تختلف قراءات الخبراء الاقتصاديين في مشروع القرار الذي عممته حكومة تسيير الأعمال السورية، حول افتتاح نافذة إسلامية ضمن البنوك التقليدية. فبين من يعتقد أنه قرار إيجابي لكنه لا يشكل أولوية في ظل تعقيدات المشهد الاقتصادي الراهن، هناك من يرى أن القرار ليس مدروساً بما يكفي، نظراً لتأثيراته السلبية والإشكاليات التي قد يتسبب بها وضعه قيد التطبيق، ولأنه ينافي ما صرحت به الحكومة حول توجهها نحو اقتصاد السوق الحر.
وأصدرت رئاسة مجلس الوزراء تعميماً إلى المصارف التقليدية ومصارف التمويل الصغير، يتضمن مشروع قرار يقضي باستحداث نافذة إسلامية فيها، بحسب ما ذكرت صحيفة الحرية (تشرين سابقا) الحكومية.
ولفتت الصحيفة إلى أن التعميم "خطوة إيجابية في أبعادها ومؤداها، نظراً لنمو التعامل المصرفي الإسلامي في أغلب دول العالم، بما فيها الدول الغربية"، كما نقلت عن المدير السابق في المصرف العقاري أنس الفيومي، أن المصرف حاول سابقاً إحداث نافذة إسلامية لكنه واجه صعوبات بيروقراطية في قرارات المصرف المركزي.
مؤشر إيجابي
ويرى الخبير في الاقتصاد الإسلامي يحيى السيد عمر، أن تقديم خدمات مالية ومصرفية إسلامية في المصارف التقليدية السورية، "مؤشر إيجابي"، ومن شأنه زيادة الشريحة المستهدفة بالعمل المصرفي، خصوصاً أن شريحة واسعة من المجتمع السوري تفضل التعامل مع بنوك تعمل وفق النظام الإسلامي، لكنه يعتبر أن هذه الخطوة "ليست أولوية، في ظل وجود قضايا ملحة مثل معالجة قضية السيولة واستعادة ثقة المودعين والمستثمرين".
ويضيف السيد عمر لـ"المدن"، أن هذه الخطوة تعد إيجابية لناحية إتاحة المجال للتعامل مع بنوك إسلامية إقليمية ودولية، كما ستنعكس إيجاباً على فاعلية العمل التمويلي في سوريا، خصوصاً في مجال التمكين الاقتصادي وتأسيس المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر.
لكن ومن جهة أخرى، يؤكد السيد عمر أن التحول الكامل والتام للعمل المصرفي الإسلامي، "قد لا يكون قراراً صائباً"، موضحاً أن هناك شريحة مهمة في سوريا تتعامل مع النظام المصرفي التقليدي، ويقترح أن يتم توفير خدمات مصرفية إسلامية وتقليدية، خصوصاً في حال البدء بإعادة الإعمار ودخول شركات أجنبية لا يمكن إلزامها بالتعامل مع البنوك الإسلامية، حيث تفضل هذه الشركات على الأغلب أن تتعامل مع البنوك التقليدية، لذلك لا بد من توفير كلا النوعين من الخدمات.
إشكاليات ومعوقات
ويعني التحول نحو النظام المصرفي الإسلامي، اللجوء إلى أدوات تشكل تلبية لحالة اجتماعية معينة، مثل المرابحة والمشاركة والمضاربة والاستصناع والإجارة المنتهية بالتمليك والإجارة الطويلة، وينظر المختصون بالاقتصاد الإسلامي إلى العملية المصرفية، كعملية هادفة لتنمية المجتمع، ولا تقتصر غايتها فقط على جمع الأرباح.
ويلاحظ الباحث ومدير منصة "اقتصادي" يونس الكريم، أن طبيعة عمل البنوك الإسلامية تختلف كلياً عن المصارف التقليدية، التي يتمثل عملها بمنح الفائدة من دون التدخل في العمليات التجارية الخاصة بالعملاء. ويؤكد لـ"المدن" أن فتح نافذة إسلامية يعني "تحول المصرف إلى شريك مع العميل".
ويتطلب فتح نوافذ إسلامية، وفقاً للكريم، إحداث تغيرات تشريعية في القوانين الناظمة للعمل المصرفي، كما أن طبيعة رأس المال في البنوك التقليدية، تختلف عن نظيرتها الإسلامية، كما يختلف المودعون في كلا القطاعين، ما "يعقد من مسألة جمع النموذجين ضمن مصرف واحد".
ويتوقع الكريم أن تنخفض نسبة الاستثمارات إذا تم تنفيذ هذا القرار، لأن منح المصارف هامش الدخول في الأعمال الاستثمارية وفق مبدأ المرابحة، يهدد قطاع الاستثمار وسرية المتعاملين مع البنوك، ما "يُعد أمراً بالغ الخطورة على الشبكة المصرفية السورية".
ويلفت الكريم إلى أن تطبيق هذا النموذج الجديد، إضافة لكونه يواجه تعقيدات إدارية وتنظيمية من قبيل عدم وجود كوادر مهيئة للنشاط المصرفي الإسلامي المعقد، فإنه قد يشكل فسحة لهروب البنوك التقليدية نحو نظيرتها الإسلامية وانخراطها في تهريب الأموال والدخول في صفقات غير مشروعة، موضحاً أن القرار "قد يكون مغالطة كبيرة يصعب تنفيذها بالشكل المطروح".