2025- 03 - 09   |   بحث في الموقع  
logo الجيش اللبناني ينتشر على مداخل جبل محسن – وباب التبانة logo عودة: الاستقامة في الرأي والسلوك مطلوبة بخاصة ممن يتولى مسؤولية عامة logo إمساكية شهر رمضان المبارك logo توقف الإنترنت والاتصالات في درعا والسويداء logo تفاصيل المباحثات بين أميركا و"حماس" logo ترامب يُنهِي الإعفاءات الممنوحة للعراق لشراء الكهرباء من إيران logo الدفاع السورية تعلن بدء المرحلة الثانية من ملاحقة الفلول logo ماذا ستغيّر هويّة الحاكم الجديد لمصرف لبنان؟
تمكين المرأة اللبنانيّة: إنجازات متصاعدة وتحدّيات تشريعيّة وثقافيّة متجذّرة
2025-03-09 00:25:45


في الثامن من آذار من كلّ عام، يحتفي العالم باليوم الدوليّ للمرأة، فتُعاد قراءة الأدوار المُناطة بها، وتُثار التساؤلات حول ما أُنجِز وما بقي مؤجَّلًا في مسيرة نضالها لنيل حقوقها وتمكينها في المجالات السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. وفي لبنان تحديدًا، يصبح الحديث عن التمثيل النسائيّ في الحياة السياسيّة أشبه باستعادةٍ لقضيّةٍ تتجدّد عند عتبة كلّ استحقاقٍ دستوريّ أو مناسبة حقوقيّة، وعلى الرّغم من أنّ هذا البلد كان سبّاقًا في تكريس حقّ المرأة في المشاركة السّياسيّة، اقتراعًا وترشُّحًا، منذ عام 1953، متفوّقًا بذلك على سائر البلدان العربيّة في تلك الفترة. لكنّ المفارقة تبقى أنّه، على الرغم من هذا السّبق الزمنيّ، لا تزال النّساء اللبنانيّات يناضلن كي لا يُقصَين عن مراكز صنع القرار، وعن حقّهنّ في التمثيل السّياسيّ الفعليّ.بين ريادة المشاركة وتعقيدات الواقعولعلّ هذه الإشكاليّة تبدو أكثر وضوحًا في سياق المشهد اللبنانيّ المعقّد، حيث تتداخل الأزماتُ السياسيّة والاقتصاديّة مع منظومةٍ اجتماعيّة موروثة تصعُب عليها مغادرة القوالب المُضلِّلة. هنا، تتجلّى أبرز التحدّيات في التفاوت الشاسع بين النصوص القانونيّة والدستوريّة، الدّاعمة نظريًّا لحقّ المرأة في التمثيل والمشاركة في مراكز القرار، وبين الواقع العمليّ الذي تشوبه سياسات إقصاءٍ متعاقبة. ولا يقتصر الأمر على القوانين المكتوبة فحسب، بل يشمل مقاربةً ثقافيّة وسياسيّة مترسّخة في بنية المؤسّسات والأحزاب التقليديّة، حيث تبقى المرأة أسيرة الأدوار النمطيّة أو تُستثمر ضمن حدود دعائيّة وشكليّة لا تكاد تُخفي التمييز القائم ضدّها.
إنّ سبب تكرار طرح ملفّ تمكين المرأة اللبنانيّة سياسيًّا يعود أوّلًا إلى ضآلة الفرص الحقيقيّة الممنوحة لها للمساهمة في صنع السّياسة الوطنيّة وفي تقرير مستقبل البلاد. فعندما تتغيّب المرأة عن مواقع التأثير وصناعة القرار، يكون ذلك على حسابها الحقوقيّ أوّلًا، وعلى حساب المجتمع بأسره ثانيًا، لأنّ التنوّع في صنع القرار شرطٌ رئيس في تحقيق التنمية الشاملة. وهذا ما يشير إليه كثيرون من المراقبين والناشطين الحقوقيّين النسويّين، حين يذكّرون بأنّ أسباب تهميش المرأة ليست اجتماعيّة وثقافيّة بحتة، بل هي نتاج منظومةٍ سياسيّة اعتادت على توزيع الحصص بين القوى النافذة، متجاهلةً إمكانات النّساء وقدرتهنّ على تولّي الحقائب الوزاريّة والمناصب الأساسيّة، بذريعة العادات والتقاليد أو ضيق الرؤية المجتمعيّة. ارتفاع نسبة التّمثيل هل يكفي؟ هذا العام، يترافق الحديث عن واقع المرأة اللّبنانيّة مع مستجدّات حكوميّة لافتة. ففي الحكومة الجديدة، وهي الحكومة الثامنة والسبعون منذ الاستقلال، بلغ عدد النّساء الوزيرات خمسًا، أي ما يعادل 20% من حجم الحكومة. ورغم أنّ هذه النسبة لا تزال دون المأمول، فهي تمثّل ارتفاعًا نسبيًّا واضحًا مقارنةً بحكوماتٍ سابقة، ولا تتفوّق عليها إلّا حكومة الرئيس السابق حسّان دياب، التي بلغت نسبة النساء فيها 25%. هذا الحضور النسائيّ، وإن بقي محدودًا قياسًا إلى مستوى التحدّيات والحاجة الملحّة لشراكةٍ أوسع في اتخاذ القرار، يُثبت أنّ ثمّة حراكًا قادرًا على إحداث تغييرٍ تدريجيّ في ذهنيّة تشكيل الحكومات وفي تقبّل الرأي العام لأسماء نسائيّة تُسيِّر وزارات أساسيّة. وفي الحكومة الحاليّة، تمّ تعيين خمس وزيرات لتولّي حقائب السياحة، والشباب والرياضة، والتربية، والبيئة، والشؤون الاجتماعيّة. يشكّل هذا الحضور تحدّيًا لا يُستهان به، خصوصًا في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة والأمنيّة الّتي يعاني منها لبنان، والّتي تستلزم معالجاتٍ جذريّة مبنيّةً على رؤية إستراتيجيّة واضحة لا تحتمل المواربة. وربّما تُمثّل هذه فرصةً للنساء لإثبات أنّ مداخل الإصلاح قد تتوسّع بفضل مقارباتٍ ابتكاريّة لم تُعهد سابقًا في إدارة الوزارات التقليديّة. ومن بين هؤلاء الوزيرات، برزت أسماء معروفة بإنجازاتها على الصعيدين الأكاديميّ والعلميّ والإداريّ، كوزيرة السياحة لورا الخازن لحود، التي نشأت في بيئةٍ برلمانيّة وثقافيّة، ووزيرة الشباب والرياضة نورا بيرقدريان، الأستاذة في الجامعة الأمريكيّة في بيروت. تضاف إليهما وزيرة التربية والتعليم العالي ريما كرامي عكّاري، التي تمتلك خبرةً ممتدّة في مجال السياسات التعليميّة والقيادة التربويّة، ووزيرة البيئة تمارا الزين، الأكاديميّة والباحثة في الكيمياء الفيزيائيّة التي شغلت مناصب إداريّة وعلميّة مرموقة، إلى جانب وزيرة الشؤون الاجتماعيّة حنين السيد، الخبيرة في التنمية والحماية الاجتماعيّة، والتي تحظى بخبرة سابقة في البنك الدولي. إنّ وجود هؤلاء النسوة في مراكز قيادة وزاريّة يبعث رسالة واضحة بأنّ المرأة اللبنانيّة تواصل حجز مكانٍ متقدّمٍ في دائرة القرار، بعدما تحمّلت سنواتٍ من الإقصاء أو التهميش أو الاستغلال الشكليّ بوصفه "ديكورًا متقدّمًا" في الحكومات السابقة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التقدّم، لا تزال الأرقام العامّة في لبنان تبرهن على عجزٍ في تفعيل التمثيل النسائيّ. ففي أحدث جلسةٍ حواريّة نظّمتها هيئة الأمم المتّحدة للمرأة في كانون الثاني 2025، عُرضت إحصاءات صادمة: إذ لا تتجاوز نسبة النساء في البرلمان اللبنانيّ 6%، ولا تزيد على 5% في المجالس البلديّة. وهذه الأرقام بعيدةٌ جدًّا عن الحدّ الأدنى المرجعيّ العالميّ المحدَّد بنسبة 30% في هياكل الحوكمة. لذلك، فإنّ الدور الحكوميّ الأخير يمثّل سهمًا موجَّهًا نحو كسر الحلقة المُفرغة، لكنّه لا يكفي وحده لإحداث تغيير بنيويّ يعيد توازن الحضور النسائيّ. المرأة الوزيرة في حديثها إلى "المدن" تُشير وزيرة البيئة في حكومة نواف سلام، تمارا الزين، والّتي شغلت سابقًا منصب الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلميّة في لبنان، إلى التحدّيات والفرص التي تواجهها في الوزارة، وعن دور المرأة في الحياة السياسيّة والقياديّة، ولا سيّما في ظلّ الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد، قائلةً: "إنّ المشكلة ليست في تمكين المرأة بحدّ ذاته، بل في تمكين منظومة القوانين ومفاهيم المواطنة، وعندها يمكن للمرأة أن تحظى بفرصٍ متكافئة في المواقع القياديّة أو أيِّ مجالٍ عامٍّ آخر. ينبغي أن نعيد المشكلة إلى جذرها القانونيّ، فمسألة المساواة هي مسألة حقوقيّة بامتياز…". أما عن العوائق الأبرز أمام النساء الساعيات إلى دخول المعترك السياسيّ، فتؤكد "بكلّ واقعيّة، أقول إنّ العائق الأوّل هو الواقع السياسيّ والحزبيّ في البلد وآليّات المشاركة في الحياة السياسيّة، التي تحتّم نوعًا من القرب من القرار الحزبيّ. أمّا العائق الثاني، فهو إحجام كثير من النساء عن "الطحش" بسبب عوامل عدّة، بالإضافة إلى التنميط الاجتماعي الذي يحصر دور المرأة في مجالات محدّدة ويجعلها تخشى المواقع السياسيّة".
