2025- 03 - 04   |   بحث في الموقع  
logo سلسلة لقاءات لوزير الدفاع تناولت التطورات logo الكرملين يرحب بوقف المساعدات الأميركية لأوكرانيا logo بالفيديو: إسرائيل تزعم إغتيال قائد القوات البحرية في "الرضوان" logo "أهالي ضحايا تفجير 4 آب": نجاح العهد يكمن في تحقيق ما تم التعهد به logo التقى وفد من تكتل نواب بعلبك الهرمل وزير الدفاع الوطني logo عون بالقمّة العربية: لا سلام من دون تحرير الأرض logo قرار تاريخي: الخارجية الأميركية تضع الحوثيين على قائمة الإرهاب logo علي حمية يكشف حقيقة ما يحصل في جنوب لبنان ويُعلنها: المقاومة عائدة والجنوبيون يتأهبون!
دلال البزري في"الغار والزيتون": المتمرّدة المنشقة
2025-03-04 16:25:46

في زمانه، سئل الروائي تشيكي الأصل وفرنسي الجنسية، ميلان كونديرا، عن علاقته باللغة، فقال: "أثرثر بالتشيكية كلّ يوم مع زوجتي. بيد أن العالم من حولي، ومنذ 28 سنة، هو فرنسي، يكلمني بالفرنسية وأكلمه بالفرنسية. من هنا، يمكنني أن أستنتج كل يوم الاختلاف العميق بين لغة الولادة واللغة المتعلمة. حين أتحدث التشيكية، تخرج الجمل وحدها من فمي، تخرج من دون تحكم، ملفوظة من جراء الآليات الموضوعة في دماغي منذ طفولتي. أما بالفرنسية، وعلى العكس من ذلك، ما من شيء أوتوماتيكي عندي. كل شيء واع فيها. كل شيء مُفَكَرّ فيه. موزون، مراقب". أما الكاتب الروماني إميل سيوران، فقد ألّف كتابه الأول باللغة الرومانية، وستأتي بقية كتبه بلغة بلده حتى العام 1947، حين سيشرع في الكتابة باللغة الفرنسية. ورداً على سؤال أحدهم، لمَاذا تخلى عن لغة وطنه، قال: "لا نقيم في بلد، نقيم في اللغة، الوطن هو اللغة ولا شيء آخر غير ذلك". ولم تكن الألمانية هي اللغة الوحيدة في طفولة الشاعر اليهودي من أصل روماني، باول تسيلان، ولم يكتب باللغة الألمانية فقط. ومع ذلك، فقد فعل كلَّ ما يمكنه وبترتيبٍ، لامتلاك اللغة الألمانية، "للإقامة في اللغة"، وقيل أنه ﻛﺘﺐ ﺑـ"ﻟﻐﺔ اﻟﻌﺪو" اﻟﺬي ﻓﺘﻚ ﺑﻌﺎﺋﻠﺘﻪ. وعلى هذا تبدو علاقة المثقفين والكتّاب، باللغة، فيها شيء من أنماط الحياة والوجود، شيء من المواقف والتجارب الذاتية.وفي كتابها "الغار والزيتون"(دار الجنوب – تونس) تقول الباحثة، دلال البزري، أن اللغة العربية مثل بيتها الدائم (تحضر هنا عبارة "اللغة مسكن الوجود" لهايدغر)، لها عطر صابون يحمل اسمها، "الصابون العربي"، الذي تفوح منه رائحة الغار والزيتون. واللغة هاجس يمتد من أول الكتاب إلى آخره."الغار والزيتون" ليس سيرة ذاتية، لكنه كتاب يشبه مؤلفته كثيراً، يشبه لبنان في مساره المتشعّب ولغاته الهجينة السائلة، واجتماعه وتحولاته وتداخلاته وهجراته الدائمة وهواياته القاتلة والممجّدة ومثقفيه ومثقفاته ومدارسه الملونة وجامعاته وأحواله ولهجاته وطقوسه وطوائفه ويساره وعنصرياته وولاءاته واستعراضاته ومراتبه وأحزابه وصحفه، وإسلامه الذي فيه شيء من المسيحية، ومسيحييه الذين فيهم شيء من الإسلام على ما لاحظ الصحافي غسان تويني.