في الخامس من الشهر الجاري نقلت معظم المواقع الروسية عن شبكة CNN نبأ مفاوضات سرية أجراها مسؤلون في الإدارة الأميركية مع الرئيس الأوكراني وفريقه، للتأكيد على أهمية استقرار العلاقات مع البيت الأبيض، إثر الإشكال في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض. ونقل موقع Meduza الروسي المعارض عن الشبكة الأميركية قولها إن ممثلي الإدارة الأميركية دعوا الأوكران لإحياء المفاوضات بشأن صفقة خامات المعادن النادرة بأسرع وقت ممكن "قبل خطاب الرئيس أمام الكونغرس".وفي السادس من الجاري أيضاً نقلت المواقع الروسية عن مصادر مطبوعة Politico إشارتهم إلى أن أربعة ممثلين رفيعي المستوى للإدارة الأميركية أجروا مفاوضات سرية أيضاً مع المعارضة الأوكرانية للرئيس زيلينسكي. ونقلت صحيفة Kommersant الاتحادية الروسية عن المطبوعة الأميركية إشارتها إلى أن المفاوضات السرية جرت مع زعيمة حزب "الوطن" يوليا تيموشنكو وزعيم حزب "التضامن الأوروبي" الرئيس السابق بيتر باراشنكو. وجرى خلال المفاوضات بحث مسألة تنظيم انتخابات رئاسية في أوكرانيا التي يتم تأجيلها بسبب العمليات العسكرية والوضع الحربي. وقالت المطبوعة الأميركية أن يوليا تيموشنكو وبيتر باراشنكو حلفاء دونالد ترامب وأقل تصلباً من زيلينسكي الذي تضاءلت فرص إعادة انتخابه رئيساً بسبب تعب المجتمع الأوكراني من الحرب والفساد.
في يومين متتاليين لم تجد إدارة ترامب غضاضة في عقد مفاوضات سرية مع الرئيس الأوكراني ومعارضيه للحصول على ما عجز ترامب عن إحرازه وجها لوجه مع زيلينسكي "العنيد". وتوجهت "المدن" بعدد من الأسئلة إلى خبيرين أوكرانيين عن هذه المفاوضات "السرية"، وحول قمة الاتحاد الأوروبي الاستثنائية في 6 آذار/مارس الجاري تضامناً مع أوكرانيا بعد الصدام مع ترامب، والرد على تحديات الأمن الأوروبي بعد موقف ترامب من هذه القضية.البوليتولوغ ورئيس مركز التحليل والاستراتيجيات إيغور تشالينكو Igor Chalenko، قال بشأن تسريبات CNN عن مفاوضات سرية أجرتها إدارة ترامب مع زيلينسكي لإقناعه باستعادة العلاقات مع البيت الأبيض، وما إن كان ذلك يعد تراجعاً من جانب ترامب، أم تعبيراً عن صدق سعيه لتحقيق السلام، رأى تشالينكو أن التسريبات تشير إلى أن البيت الأبيض يدرك أهمية الحوار مع أوكرانيا، حتى في ظل استمرار بروز تباينات في المقاربات وصدور كلام مؤذ بحق أوكرانيا. فهو لا يمثل تراجعاً من جانب ترامب، بل على الأرجح محاولة لإيجاد لغة مشتركة بعد اللقاء الصاخب. وبالنسبة لكييف، هذه إشارة إيجابية، لأن أوكرانيا كانت دائما تدعو إلى إقامة علاقات بناءة مع الولايات المتحدة. وإذا كانت هذه الاتصالات تشكل خطوة نحو سماع موقف كييف، فقد تصبح أساساً لمناقشة صادقة للسلام تأخذ في الاعتبار واقع الحرب ومصالح الشعب الأوكراني.
وعن سلوك زيلينسكي في اللقاء مع ترامب بالمكتب البيضاوي، كرر تشالينكو كلام سابقيه من الخبراء والمحللين الأوكران لـ"المدن" بأنه لم يكن لدى زيلينسكي خيار آخر، غير محاولة إيصال موقف كييف بشأن ضرورة السلام العادل والدفاع ضد العدوان الروسي. وأظهر زيلينسكي في اللقاء أنه منفتح على الحوار، لكنه ليس مستعداً للتضحية بالمبادئ من أجل البروتوكول. وبرأيه، هذا ليس فشلاً، بل محاولة لإجراء محادثات صادقة قد تتطلب المزيد من الوقت للتفاهم المتبادل.وبشأن إمكانية استغلال اللقاء الصاخب في البيت الأبيض من قبل المعارضة الأوكرانية لاتهام زيلينسكي بتخريب العلاقات مع الولايات المتحدة، لم ينف تشالينكو محاولة المعارضة اتهام زيلينسكي بالفشل في مهمته، لكنه رأى في هذا الاتهام تبسيطاً غير عادل. وقال إن أطرافاً غير رسمية وإعلامية تقوم بذلك بالفعل، لكن زيلينسكي أعلن أكثر من مرة أنه مستعد للحوار حتى في أصعب الظروف. ورأى أن إشكال البيت البض كان نتيجة اختلاف القراءات، وليس نتيجة رغبة كييف في توتير العلاقات مع الولايات المتحدة. فغالبية الأوكران يعرفون أن زيلينسكي دافع عن مصالحهم، وليس عن مصالحه الخاصة. ويؤكد التفاف غالبية السياسيين من مختلف الجهات حول مؤسسة الرئاسة. وبرأيه، تظهر الخطوات اللاحقة للإدارة الأميركية التي أفصحت عنها CNN بأن واشنطن معنية أيضاً باستعادة الاتصالات.
