أقرّ الرئيس السوري أحمد الشرع، بوجود "تجاوزات" ارتكبت خلال العمليات العسكرية التي نفذتها القوات الحكومية ضد مجموعات مرتبطة بالنظام المخلوع، في الساحل السوري، متوعداً بمحاسبة كل من "يتجاوز على المدنيين العزُل"، مطالباً في خطاب متلفز بُث في ساعة متأخرة من ليل الجمعة، "القوى" التي انخرطت بالاشتباكات إلى الانصياع لأوامر القيادات، وإخلاء المناطق بغية "ضبط التجاوزات".
وبعد الخطاب، اعتبرت بعض الأصوات السورية إن إقرار الشرع بـ"التجاوزات" ليس كافياً"، مطالبين الحكومة السورية بالمحاسبة والمحاكمات العلنية، لكل المتهمين بارتكاب التجاوزات، وبعضها موثق بالفيديو.
جريمة كاملة الأوصاف
وليس مطلوباً من الإدارة السورية "التنصل" من التجاوزات، وإنما الخروج للحديث وشرح موقفها من ما جرى، كما يرى الكاتب السياسي السوري راتب شعبو.
ويضيف شعبو لـ"المدن"، أنه "لا يجب التقليل من شأن الجرائم أو المجازر التي ارتكبت، ويجب على الإدارة السورية أن لا تبني دولة على أرضية غير نظيفة"، معتبراً أن "ما جرى جريمة كاملة الأوصاف بحق كل سوري وبحق سوريا بالكامل".
وأدان شعبو الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية، اعتداء "فلول النظام"، قائلاً: "نرى في مقتل عناصر الأمن العام بهجوم الفلول خسارة لكل سوريا، لكن في المقابل ما جرى ليس مقارعة الفلول، وإنما استباحة لمكون سوري، وهو يؤسس لخراب سوري لاحق، ولا يُعطي السلطة الغطاء الوطني المطلوب".
في الأثناء، نقلت وكالة الأنباء السورية عن مصدر في وزارة الداخلية السورية تأكيده حصول "انتهاكات فردية"، من قبل "حشود شعبية غير منظمة". وأشار إلى أن السلطات "تعمل على إيقاف هذه التجاوزات التي لا تمثل عموم الشعب السوري"، لكن شعبو، شكك في ذلك، متسائلاً: "كيف يمكن للعلويين أن يثقوا بعد الآن بسلطة دمشق".
تجييش قابله عدم انضباط
ولم تدحض الإدارة السورية المعلومات عن حدوث "تجاوزات" خلال الاشتباكات، لكنها ألقت مسؤوليتها بشكل غير مباشر على "القوى الشعبية" التي ساندت القوات في المعارك ضد "فلول النظام".
وقال مصدر عسكري لـ"المدن"، إن كمية "التجييش" التي بدأت مع ورود الأنباء عن مقتل عناصر الأمن، وأسر مجموعات منهم، خلقت حالة من "عدم الانضباط" ووقعت بعض التجاوزات بدافع تحريضي لكن ليس ضد المدنيين وإنما ضد عناصر فلول النظام، مستدركاً: "لكن هناك تهويل متعمد ومبالغ فيه، لغايات موضوعة مسبقاً".
وتساءل المصدر: "ما هو المطلوب من قوات وحشود شعبية مظلومة تواجه انقلاباً من عناصر تتلقى تعليماتها من النظام وإيران، وتحظى بحماية شعبية". وأضاف أنه "في ريف حلب الشمالي لم تسجل أي حادثة انتهاك أو اعتداء ضد سكان بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين بعد سقوط النظام، رغم أن الأهالي كانوا من أشد الموالين للنظام البائد، ليست قضيتنا ثأرية أو طائفية، وإنما حربنا على كل من يحاول سرقة انتصار الشعب السوري".
تحقيق ومحاسبة
في المقابل، طالب الكاتب أحمد أبازيد، بفتح تحقيق واسع من الدولة بخصوص التجاوزات التي وقعت خارج إطار المواجهة العسكرية ضد مسلحين، ومحاسبة مرتكبيها كما يجب، وقال: "كل ظلم مرفوض، وكل دم حرام مدان سفكه، وهيبة الدولة تحصل بالتصرف كدولة قبل أي شيء، وأول قواعد ذلك الانضباط والقوة المتناسبة".
وأضاف أبازيد لـ"المدن"، "كان لا بد من إجراء رادع بعد الجريمة بحق شهداء الأمن العام، والهجوم المنسق الذي شارك فيه عدة مئات من شبيحة النظام البائد، ولكن كان المطلوب أن يكون إجراءً رادعاً بحق هؤلاء ولا يتجاوزهم إلى مظهر انتقامات عشوائية وفيديوهات شفاء الغليل".
وتابع أبازيد أن "ما حصل فعلياً سيجعل العدالة ومحاسبة المجرمين أصعب وأبعد، ستكون إجراءات الدولة اللاحقة مقيدة وحذرة أكثر بعد انتقادات اليوم، لذلك فإن مطلب وحقّ ملايين السوريين من ضحايا الأسد بالعدالة هو في طليعة المتضررين من هذه الانتقامات العشوائية والانتهاكات التي تشوه مطالبهم إن لم تكن مدخلاً لإنهائها وطيّ صفحتها".
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد أكدت في تقرير أمس الجمعة، تنفيذ عمليات إعدام ميدانية "واسعة" أثناء الحملة العسكرية، وقدرت الشبكة أن "نحو 125 مدنياً قُتلوا جراء الحملة في الساحل السوري"، و"مقتل 100 عنصر من قوات الأمن على يد فلول النظام".