لم يكن مفاجئاً لكثيرين، ممن يعرفون عن قرب حزب "اللواء" في السويداء، دعوته للرئيس السوري أحمد الشرع، إلى التطبيع مع إسرائيل، ومنح الفيدرالية للجنوب السوري، في تناغم واضح مع الرغبة الإسرائيلية الشديدة بتقسيم البلاد، وشرذمتها إلى "كانتونات"، تبقيها مفكّكة مهلهلة ضعيفة، عند حدودها الشمالية.
ولم يرَ هؤلاء أن دعوة الحزب صادمة أو غير متوقعة، لأن الحزب، المجهول بنشأته ومصدر دعمه، أثبت شكوكهم بارتباطه بإسرائيل، مع بداية الحرب الإسرائيلية على لبنان. وما دعوته اليوم للشرع، إلا "مجاهرة بالعمالة لإسرائيل"، وتمهيداً لأن تكون ذراع الحزب العسكرية، نموذجاً لميلشيا أنطوان لحد اللبنانية، لكن في الجنوب السوري.
دعوة للتطبيع
لا شك، أنه في مقابل الأصوات القليلة المرحّبة بتصريحات نتنياهو عن التزام تل أبيب بحماية الدروز في السويداء، توجد أصوات أكبر بكثير، وهي النسبة العظمى، رافضة، وترفض كذلك تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر ،عن تقسيم سوريا إلى فيدراليات. وعلى الرغم من قلة تلك الأصوات المؤيدة، لكنها لم تجاهر يوماً بالدعوة للفيدرالية وللتطبيع مع إسرائيل، كما فعلها حزب اللواء.
ويقول الحزب في بيان دعوته، إنه "لا بد من طرح الحلول العقلانية البعيدة عن العواطف، التي تساهم في فرض السلام وإبعاد السوريين عن الحرب، وذلك من خلال قيام حكومة دمشق، بطرح مبادرة للسلام مع إسرائيل وفق خطوات تشمل سيادة واحترام كلا البلدين وتضمن عدم حصول أي تصعيد في المرحلة المقبلة".
وأكد ضرورة أن يطرح الشرع "أسلوب الحكم الفيدرالي، شكلاً قادماُ لإدارة الحكم في سوريا"، زاعماً أن "الحل الفيدرالي ليس شكلاً من أشكال التقسيم"، وأن الحزب مع وحدة الأراضي السورية.
وأشار الحزب في نص بيانه، إلى أنه يقف بصف الزعيم الروحي للدروز الشيخ حكمت الهجري، أمام "الهجوم" الذي يتعرض له من قبل من يختلفون معه بالرأي السياسي، ملمّحاً بذلك إلى أن الهجري مع الفيدرالية ومع التطبيع مع إسرائيل.
حزب تدعمه إسرائيل
تشكّل حزب "اللواء" في السويداء، في تموز/يوليو 2021، وعرّف عنه نفسه حينها، بأنه حزب سياسي مدني علماني، معارض لنظام الأسد، ويقوده الصحافي مالك أبو خير، المقيم في فرنسا، والمنحدر من مدينة السويداء. ولاحقاً، أسس الحزب ذراعاً عسكرية داخل السويداء، حملت اسم "قوة مكافحة الإرهاب" داخل المحافظة، تضم عدداً قليلاً من المسلحين، بقيادة سامر الحكيم، واتخذ من قرية خازمة في ريف السويداء الشرقي، مقراً لها، عند الحدود مع الأردن.
وتقول 3 مصادر أحدهم مقرب من حزب "اللواء"، لـ"المدن"، إن الحزب منذ نشأته، حاول التغلغل في المجتمع الدرزي، عبر تشكيل جمعيات مدنية لتقديم مشاريع إنسانية لأهل السويداء، مؤكدين أن تلك المشاريع كانت "خُلبية"، وبرز فيها الفساد لصالح أشخاص معدودين، مقربين من أبو خير، وهو ما قاد إلى نبذ ورفض الحزب شعبياً، قبل أن يبدأ، عدا عن كونه مشروعاً لصالح أجندات خارجية كانت مجهولة حينها، ما أدى في المحصلة إلى نبّذه.