وعما إذا كانت المساعدات الأوروبية ستكون كافية في حال قطعت الولايات المتحدة مساعداتها بالفعل، رأى أن هذا سيشكل تحدياً كبيراً لأوكرانيا، لكن هذا لايعني أنها ستبقى من دون أي دعم. واعتبر القمة الاستثانية الأخيرة لزعماء الاتحاد الأوروبي التي عقدت في بروكسل الخميس المنصرم في 6 الجاري، "خطوة ضرورية، لكنها غير كافية" لدعم اوكرانيا، في ظل استمرار العدوان الروسي وضبابية السياسة الأميركية في عهد ترامب. أوروبا تسعى إلى تعزيز دورها كحليف موثوق به لأوكرانيا، لكن لا توجد قرارات حقيقية من شأنها أن تثبت هذا التصميم. والبيان الختامي للقمة لم يحظ بتوقيع كل بلدان الاتحاد، إذ لم توقعه هنغاريا. ورأى أن اقتراح رئيسة الوزراء الإيطالية توسيع المادة الخامسة من نظام الناتو لتشمل أوكرانيا من دون ضمها إلى الحلف، كبديل لنشر قوات سلام في أوكرانيا، يبين أن بلورة موقف اوروبي واحد حيال أوكرانيا يتطلب المزيد من الوقت.وعن الشائعات حول مساعي إدارة ترامب لتنشيط الحوار مع المعارضة الأوكرانية، قال إن تنشيط الحوار مع رئيسة وزراء أوكرانيا السابقة يوليا تيموشنكو والرئيس الأوكراني السابق بيتر باراشنكو وحزبه "التضامن الأوروبي" يثير قلقاً جدياً. هذه الخطوات الأميركية يمكن تفسيرها بأنها محاولة لتقويض شرعية السلطة القائمة في كييف برئاسة فلاديمير زيلينسكي، الذي يبقى الشخصية المحورية في التصدي للعدوان الروسي. والحوار مع المعارضة، خصوصاً إذا كان يسعى لتسويق فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة في ظل الحرب، يبدو على أنه تدخل في الشؤون الداخلية لأوكرانيا وإضعاف موقفها على المسرح الدولي. وأشار الرجل إلى أن كلاً من تيموشنكو وباراشنكو، و بعد انتشار نبأ الحوار الأميركي مع المعارضة، أعلنا عن استحالة إجراء الانتخابات في ظل الحرب.مديرة برامج الأمن الدولي في مجلس السياسة الخارجية الأوكرانية "Ukrainian Prisme" حنا شيلتس Hanna Shelest، وفي ردها على ما نشرته Politico عن تواصل الإدارة الأميركية مع المعارضة الأوكرانية، رأت بأن هذا يظهرعدم معرقة إدارة ترامب بالوضع السياسي الداخلي في أوكرانيا. المعارضة الداخلية قوية ومتنوعة، وقد يكون موقفها معارضاً للرئيس زيلينسكي في القضايا الداخلية. لكن ترامب يريد بديلاً لزيلينسكي في القضايا الخارجية المتعلقة بروسيا. وموقف الجميع في أوكرانيا واحد في هذه المسألة، وقد يكون موقف بيتر باراشنكو أكثر تشدداً من موقف زيلينسكي. ومجرد أن انتشر ما أذاعته المطبوعة الأميركية، أعلن كل من باراشنكو ويوليا تيموشنكو في بيانين رسميين بأنهما التقيا فعلاً مع الأميركيين وأبلغوهم باستحالة إجراء انتخابات في ظل الحرب، وذلك لاستحالة توفير الأمن للناخبين ووجود أعداد كبيرة من العسكريين والمواطنين الأوكران في المناطق المحتلة.
وبشأن قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة في بروكسل، قالت حنا بأن القمة الاستثنائية وما دار فيها من نقاشات وخرجت به من قرارات، يظهر بوضوح أن الأوروبيين أخذوا يدركون بشكل متزايد أن الأزمة السياسية الراهنة ليست بسبب أوكرانيا فحسب، بل هي تطال الجميع، وأنه لم يعد بوسعهم الاتكال على الولايات المتحدة. وتأسف لموقف هنغاريا وسلوفاكيا في القمة، وترحب بتشكّل ائتلاف داخل الاتحاد يضم أوكرانيا، وليس كبلد مرشح لعضوية الاتحاد، بل كبلد شريك في رسم سياسات الاتحاد الأوروبي وتوجهاته بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة، وضرورة رفع مستوى الاعتماد على الذات في قضايا الأمن والدفاع.