بدأ العد العكسي لاختيار حاكم لمصرف لبنان، وملء المنصب الشاغر منذ نهاية شهر تموز من العام 2023 حين انتهت ولاية الحاكم السابق رياض سلامة وتولى نائبه الأول وسيم منصوري مهام الحاكم بالإنابة. تتعدّد الأسماء التي يتم التداول بها في الكواليس، وإن لم يتم طرح بعض الأسماء رسمياً لتولّي المنصب إلا أن لكلّ منها داعمين من داخل أو خارج السلطة.
يكتسب منصب حاكم مصرف لبنان أهمية بالغة في المرحلة الراهنة التي تستلزم لعب دور شفاف من مصرف لبنان لقيادة ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي والمساهمة في الإصلاحات الاقتصادية والمالية ولكن تبقى المهمتان الأكثر دقّة وحساسية على المستوى الداخلي "حل أزمة الودائع" وعلى المستوى الخارجي "تتبّع أموال إعادة الإعمار".
ولا شك ان اختيار إسم حاكم مصرف لبنان يستند بالدرجة الأولى على خبرته الواسعة في المجال النقدي والمالي ولكن يبقى للضغوط المحلية وربما الخارجية تأثيراً كبيراً على القرار المرتقب. من هنا يتعاظم القلق بين المودعين، من هوية الأسماء المطروحة لمنصب حاكم المركزي وما إن كانت تخفي علاقات تشاركية مع القطاع المصرفي الذي يسعى بدوره إلى تحميل المودعين والدولة وِزر الأزمة ومجمل الخسائر.
فمنذ أكثر من عام ونصف العام (31 تموز 2023) حين انتهت ولاية سلامة واستلم منصوري مهام الحاكمية، سعت المصارف لتطويع الأخير لتمرير مرحلة توليه المنصب بأقل ضغوط ممكنة وهو ما نجحت به إلى حد كبير. ومذ ذاك الحين تفرّغت كبرى المصارف للعمل على تزكية أسماء وتشويه أخرى لضمان وصول أحد أذرعها إلى كرسي الحاكمية.
اليوم بعد نيل الحكومة الثقة باتت مسألة البت بإسم حاكم مصرف لبنان قريبة وقد أكد وزير المال ياسين جابر بأن اختيار الحاكم سيتم قبل نهاية شهر آذار الجاري. ما يجعل من الأسماء المتداولة جميعها تحت المجهر إلى حين اختيار حاكم جديد للبنك المركزي. فمن هي تلك الأسماء وماذا يدور في كواليس التعيين؟
أسماء وعلاقات
تتداول تقارير محلية وعربية بالعديد من الأسماء المؤهلة لتولي منصب حاكم مصرف لبنان، لكن لم يتم حسم أي منها كما تم استبعاد بعض الأسماء كلّياً بحسب معلومات "المدن" من بينها إسم فراس بو ناصيف وهو عضو مجلس إدارة في "كلّنا إرادة"، متخصّص في مجال الإتصالات وقد سجّل العديد من الاختراعات في هذا المجال ولديه خبرة واسعة في مجال صناديق التحوّط والخدمات المصرفية الاستثمارية. وقد تم استبعاد اسمه كلّياً بسبب ارتباطه بصلة عائلية برئيس الحكومة نواف سلام.
وزير المال الأسبق جهاد أزعور وهو أحد الأسماء التي تم طرحها لرئاسة الجمهورية، يجري اليوم التداول بها لتولّي حاكمية مصرف لبنان ويشغل حالياً منصب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وكان قد طُرح اسمه مؤخراً لرئاسة الجمهورية.
وزير العمل الأسبق كميل ابو سليمان المقرّب من القوات اللبنانية وهو أحد أبرز المحامين في مجالي الأسواق الناشئة والأسواق المالية العالمية.
وزير الاقتصاد الأسبق منصور بطيش المقرّب من التيار الوطني الحر وهو مصرفي منذ العام 1974 وفي طور العودة كمدير عام تنفيذي في فرنسبك.
