تسعى روسيا للحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا، في مقابل صفقة تشمل تقدّم موسكو بموجبها مليارات الدولارات على شكل أموال واستثمارات في عدد من القطاعات السورية، إلى جانب اعتذار محتمل عن قصفها للمدنيين السوري، حسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
التردّد الأميركي
وتجد موسكو اليوم فرصة لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي بعد انهيار نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وبطبيعة الحال، الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا، عبر تعزيز علاقاتها مع الحكومة الجديدة في دمشق.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة، قولها إن الزيارة التي أجراها مبعوث الرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى دمشق، في كانون الثاني/يناير الماضي، كان هدفها التفاوض حول مستقبل القاعدة الجوية في حميميم، والقاعدة البحرية في طرطوس، لكن المحادثات سرعان ما توسعت لتشمل علاقات اقتصادية أوسع.
ورأت الصحيفة أن التردد الأميركي حيال سوريا، "يمنح روسيا مساحة للمناورة"، كما أن تأخر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في حسم موقفها تجاه الحكومة الجديدة في دمشق، دفع حلفاء واشنطن الإقليميين إلى تأخير تقديم الدعم المالي الذي كانوا يعتزمون منحه لدمشق.
ونقلت عن مسؤولين سوريين وأوروبيين، قولهم إن هذه الدول تنتظر حتى تقدم الدعم المالي، "وضوح الموقف من واشنطن في شأن ما إذا كانت العقوبات الأميركية المفروضة على الجهاديين السابقين الذين باتوا في السلطة".
أموال مطبوعة بروسيا
وأشارت إلى أن إحدى العلامات الملموسة على تحسّن العلاقات بين موسكو ودمشق، هي تسليم روسيا ما يعادل 23 مليون دولار، من العملة السورية المطبوعة في موسكو، إلى المصرف المركزي السوري.
وقال مسؤولون أوروبيون وسوريون للصحيفة، إن موسكو طبعت الأوراق النقدية لدعم الاقتصاد السوري، الذي يعاني من نقص في السيولة، وذلك في وقت رفضت معظم الدول الأخرى ذلك، خوفاً من العقوبات، في خطوة تهدف إلى تعزيز نفوذها وسط الأزمة الاقتصادية في البلاد.
استثمارات روسية
وخلال المفاوضات السرية للحفاظ القواعد الروسية في سوريا، توسّعت المحادثات لتشمل مروحة واسعة من القضايا، شملت استثمار مليارات الدولارات في حقول الغاز والموانئ، واعتذار محتمل من موسكو عن دورها في قصف المدنيين.
إلى جانب ذلك، طلبت السلطات السورية الجديدة تسليم الأسد، إلا أن الجانب الروسي رفض مناقشة الطلب، كما كشفت مصادر الصحيفة عن سعي المفاوضين السوريين إلى استعادة الأموال التي حولها نظام الأسد إلى موسكو.
وامتلكت روسيا استثمارات كبيرة في قطاعي النفط والغاز خلال حكم النظام البائد، وتسعى الآن إلى استعادة تلك الامتيازات من خلال مشاريع تشمل تطوير ميناء طرطوس، واستغلال حقول الغاز والفوسفات، وبناء مصنع للأسمدة في حمص.
وأكدت المصادر أن مناقشة شروط الاتفاقيات التي وُقّعت بين روسيا وسوريا، في عهد الأسد المخلوع، مطلب أساسي للحكومة السورية الجديدة.
التقارب السياسي
واكتسب التقارب السياسي زخماً بعد اتصال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، جرى خلاله مناقشة العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية، بما في ذلك استعداد روسيا لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا، قبل أن ترسل موسكو بعدها بأيام، طائرة تحمل أوراقاً نقدية سورية مطبوعة في روسيا.
كما وجه بوتين دعوة إلى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، لزيارة موسكو، ما يعكس رغبة روسيا في إعادة ترتيب علاقتها مع الحكومة السورية الجديدة وفق شروط جديدة.
وتسعى الحكومة السورية إلى تنويع شركائها وتحالفاتها الدولية خارج تركيا، فيما تُبدي اهتماماً أكبر بتطوير علاقاتها مع روسيا، ربما لموازنة النفوذ التركي والإيراني في المنطقة.
وأكد مسؤول سوري مطلع على المفاوضات مع موسكو أنه "رغم فظائع روسيا في القصف على المدن السورية، وإمداد النظام السابق بالسلاح، فإن السوريين يريدون فتح صفحة جديدة".