وتضيف أن الحزب ترك معارضة نظام الأسد، وركّز في أنشطته المخفية، على جمع المعلومات عن مواقع الوجود الإيراني وحزب الله اللبناني في جنوب سوريا، والأشخاص المتعاملين معهما، لجهات خارجية هي إما إسرائيل أو التحالف الدولي في قاعدة التنف، مؤكدين أنه حاول تضخيم الوجود الإيراني في السويداء، لدرجة تنافي الواقع على الأرض بأشواط. وأشاروا إلى أن بعضاً من تلك المواقع تعرضت لغارات إسرائيلية.
وتؤكد المصادر أن أنشطته المناهضة لإيران وحزب الله، ومحاولته خلق كيان عسكري مدعوم من إسرائيل، قاد في النهاية إلى نهاية ذراعه العسكري في قرية خازمة، من خلال حملة عسكرية لقوات النظام السوري، شاركت فيها فصائل محلية من أبناء السويداء في منتصف العام 2022. وخلال الحملة، طالب الحزب عناصره بالمقاومة، وأن طائرات التحالف الدولي ستأتي للمؤازرة، لكن المعركة انتهت بمقتل الحكيم وعنصر آخر، وأسر 7 آخرين تم الإفراج عنهم بعد 7 أشهر، بوساطة من "حركة رجال الكرامة"، مع النظام المخلوع.
ناطق باسم إسرائيل
انتهى الوجود العسكري العلني للذراع العسكرية للحزب، بعد هجوم خازمة، لكنها عادت للظهور بشكل خجول، بعد الحملة من الفصائل المحلية على مجموعات تهريب المخدرات في السويداء في 2022، حيث ادعت" قوة مكافحة الإرهاب" بأنها شاركت بالحملة الشعبية التي قادتها حركة رجال الكرامة.
ومع انطلاقة انتفاضة السويداء الشعبية ضد نظام الأسد في أب/أغسطس 2023، حاول الحزب عبر مجموعة من الأشخاص، التطفل على ساحة الكرامة بشعارات تدعو إلى المطالبة بالإدارة الذاتية، على غرار قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لكن نشطاء الساحة نبذوهم، ودخلوا في صراعات معهم، لأن شعاراتهم تتنافى مع مطالب حراك السويداء، الداعي لحل سياسي يؤكد على وحدة البلاد، ويضمن رحيل الأسد، لكن ذلك، قاد في النهاية إلى إضعاف الحراك، وانقسام الساحة.
وأبرز الملامح النظرية على ارتباط الحزب بإسرائيل، قبل سقوط الأسد، هو تحول حساباته الإخبارية الكثيرة على منصات التواصل الاجتماعي، بأسماء مختلفة، إلى حسابات إسرائيلية ناطقة بالعربية، تمجّد ما يقوم الجيش الإسرائيلي من مجازر في لبنان، إبان الحرب الأخيرة على البلاد.
وتؤكد المصادر أن للحزب اجتماعات جرت مع ضابط درزي في الجيش الإسرائيلي، بدول مختلفة، كما أكدوا على أنه على تنسيق دائم مع قوات سوريا الديمقراطية.
العلاقة مع الهجري
بعد سقوط نظام الأسد، برزت ذراع الحزب العسكرية على ساحة السويداء، وشكلت تحالفاً عسكرياً مع فصائل حديثة الظهور، تدين بالولاء للشيخ الهجري، في كل ما يقرره للعلاقة مع الإدارة السورية الجديدة. كما تؤكد المصادر أن الذراع اشترت أسلحة مسروقة من ثكنات النظام المخلوع، عن طريق تجار من درعا وريف دمشق، في محاولة لفرض نفسها عسكرياً، في خضم الواقع السوري الجديد.
والغريب، هي تلك العلاقة الحديثة مع الشيخ الهجري، حتى أصبح أحد أعضاء الذراع العسكرية، من رواد مضافة الهجري حديثاً، وهو ما ساهم في خفض أسهم الهجري، بسبب الكره الشديد المسبق للحزب وذراعه العسكرية، وأفعالهم في السويداء، ولأسباب أخرى.
ووصف تلك العلاقة بـ"الغريبة"، هي أقل ما يقال، لأن الهجري كان أحد المباركين، أو من غاضي البصر، عن حملة النظام ضد قوة مكافحة الإرهاب في 2022، كما لم يمنع أياً من الفصائل المحلية من المشاركة فيها، لكن المصادر تشير إلى أن التفاف الجانبين حول بعضمها، ربما يكون لأن الهدف مشترك، "التطبيع مع إسرائيل"، و"الفيدرالية".