2025- 03 - 16   |   بحث في الموقع  
logo خلف يزور إمام النبطية ويعاين آثار العدوان logo بالفيديو ـ الدلافين في البحر اللبناني.. أكثر من مجرد مشهد طبيعي! logo طوني فرنجيه في ذكرى كمال جنبلاط: ألف تحيّة لوليد جنبلاط الذي يلعب اليوم دور صمّام الأمان logo يسهّلان أعمال الدعارة... توقيف سوريين على طريق المطار logo البابا يدعو للصلاة من أجل لبنان.. والراعي يطالب بالاستقرار logo مذكرة من الأسمر بإسم الإتحاد العمالي إلى وزير العمل عن حقوق العاملين في القطاعين العام والخاص والعسكريين logo رابطة متعاقدي الاساسي الرسمي: نعلن خيار الاضراب في حال لم يتم إيجاد حلول منصفة للاساتذة logo العثور على ثلاث جثث قرب الحدود السورية
"حُب إيه"لبلال خبيز...بحث عن المعنى في ظلّ الهيمنة الأميركية
2025-03-07 13:55:54


لطالما شعرتُ بأنّني أعرف الولايات المتحدة معرفةً عميقة، رغم أنّني لم أطأ أرضها يوماً. بل وأشعر أحياناً بأنّ معرفتي بها تفوق معرفتي ببلدي لبنان. وممّا لا شك فيه أنّ معرفتي هذه وهميةٌ، وأنّني لو ذهبت يوماً إلى أميركا فسأجدها بلداً غريباً أو ربما حتى أكزوتيكيّاً. لكنّ وهْمَ المعرفةِ هذا يُفصِح عن أمر حقيقي وأساسي، وهو أنّني، مثل كُثر غيري في أنحاء العالم، أعيش شطراً كبيراً من حياتي في ظلّ الثقافة الأميركية. والمقصود بهذا أنّ جزءاً معتبَراً من قيمي وتصوّراتي عن العالم والحياة، وهي قيم وتصوّرات لم أخترها أو أصنعها بنفسي، بل بدأْتُ، منذ طفولتي وفي غفلة منّي، أتشرّبها من مصادر كثيرة منها معلومٌ كالأفلام والمسلسلات والمجلات، ومنها مجهولٌ كما هي حال أغلب المصادر التي نتشرّب منها ثقافة ما... المقصود أنّ جزءاً معتبَراً من قيمي وتصوّراتي إنّما هو غربيٌّ وبالأخص أميركيّ.هذا هو معنى الهيمنة الثقافيّة الأميركيّة: أن يصبح الكثير من سكّان العالم، في ثقافتهم وقيمهم وأنماط عيشهم، سواء أدركوا ذلك أم لا، أميركيين بدرجة أو بأخرى.تجربة مُعاشةفي كتابه "حُب إيه"، الصادر حديثاً عن "دار النهضة العربية"، يسعى الشاعر والكاتب اللبناني المقيم في الولايات المتحدة، بلال خبيز، إلى رصد التغيّرات التي أحدثتها الثقافة الأميركية في قيمنا وأساليب عيشنا وكيفيّة تعقّلنا لأنفسنا وللعالم. يضمّ الكتاب مقالات نُشرت سابقاً في الصحافة، تتناول مواضيعَ متنوّعة، من الكتابة والإعلام والأدب والسينما، إلى الحب ووسائل التواصل الاجتماعي والتقدّم الطبي والتكنولوجي، والعيش في المدن الكبرى... وهي مواضيع لا يُعالجها بلال خبيز بصورة نظريّة أو مجرَّدة وإنّما انطلاقاً من تجربته المُعاشة.رغم هذا التنوّع الكبير في المواضيع، فإنّ مقالات الكتاب تلتقي في أنّها ترسم، مجتمعةً، صورةً للفرد المعاصر الذي يعيش في ظلّ الثقافة الأميركيّة، أكان مقيماً في الولايات المتحدّة أم لم يكن.يكتب بلال خبيز، ربّما بشيء من المبالغة: "أجزم أنّ حياة كلّ واحد من سكّان المدن تشبه حياتي في انعدام تنوّعها ومفاجآتها. التنوّع هو الخطاب الذي لا تكّل المدن عن تكرار معزوفته كلّ صباح. والقاطنون في هذه المدن غالباً ما يتركون خيارات اختبار هذا التنوّع والإبحار فيه للمناسبات الخاصّة: «بعد أسابيع قليلة سيحلّ عيد الميلاد، وفي ليلته سنحاول أنا وبعض الأصدقاء أنّ نجرّب الطعام في مطعم بعيد عن مساراتنا اليوميّة، بعيد عن ثقافاتنا أيضاً. وما إن تنتهي ليلة الميلاد حتّى نعود إلى شؤوننا المتكرّرة كما لو أنّ هذا المكان الذي اكتشفناه للتو لم يوجد أصلاً»".هكذا هو الفرد المعاصر: يعيش في مدينة بالغة التنوّع فيما حياته غارقة في الرتابة. يرتاد المقهى نفسه يوميّاً وفي الساعة عينها، ويتسوّق من السوبرماركت نفسه يوميّاً وفي الساعة عينها، وبالكاد يعرف المدينة التي يقطنها، ذاك أنّه يفتقر إلى الفضول، فيبدو عالمه كلّه "محشوراً في بضع مئات من الأمتار".