في الثامن من آذار من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة تكريماً لإنجازاتها واعترافاً بمكانتها في المجتمع ونضالها من أجل تحقيق المساواة مع الرجل. هذا العام، دعت الأمم المتحدة للاحتفال بهذا اليوم تحت شعار "الحقوق والمساواة والتمكين لكافة النساء والفتيات"، تتويجاً لعمل دؤوب تقوم به المنظمة الدولية ومنظمات المجتمع المدني، لكن في موازاة الشق العملي فإن تمكين المرأة، تحقق أيضاً عبر أغانٍ طبعت منذ عقود تاريخ هذا النضال وما زالت حاضرة بقوة وعابرة للحدود والفئات العمرية.في العام 1977 اعتمدت الجمعية العامة للامم المتحدة هذا التاريخ رسمياً احتفاء بالمرأة ونضالها الذي بدأ في مطلع القرن العشرين في نيويورك، ولم يتوقف وصولاً الى أوروبا، لا سيما الحركة النسوية خلال الثورة الروسية العام 1917. وفي تشرين الأول 1978، استكملت المغنية الأميركية غلوريا غاينور هذا النضال إنما بشكل غير تقليدي، إدراكاً منها لمدى أهمية الموسيقى وتأثيرها مجتمعياً، وأبصرت النور رائعتها التاريخية "سوف أحيا" (آي ويل سورفايف)، وسرعان ما تحوّلت إلى أنشودة لتحرّر المرأة عبر تأكيد قوتها واستقلاليتها وعدم حصر وجودها بعلاقتها مع الرجل. في فترة لاحقة، أصبحت الأغنية أيضاً تمثل شعاراً للتحرّر بشكل عام من كل ضوابط المجتمع او حتى من المشاكل العملية اليومية.
التأثير الواسع لهذه الأغنية، وهي من نوع الديسكو من كلمات وألحان فريدي بيرين ودينو فيكاريس، لم يتوقف عند صدى كلماتها وشعبيتها، إنما كسر تقاليد مجتمعية أخرى عبر رقصة الديسكو التي حرّرت المرأة من ضرورة الرقص مع شريك وأعطتها مساحة للفرح والحرية والتعبير بجسدها عن كل مشاعرها. رقصة الديسكو، وبدءاً من السبعينات، ساهمت أيضاً في تمكين المرأة ثقافياً واجتماعياً حيث أنها أعطتها الفرصة للرقص بشكل منفرد وبأسلوبها الخاص وهذا نوع من حرية التعبير، لتكسر بذلك التقاليد التي كانت راسخة سابقاً وكانت تتطلب من المرأة أن تظهر رزينة في الأماكن العامة، ومع رقص الديسكو باتت حرة في حركتها، تعبّر عن نفسها بشكل تلقائي من دون ضوابط وبشكل متساو مع الرجل.بكلماتها القوية والمؤثرة، التي تروي قصة امرأة تتحرّر أخيراً من علاقة سامة مع رجل متوجهة إليه بالقول "هل كنت تعتقد أنني سأموت؟ لا ليس أنا، سوف أحيا طالما أنني أعرف كيف أحبّ.. إرحل أخرج من الباب". أدرجت الأغنية عام 2016 في السجل الوطني للتسجيلات الذي بدأت مكتبة الكونغرس إعداده اعتباراً من العام 2002 والذي يضم تسجيلات تركت أثراً مهما ثقافياً أو تاريخياً أو يعرف عن الولايات المتحدة ويعكس طريقة الحياة فيها، ويتطلّب حفظها للأجيال المقبلة كما ورد في موقع السجل الالكتروني، ويضم هذا السجل على سبيل المثال لا الحصر، الخطاب الشهير لمارتن لوثر كينغ "لدي حلم".
بعد 45 عاماً، وفي استعادة للقصة نفسها، أصدرت المغنية والممثلة الأميركية مايلي سايرس في العام 2023 أغنيتها الشهيرة "فلاورز" (الورود) التي أحدثت أيضاً زلزالاً في الساحة الموسيقية متصدرة كل تصنيفات الأغاني، وتقول فيها بعد انفصال أيضاً "بدأت بالبكاء إنما تذكرتُ أنه بامكاني شراء الورود لنفسي، يمكنني أن أحب نفسي بشكل أفضل مما تقدر عليه"، معيدة إلى الأذهان مسيرة تمكين المرأة وكيف استمدّت قوتها واستقلاليتها.في عصر ازدهار مدربي أساليب الحياة، تأتي أغنية بكلمات بسيطة كتبتها سايرس بالتعاون مع غريغوري هاين ومايكل بولاك، لإيصال رسالة بمثل هذه القوة، فقد حملت "فلاورز" شعلة صلابة المرأة باعتراف غلوريا غاينور نفسها التي كتبت في "انستغرام"، في كانون الثاني/يناير2023 مهنئة مايلي سايرس على نجاح أغنيتها "إن اغنيتك الجديدة تحمل شعلة التمكين وتشجع الجميع على إيجاد القوة في أنفسهم من أجل المثابرة والنمو".شعلة تمكين المرأة وجدتْ طريقها أيضاً إلى عالمنا العربي في الموسيقى ولو أنها ما زالت ضمن "القوة الناعمة"، وليست في التشريعات وقوانين الأحوال الشخصية. فمن يراقب جمهور المطرب اللبناني وائل كفوري في الحفلات الموسيقية، لا يمكن أن يفوته مشهد سيدات وفتيات يتمايلن وكأنهن أميرات حالمات، يرددن كلمات كل أغانيه بشغف وفرح لا توازيه إلا مشاعر التمكين المتأتية من كلمات تظهر المرأة وهي سيدة أمرها وصاحبة القرار على عكس الصورة النمطية لمعاناة المرأة من علاقة فاشلة ومدمرة كما هي الحال في أغنيتي غلوريا غاينور ومايلي سايروس. فالمرأة في عالم المغني اللبناني هي محط كل الحب والاهتمام وهي صاحبة القرار وهي "البنت القوية" وهي التي تبت في مسألة الرحيل أو البقاء: "انتي وعم تفلي، ما تبرمي صوبي خايف بهاللحظة يوقع يوقع انا قلبي ... يا ضلي يا روحي تعبت معك روحي" (كلمات منير بوعساف والحان بلال الزين). هي امرأة قوية وجميلة ومتمكنة وهذا ما ينعكس على وجوه الحاضرات في الحفل: هي رسالة أبعد من الغزل والمغالاة في وصف المرأة الجميلة، رسالة تتحدث عن رجل مجروح هذه المرة، "صار الجرح رفيق الروح".
قدرة الموسيقى على تجاوز اللغة والثقافة والزمن تجعلها أداة قوية ونافذة في مسيرة تحرر المرأة وتمكينها التي يحتفى بها في يوم المرأة العالمي. المساواة بين المرأة والرجل أدرجت ضمن القانون الدولي لحقوق الانسان بموجب الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اعتمد العام 1948، ويقول بحسب تعريف الأمم المتحدة إن "جميع البشر يولدون أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق"، وأن "لكل فرد الحق في جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان، من دون تمييز من أي نوع، مثل العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المولد أو أي وضع آخر".