كشف شبكة الفساد المالي المتعلقة بحوافز الأساتذة (جميع أساتذة المدارس والمهنيات والجامعة اللبنانية) باتت في عهدة وزيرة التربية الجديدة ريما كرامي. صحيح أن الإقدام على كشف المستور سيفتح أمامها أبواباً مغلقة (ستعمل شبكة الفساد على تقليب الأساتذة على الوزارة هرباً من أن يطالها العقاب) إلا أن لا عهد إصلاحياً، كما يأمل اللبنانيون، من دون خطوة جريئة من الوزيرة.الحلبي رفض التعاونالموضوع في عهدتها لأن مصادر رفيعة أكدت لـ"المدن" أن التفتيش المركزي ارسل كتباً إلى كرامي لاستئناف تحقيقات مالية إدارية في الوزارة، حول صرف الأموال العمومية خلافاً للأصول. يتعلق الأمر بما سبق وكشفت عنه "المدن" مؤخراً حول وجود إدارة موازية لإدارة الدولة تنفق أموال الحوافز المخصصة للأساتذة. إدارة مؤلفة من مدير عام التربية بالإنابة السابق عماد الأشقر ومستشارته جورجيا الهاشم وموظفين آخرين لديهم عقود مع الوزارة على حساب الدول المانحة، وأحد مستشاري الوزير السابق عباس الحلبي، وذلك وسط تهميش كامل لدائرة المحاسبة في الوزارة المخولة وحيدة الإشراف على هذه الأموال ومراقبة إنفاقها.وتشير مصادر "المدن" إلى أن التفتيش المالي سبق وطلب من وزير التربية عباس الحلبي مستندات لفتح تحقيق حول كيفية صرف الأموال منذ أكثر من سنة. لكن الحلبي رفض التعاون. رد على التفتيش حينها بذريعة قانونية أن الأموال التي ينفقها على الحوافز غير عمومية لأنها عبارة عن هبات من الدول المانحة، وبالتالي لا يحق للتفتيش فتح أي تحقيق فيها. رد الحلبي يثير الشبهات لأنه، في الدرجة الأولى قاضٍ، بينما كل الاستشارات الصادرة عن هيئة التشريع والاستشارات تفيد أن الأمول مهما كان مصدرها عندما تنفق على موظفي القطاع العام تصبح بمثابة أموال عمومية وتخضع لقانون المحاسبة العمومية. أخذ التفتيش حينها رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل وكان الجواب البديهي أن الأموال التي يقدمها المانحون هي أموال عمومية. بلغ التفتيش الحلبي لكنه عاد وماطل ولم يفرج عن المستندات المطلوبة بذرائع شتى ولم يتمكن التفتيش من الاستمرار بالتحقيق. هذا رغم أنه كان على التفتيش مراسلة مجلس الوزراء حول هذه القضية وارغام الوزير على اخضاع هذه الأموال للأجهزة الرقابية المختصة.المماطلة التي أقدم عليها الحلبي غير مبررة في الأساس لأن حوافز الأساتذة في العام الدراسي الماضي كانت عبارة عن سلفة خزينة صدرت بمرسوم حصلت بموجبه الوزارة على سلفة بقيمة 150 مليون دولار بتاريخ 17/8/2023 لدفع حوافز مالية لأفراد الهيئة التعليمية. كما إن نص المرسوم كان واضحاً لناحية عملية مراقبة تنفيذ السلفة من الجهات المالية والادارية المحددة، والتي كانت تستوجب تسليم الملف لدائرة المحاسبة وكف يد اللجنة الموازية. يثير ذلك علامات استفهام حول الجهات المستفيدة من هذه الأموال لناحية انفاقها من خارج الأصول القانونية.التحقيق بالمدرسة قبل الوزارةبعد انفضاح أمر هذه الإدارة الموازية في الإعلام كان ينتظر مبادرة الوزيرة كرامي إلى مراسلة التفتيش لفتح تحقيق. وهذا لم يحصل. بل تبين أن التفتيش المركزي أرسل كتباً إلى كرامي لاستئناف التحقيق المالي والإداري الذي رفض الحلبي فتحه. وحالياً ينتظر التفتيش رد كرامي لأن مصير كشف الفساد في وزارتها بعهدتها. والأنظار موجهة إليها لفتح الخزائن أمام التفتيش، الذي يعاني بكل الأحوال من نقص في المفتشين.قبل بدء صرف الحوافز من سلفة الخزينة، استخدمت الوزارة ذريعة إنفاق الأموال من الجهات المانحة التي تفرض شروطها على الإنفاق. علماً أن الوزارة غير ملزمة عملاً بأن الأموال عمومية. لكن الوزارة تواطأت مع الجهات المانحة التي كرست لجان باتت بمثابة إدارات موازية، تحت ذريعة الشفافية والحوكمة، وأدت إلى فساد من نوع آخر.كان ينتظر من وزيرة التربية استدعاء التفتيش لا انتظار كتب منه. فقضية الحوافز ليست ملفاً بسيطاً ولا يقتصر الفساد فيه على أمور إدارية ومن هي الجهة المخولة بمراقبة آلية الإنفاق. بل يمتد الفساد فيه من المدرسة، كأصغر وحدة، مروراً بالمنطقة التربوية، وصولاً إلى إدارات وزارة التربية نفسها. ومن أبسط الأمور التي تلفت إليها مصادر مطلعة أنه بإمكان المدير والأستاذ الاتفاق (لا سيما المتعاقدين) على تسجيل دوامات غير منفذة: يسجل المدير عشر ساعات لأستاذ يعلم خمس ساعات ويتقاسمان الساعات الخمسة المتبقية. فلا آلية للتحقق المباشر في وزارة التربية لأن المدرسة هي التي تمتلك المعلومات ودور الوزارة يقتصر على القراءة والاطلاع. وإذا لم يجر تحقيق للمقارنة بين العقود والساعات المنصوص عنها وتلك التي تنفذ لا يمكن معرفة أي شيء عن الموضوع.وتضيف المصادر أن التحقيق في الحوافز يؤدي عملياً إلى وقفها عن الأساتذة إلى حين انتهاء التحقيق وحينها يقدم الأساتذة على الإضراب. وبالتالي وزير التربية أمام نارين. نار اقتلاع الفساد وإصلاح الإدارة ونار تهديد العام الدراسي. فهل تفتح كرامي خزائن الوزارة وتبدأ العهد الإصلاحي؟