اختصار الفرد في بطاقة مصرفيةوهذا الفرد لا انتماء حقيقيّاً له، فهو كأنّه معلّق في الهواء. صلاته مع غيره من البشر محصورةٌ عموماً في تلقّي الخدمات المدفوعة وتقديمها. فـ"كلّ سكّان المدن خدم ومتلقّو خدمات في الوقت عينه". لذلك، كما يقول بلال خبيز، يمكن اختصار عالم هذا الفرد في بطاقة ائتمانه المصرفية، فهي ما يُتيح له إقامة صلات خدماتيّة مع سكّان مدينته. بالطبع يقيم هذا الفرد علاقات صداقة وحبّ، لكنّها علاقات محصورة في حيّز ضيّق كمكان العمل أو الحيّ السكني، وبحيث "يتحوّل سكان المدينة إلى شعوب لا تتصل في ما بينها إلّا من طريق تقديم الخدمات وتلقيها".أمّا قيم هذا الفرد، فيصنعها السعي المحموم لجني المال وتلسيعُ كلّ شيء بما في ذلك العلاقات البشرية من جهة، ومن جهة أخرى التقدّم العلمي والتكنولوجي والطبي. والقيم المصنوعة على هذا النحو لا تعود تؤدّي الدور الذي ينبغي أنّ تؤدّيه القيم، ألا وهو إضفاء المعنى على حيواتنا. بل على العكس تماماً، فإنّ تسيّد هذه القيم الأميركية على خيال العالم، يقول بلال خبيز، "هو تسيّد ينحو دائماً إلى طرد كلّ معنى لتصرفاتنا وعيشنا واجتماعنا، وحشره في زاوية التصرفات التلقائية، بحيث لا يمكن أن ينتج بعده أي معنى".ما يميّز مقاربة بلال خبيز هو أنّه لا يذمّ الثقافة الأميركيّة ولا يعترض على هيمنتها التي غيّرت وجه العالم بأسره، بل يتقبّل هذا الواقع بشيء من المرارة، وبوصفه أمراً لا مفرّ لنا من التعايش معه. من هنا يمكن قراءة هذا الكتاب كرثاء لعالم أفل ولا عودة إليه: عالم الحداثة الأوروبية الذي، منذ عصر الأنوار، حمل آمالاً ووعوداً كبرى (بالمساواة والحريّة والوفرة والسعادة...) ظلّت غير مُتحقِّقة. أمّا الثقافة الأميركيّة، فلا يراها بلال خبيز امتداداً للحداثة الأوروبيّة، بل كياناً جديداً مختلفاً تماماً، إذ يقول عن الولايات المتحدة: "في ظنّي أن هذه إمبراطورية شابة جداً، ولم تنتج قيمها كلها بعد، وأن الطريق إلى زوال هيمنتها ما زال طويلاً جداً".أوروبيون في العمقرغم إعلانه أنّ إحدى غايات هذا الكتاب هي تلمّس سبلٍ قد تتيح لنا صناعة معنى ("لا يدعو هذا الكتاب لصناعة ثورة، بقدر ما يدعو لصناعة معنى")، يبدو بلال خبيز، في كثير من الأحيان، متآلفاً مع عالم غارقٍ في اللامعنى. ولعلّ ذلك يتجلّى أكثر ما يتجلّى في المقالة التي خصّصها لميلان كونديرا، والذي يقول عنه إنّه "بين قلّة قليلة [من الكتّاب] حاضر في كل ما أكتبه وكل ما أقرأه". يرى خبيز أنّ فرادة كونديرا تكمن في قدرته على تجريد كلّ شيء وأيّ شيء من المعنى. ففي حين أنّ الكتابة، عموماً، تصنع معنى لكلّ ما يحدث، و"تسعى دائماً لأن تجعل الحياة أعمق، وأكثر جدوى"، فإن ما يفعله كونديرا هو نقيض ذلك: تسطيح الحياة، إذا جاز التعبير، أيّ جعلنا نراها على أنّها حياة وحسب، "تسير على غير هدى نفرضه عليها، ومن غير ضوابط نضعها لها... الحياة تؤكّد لنا كلّ مرّة أنّ القصص التي نرويها والعبر التي نستند إليها ناقصة وغير ذات جدوى، ولا تثبت على محك التجربة".أليس هذا ضرباً من الاحتفاء باللامعنى؟ثمّة أسئلة شائكة لا مفرّ من طرحها ختاماً: هل الخواء واللامعنى المهيمنَين على حيوات كثر من سكّان الأرض، مصدرُهما الأصليّ الثقافةُ الأميركيّة؟ أمّ أنّ مصدرهما هو ذاك المرض الذي شخّصه نيتشه في الحضارة الأوروبيّة، ألا هو العدميّة؟ العدميّة بما هي تهافتٌ للقيم التي كانت تمنح الحياة معنى وهدفاً؟ أليس خواء الثقافة الأميركية الذي يعاينه خبيز، مجرّد امتدادٍ لتلك العدميّة الأوروبيّة؟ أولسنا نحن جميعاً، المتأمركين المنتشرين في أنحاء العالم، أوروبيين في العمق؟ أوروبيين عدميين لا نؤمن بشيء، ولا نعثر على قيم تُعيننا على اجتراح معنى لحيواتنا؟


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top