وعن عملها والاستراتيجيات الأبرز لإشراك المجتمع العلميّ والباحثين في رسم سياسات بيئيّة مستدامة، من خلال تجربتها تقول الزين: "توجّهي الأوّل هو إشراك الأطر العلميّة، وتحديدًا تلك التي أثبتت كفاءتها العالية في القطاع العام وفي الجامعات. ثانيًا، لا بدّ من إعادة تنظيم العلاقة مع المنظّمات الدوليّة وتوجيهها نحو الحاجات والأولويّات الوطنيّة، مع الحرص على استدامة العمل في المشاريع التي تُنفَّذ عبر التمويل الدوليّ؛ فالوقت والموارد لا يحتملان الهدر". وتستطرد بالإشارة إلى أبرز الرؤى العلميّة لمواجهة التحديات البيئيّة في لبنان: "أوّلًا، يجب أن يرتكز العمل الوزاريّ والتخطيط على أسسٍ علميّة، وعلى مؤسّسات الدولة وفي طليعتها المجلس الوطني للبحوث العلميّة، الذي يشمل ضمن محاور عمله كثيرًا من التحدّيات البيئيّة والمناخيّة. وبحكم الخبرة العلميّة والإداريّة التي راكمناها، سنعمل على رؤية تركّز على الوقاية والتخفيف بدل التدخّل بعد وقوع المشكلة. وأخيرًا والأهم، لا يمكن حلّ أي مشكلة بيئيّة من دون الارتكاز إلى أسس إداريّة سليمة وجهاز إداريّ وتقنيّ عصريّ يؤمن بمهام القطاع العام في خدمة الصالح العام". أما بما يتعلق بالدور الذي ستلعبه لتغيير النظرة السياسيّة والشعبيّة نحو القضايا البيئيّة الملحّة والّتي تتقاطع حقوقيًّا مع قضايا المرأة، فتقول: "طبعًا هناك مشكلة أساسيّة، وهي أنّ غالبية القضايا التي يظنّها الناس من صلاحيّات الوزارة ليست كذلك، لأنّ كثيرًا من مهام الوزارات الأخرى له أثر بيئيّ، ما يخلق التباسًا في النظرة الشعبيّة إلى عمل وزارة البيئة. على سبيل المثال، من دون القضاء وقوى الأمن لا يمكن تنفيذ أيّ إجراء بحقّ الذين يخرقون القوانين البيئيّة، وهذه مشكلة بنيويّة تحتاج إلى مقاربة سياسيّة شاملة. كذلك، بسبب التراكمات السابقة والفشل في إدارة الملفّات البيئيّة من جهة، ومن جهة أخرى السعي وراء التمويل الدوليّ، بات بعض المجتمع المدنيّ يظنّ أنّه أكبر من الدولة. لذا، لا بدّ من تمحيص الجمعيّات والمبادرات البيئيّة لحماية الجادّين والمناضلين الحقيقيّين من أولئك الذين تحوّلوا مع الوقت إلى باحثين عن التمويل فقط، أو أصحاب أجندات خاصّة يتستّرون تحت شعار العمل البيئيّ. أمّا المعضلة الكبرى في عصر الرقمنة والفضاء المفتوح، فهي أنّ الحكم الشعبيّ على الأداء الوزاريّ بات يقتصر في أحيان كثيرة على الوجود في وسائل التواصل الاجتماعي". وفي ختّام حديثها، وجهت الزين رسالةً إلى الشابّات اللبنانيّات بمناسبة اليوم العالميّ للمرأة والطامحات بالوصول إلى مواقع القرار، قائلةً إنّ "العمل الجادّ والدؤوب، والثقة بالقدرات من دون مبالغة، وإيلاء القلب مكانةً إلى جانب العقل، والأهمّ عدم التخلّي عن الإيمان بالعمل الجماعيّ".


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top