لا يزال الخلاف بين نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة وجمعية شركات التأمين على حاله من دون التوصل إلى أي اتفاق، وهو ما سيكون له انعكاسات كبيرة على المرضى بالدرجة الأولى. وبعد مرور أكثر من شهرين تقريباً على إرسال نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان كتاباً إلى جمعية شركات التأمين لمطالبتها برفع التغطية ما يقارب 15 في المئة، نظير الخدمات على الفاتورة الاستشفائية، بسبب ارتفاع تكاليف الاستشفاء، تصر جمعية شركات التأمين على رفض المطالب متمسّكة بالتسعيرة التي وضعتها وزارة الصحة.
الخلاف حول زيادة التكاليف المالية بين نقابة المستشفيات وشركات التأمين، يعود إلى قرار اتخذته نقابة المستشفيات رأت بموجبه أن الأسعار الإستشفائية المعمول بها، لا تناسب التكلفة الحقيقية للعلاج، وبالتالي طالبت بزيادة 15 في المئة على الخدمات في الفاتورة الاستشفائية من جهة، ومن جهة ثانية لتقديم خدمات بجودة أفضل. والسؤال اليوم مع استمرار الخلاف من سيتحمّل فارق التكاليف المختلف عليها بين المستشفيات وشركات التأمين؟
لبنان الأغلى صحياً
يعد لبنان واحداً من أغلى الدول في المنطقة فيما يخص القطاع الاستشفائي والطبي، بحسب تقرير Numbeo المتخصص برصد الأرقام والتكاليف. وقد تبين بأن التكلفة الصحية في لبنان من ضمن المعدلات الأعلى في المنطقة، والتي تتخطى حاجز 75 نقطة من أصل 100 نقطة، وهي الأعلى على درجات الاستشفاء.
بعد الأزمة الاقتصادية، وانهيار قيمة العملة، بات خيار الاستشفاء صعباً أن لم يكن مستحيلاً على فئات عديدة من المجتمع اللبناني. وتقول وداد جبور (45 عاماً) لـ"المدن": بعد انهيار الاقتصاد عام 2019، وغياب أي خطط للتغطية الصحية، اتجهت نحو شركات التأمين التي تكبدها سنوياً مبلغاً مالياً ضخماً يصل إلى 1500 دولار، للحصول على الخدمات الطبية. وتضيف جبور أنها منذ ما يقارب الشهرين تقريباً، اضطرت إلى إجراء عملية جراحية بسيطة، لكنها تفاجأت بضرورة تسديد مبلغ مالي قبيل خروجها، على الرغم من أن تأمينها يساعدها في تسديد تكاليف العملية الجراحية بشكل كاملة.
جبور، وغيرها من المرضى، يسددون وإن بشكل غير مباشر فاتورتين للحصول على العلاج في لبنان، الأولى لصالح شركات التأمين والثانية للمستشفيات وهي عبارة عن فروقات يتم تحميلها للمريض.
ويقول نقيب المستشفيات الخاصة الدكتور سليمان هارون إن قرار الزيادة، يأتي في إطار سياسة تصحيحية لمستوى الأسعار، خصوصاً وأن المستشفيات تكبدت خسائر، بعد الأزمة عام 2019. ويرى هارون، بأن قيمة التعرفة الطبية لا تزال منخفضة مقارنة مع ما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية، وبعد مرور 5 سنوات، لا تزال التعرفة منخفضة بنسب تصل إلى نحو 30 و40 في المئة، بالمقابل، بدأت أسعار الكلفة تأخد منحاً تصاعدياً، وبالتالي عند مقارنة أسعار الكلفة وثمن المستلزمات الطبية وغيرها، مع قيمة التعرفة، يلاحظ وجود فجوة، وهو ما دفع المستشفيات، بحسب هارون، الى البحث في كيفية إجراء التصحيح وزيادة نسبة التعرفة عند حدود 15 في المئة.
رفض شركات التأمين
يرفض نقيب شركات التأمين أسعد ميرزا، أن تتحمل شركات التأمين أي زيادة، ويقول لـ"المدن": لم يتوصل الطرفان، أي نقابة المستشفيات، وشركات التأمين إلى حل بشأن الزيادة المطروحة. ويضيف: حاولت الشركات خلال الاجتماع مع نقيب أصحاب المستشفيات التوصل إلى مخرج، يقوم على أساس تقسيم الزيادة 15 في المائة إلى ثلاث دفعات، على اعتبار أنه من غير المقبول أن تتحمل شركات التأمين هذه الزيادات، التي لا علاقة لها بها. وطالب الشركات بحسب ميرزا، من نقيب المستشفيات العمل على ضبط أسعار المستلزمات الطبية، وضبط أسعار الاطباء الذين يعملون في المستشفيات الخاصة لأجل تخفيف سعر الاستشفاء.
ويعزو ميرزا، رفض شركات التأمين الزيادة على الأسعار، لأسباب عديدة، من ضمنها، عدم قدرة الشركات أصلاً على تحمل هذه التكلفة.
بحسب ميزرا، فإن شركات التأمين تكبدت خسائر في مجال الاستشفاء العام الماضي بنسبة تقدر بنحو 140 في المئة، أضف إلى ذلك، انخفض عدد المواطنين المسجلين في شركات التأمين وتحديداً في الدرجتين الثانية والثالثة من 800 ألف إلى نحو 450 ألف، وهو ما أثر على ميزانيات شركات التأمين.
من يتحمل التكلفة؟
يشير مصدر طبي مطلع على الملف، إلى أن رفض شركات التأمين تحمل الزيادة وإصرار المستشفيات عليها، سيدفع بالأخيرة إلى البحث عن حلول أخرى، لا تتناسب مع المرضى. وبحسب المصدر، لا يمكن للمستشفيات الاستمرار وسط الأسعار المتعارف عليها، ما سيدفعها إلى تحميل المريض هذه النسبة. وهذا السيناريو مطروح، لكنه قد يواجه تحديات عديدة، من ضمنها الألية التي على أساسها سيتم احتسابها.
في المقابل، يرى المصدر، بأن إمكانية أن تلجأ الشركات إلى زيادة الاشتراكات السنوية، قد يكون أيضاً مخرجاً للأزمة، إلا أن الأمر يتعلق بمدى استعداد شركات التأمين زيادة تعرفتها. حتى الأن، لا يوجد أي قبول لدى شركات التأمين لرفع التكلفة. بحسب ميرزا، هناك فعلاً اتجاه لرفع قيمة الاشتراكات، لكن هذه الاتجاه مرتبط بميزانيات بشركات التأمين، وبتحديد حجم الأرباح والخسائر، خصوصاً وأن أسعار بوالص التأمين وفق ميرزا لا تزال منخفضة نسبياً وبالتالي فإن الاتجاه لزيادة الأسعار في حال الاتفاق عليه بين شركات التأمين لا يتعلق بما تفرضه نقابة المستشفيات.