاج الدولة التي يهيمن عليها الشيعة إلى إطلاق خطة جادّة للمصالحة.ومن النقاط الملفتة التي تناولها في إشكالية استقرار العراق، افتقاره إلى سردية وطنية حقيقية قادرة على تسوية الانقسامات الطائفية. ويقول الكاتب: "لدى شرائح مختلفة من المجتمع ذكريات وسرديّات تاريخية مختلفة حول ماهيّة العراق أو ما ينبغي أن يكون عليه. كما أن فشل القيادة في جمع هذه الخيوط ضمن مبدأ وطني واحد وشامل يعزّز الانقسامات الطائفية والحدود بين الطوائف".
بعد نحو عقد على نشر المقال المشار إليه، لم يتغير الكثير في حال العراق. هناك مؤشرات استقرار نسبي أفضل من السابق، لكن معايير الفشل الاقتصادي والخدماتي في أداء "الدولة"، ومدى تمثيلها لمختلف المكونات، لا تزال قائمة بشكل واضح. كما أن المستقبل يشي بمخاوف جدّية حيال استقرار منظومة الحكم الراهنة، المرتبطة بالمحور الإيراني المتضرر بشدة من التطورات في لبنان وسوريا، خلال الثلث الأخير من العام المنصرم. وحتى في أكثر أجزاء العراق استقراراً، بكردستان العراق، نجد أن المكوّن الكردي فشل في تحقيق الاستقلال بعد استفتاء رُفض على نطاق واسع، إقليمياً ودولياً، عام 2017. وبقي الإقليم مرتبطاً بالعاصمة بغداد، بصورة هشة ومتوترة، لها أضرارها الملحوظة على مساعي النهوض الاقتصادي والتنمية في هذا الإقليم.أبرز الدروس المستفادة من التجربة العراقية تلك، أن المدخلات الخاطئة لعملية تأسيس الدولة الوليدة بعيد 2003، أدت إلى النتائج المريرة التي ما زال العراق يعيش في أتونها حتى اليوم. جميع المكوّنات العراقية الرئيسية (شيعة، سنة، أكراد)، متضررون على الصعيد الشعبي، من هذا الواقع. الرابح الوحيد هو قيادة القوى السياسية والميلشياوية المهيمنة على السلطة، والتي تحرص على إبقاء تركيبة الحكم الراهنة على حالها، رغم اهترائها الكبير.الخلاصة التي يجب أن نتعلمها في سوريا، أن لا استقرار مستداماً يمكن له أن يوفّر فرص التعافي الاقتصادي، في ظل إقصاء مكوّنات رئيسية من تركيبة الحكم، وفي أجواء من التغوّل الفصائلي على مقدّرات الدولة. وأن جميع مكوّنات سوريا، ستتضرر من ذلك. فاغتراب "أقليات" الطيف السوري من دروز وعلويين وأكراد عن "الدولة" الوليدة، يعني استنساخاً مقيتاً للتجربة العراقية بعد 2003. والأخطر من ذلك، أنه في الحالة السورية، علينا توقّع اهتراء مجتمعي أكبر بمرات من الحالة العراقية، لأنه لا ثروة نفطية قادرة على تغطية العورات الفاضحة لحالة العجز في الخزينة الحكومية، ناهيك عن أثر العقوبات الخارجية التي ستعود لتطل برأسها مجدداً بشدة أكبر، إن تكررت المشاهد الدامية التي عاشها الساحل السوري في اليومين الماضيين.لا تزال الفرصة متاحة لدى القيادة السورية الراهنة، لتجنّب "عرقنة" سوريا. وهي من يتحمّل مسؤولية ذلك بالدرجة الأولى، لأنها من يملك "الشرعية" والموارد اللازمة. وينقصها فقط إرادة صادقة بإشراك مختلف مكونات الطيف السوري في حوار وطني جدّي، يجنّب البلاد منزلقاً خطراً جديداً. ولا يعفي ذلك المؤثّرين السياسيين والمجتمعيين في المكوّنات السورية المختلفة، من المسؤولية. فالانجرار نحو منطق الثأر استناداً إلى مظلومية السنوات 14 المنصرمة، من جهة أولى، والمغامرة بعمل أرعن لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لمن خسر امتيازات أكبر من وزنه الديمغرافي، من جهة ثانية، والرهان على مظلة حماية ودعم خارجي للاستقواء على الشركاء في الوطن، من جهة ثالثة، كلها مقامرات قصيرة الأفق تطال حيوات الحواضن الاجتماعية لأولئك الفاعلين، وتسبب ضرراً كبيراً للمصالح الاقتصادية والمعيشية لتلك الحواضن. أما في الدرجة الثالثة، فتتحمّل شريحة رجال الدين، من مختلف المكوّنات، مسؤولية كبيرة في لجم التجييش الطائفي المُعتمل في اللحظة الراهنة. خصوصاً وأن بعض المحسوبين على هذه الشريحة كانوا أحد أبرز مصادر هذا التجييش.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top