ويجزم لـ"المدن" أنه "غير معني بكل ما يتم التداول به بموضوع تعيين حاكم لمصرف لبنان".
سمير عساف المصرفي اللبناني الفرنسي له خبرة طويلة بالعمل المصرفي بالإضافة إلى توليه منصب عضو المجلس الاستشاري لصندوق النقد الدولي منذ عام 2012. وكان قد طُرح اسمه عام 2020 من قبل صديقيه الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لتولي منصب حاكم مصرف لبنان كما طُرح اسمه لرئاسة الجمهورية مؤخراً. أما اليوم وبحسب معلومات المدن فإن عساف "أبلغ جميع المعنيين أنه غير مرشح لحاكمية المركزي، وهو مستعد لكل مساعدة من خارج الإطار الوظيفي".
المحامي كارلوس بو جودة المقرّب من التيار الوطني الحر، مؤسس شركة أبو جودة للمحاماة وشريكها الإداري وهو الوكيل القانوني لبنك البحر المتوسط (Bank med).
كريم سعيد وهو شقيق النائب السابق فارس سعيد له مسيرة طويلة بالعمل المصرفي في مؤسسات مصرفية دولية وعربية وهو عضو مجلس إدارة في بنك الإمارات ولبنان الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارته فاروج نيركيزيان المستشار المالي لرئيس الجمهورية جوزاف عون.
كما أن كريم سعيد مؤسس وشريك إداري في شركة Growthgate Capital العاملة في الإمارات والتي يشغل فيها نيركيزيان منصب عضو مجلس إدارة إلى جانب ماهر نجيب ميقاتي.ويؤخذ على سعيد أنه كان "عرّاب خطة هارفارد". فالشركة التي يشغل فيها سعيد منصب رئيس مجلس إدارة Growthgate Capital كانت قد موّلت وضع خطة لحل الأزمة الاقتصادية في لبنان. وقد لاقت الخطة المذكورة اعتراضات واسعة من المودعين باعتبارها تدعو لتحويل الودائع إلى ديون على الدولة بشكل كامل وهو ما لاقى تأييدا ًواستحساناً منقطع النظير من قبل جمعية المصارف اللبنانية. كما تتبنّى دراسة هارفارد في جزئها الأول "الدَّولرة الرسمية الشاملة" وتعتبرها حلًا جذرياً لأزمة لبنان، وفي جزئها الثاني تطرح الدراسة حلا لأزمة المَصارِف عبر إخراجها كلّياً من عملية توزيع الخسائر وتضع بالتالي المودعين في مواجهة مع الدولة. وليس معلوماً مدى تبني سعيد لهذه الخطة.
النزاهة توازي الكفاءة
لا شك ان كفاءة كل مَن ذكر من الاسماء أعلاه عالية، وقد يرسي منصب حاكم مصرف لبنان على أي منها، ولكن يبقى الأهم برأي عدد من الخبراء ليس كيفية إدارة البنك المركزي وصوغ السياسة النقدية فحسب إنما فتح باب المحاسبة وكشف الملفات التي حجبها مصرف لبنان عن القضاء على مدار سنوات في ملفات كثيرة ومنها مشبوهة كملف شركة فوري وأوبتيموم والهندسات المالية وأموال الدعم والتحويلات وتبييض الأموال واستغلال المال العام عبر مصرف لبنان وغير ذلك.
والأهم من ذلك يولي الجميع مسألة اختيار إسم لتولي منصب حاكم مصرف لبنان أهمية قصوى لكون تعيينه يتم اليوم تحت المجهر الدولي على غرار باقي التعيينات وما يستتبعها من إصلاحات قضائية واقتصادية ومالية، فالحاكم سيكون الشريك الأساس في القرار الاقتصادي وله التاثير المباشر على كيفية صوغ الحلول لاسيما للأزمة المصرفية وما يتفرّع منها من أزمة إعادة الودائع وتوزيع المسؤوليات.