دلال البزري المترحّلة المسافرة، في مسار عيشها، وتعلمها وكتابتها، نشأت في مدينة المهد دكار السنغالية الفرنسية، أتت إلى صيدا وبيروت في لبنان، فإلى الدار البيضاء المغربية، فعودة نهائية/مؤقتة إلى بيروت في زمن الأحلام، بين التعلم والتعليم وتمزيق إطارات السيارة بسبب الإنتماء السياسي، وبين رفقة الباحث ميشال سورا والطرد من منزل أصولي بتهمة "الأسئلة التجسسية"، ثم كتاب "أخوات الظل واليقين". بعد ذلك، سنوات عشر في القاهرة، حيث كتبت مؤلفها "مصر التي في خاطري"، ثم إلى بيروت مجدداً وكتب "سنوات السعادة الثورية"، "دفاتر الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)"، "يساريون لبنانيون في زمنهم". وأخيراً إلى تورونتو الكندية بعد انفجار 4 اب/أغسطس 2020. وقد تكون هجرتها الأخيرة سببًا في ولادة كتابها الجديد. تكتب دلال البزري يوميات الحياة بعفويتها ودلالاتها ومزيجها. فوالدها العروبي كان يحبّ جمال عبد الناصر "اكسير الحياة" ويسمع خطاباته، وبعدما خسر تجارته مع حيفا في فلسطين، اندفع نحو الهجرة بتشجيع من قريبه: "أدرك أنّ عبد الناصر هو الأمل في استرجاع فلسطين. وعلى الرغم من مشاعره العروبية الناصرية كان يخاطبنا بالفرنسية، والوالدة الجنوبية، شيعية عاملية، تكثر من ألفاظها الفرنسية وتصبح موضع إعجاب من الجيران، وتتحدث الأميركية التي تشبه العلكة". أما الكاتبة فهي الطالبة المسلمة التي أتقنت الفرنسية في مدرسة الراهبات المسيحية، واللغة الفرنسية تصبح موضع مديح وتقريع من الراهبات. لكن هذا التعامل يضايقها، "لا أجد طريقة للتعامل معه غير التكلّم بالعربية قصداً، رغم كل التلعثم". واللغة ليست وحدها مجال التمرّد على الراهبات. "في مكتبة بيتنا روايتان تمنعني أمي عنهما: "مدام بوفاري" لغوستاف فلوبير، و"عشيق الليدي شاترْلي" لديفيد هربرت لورانس. والحظر يزيد فضولي. أسحب الرواية الأولى، "مدام بوفاري"، من وراء ظهرها، وألوذ في قراءتها. صعبة وممتعة، ولا أستطيع تركها، فآخذها معي إلى المدرسة، أقرأها أثناء الصف العربي. فكانت فضيحة، بأني أقرأ رواية "خلاعية"، واستدعاء أهلي واتهامات باطلة، والتهديد بعقوبة الطرد من المدرسة لمدة ثلاثة أيام".
الحب أيضًا وأغانيه لعبا هذا الدور في انجرافها البطيء نحو العربية، والبدء بقراءة نصوصها. عاشت في البدايات، طفولة ليس فيها من العربية، في اللسان شيء، وفي الفرنسية لذة لا تضاهى. في المراهقة، حبّب اليها العربية وقراءة نصوصها، أستاذٌ أحبّته. تستخف بمادة الأدب الفرنسي، ولا تبالي بمادة العربي، وحجتها قوية "أنا ضعيفة بالعربي". لكنها غارقة في العربية خارج المدرسة، في النادي والنقاشات والمناشير وتواريخ النكْبات والاحتفالات والخطابات وجمع التبرعات في الشوارع من أجل فلسطين.وكان المنعطف حين تحولت العربية إلى العمل النضالي، إلى حاجة عملية يومية، كان على المناضلة أن تقرأ بالعربية، نصوص الفكر الثوري، وما يصدر عن منظمتها اليسارية العروبية، تعطيها ثقة بلغتها العربية المتنامية. تدفعها إلى قراءة مجلة "الحرية" التي كانت تصدر عن منظمة العمل الشيوعي، بنوع من المثابرة الأقرب إلى دروس الامتحانات. وأن تكتب بها الشعارات وتخاطب بها الجموع، هكذا انبنت عندها الفصحى، خارج النمط المدرسي المقولب، فصحى هي لغة مرتبطة بالحياة، توأم الحياة كما تقول، "عربيتي تتلقى جرعة جديدة في الشارع، بين الشعارات والحماسة والجمْهرة الشبابية. تتراجع قليلًا فرنسيتي، أو أنني أريد لها أن تتراجع"، لكن البعض استغربها، كان حولها من يقول كتابتها صعبة، وغير مفهومة وجملته متشقبلة، لا يفهم كوعها من بوعها. المسألة كانت طريقة في الكتابة، تخرج عن السائد المألوف.كانت كتابة دلال البزري تُعرف من بين النصوص، فهي كاتبة مُنشقّة إذا جاز الوصف. "روّضت هذه الطريقة، مراحل تجريب لاحقة، من دون ان تنزع عنها نكهتها وطرافة صياغاتها، بقيت المسافة بين الكلمات والأشياء" بتعبير الباحث الطاهر لبيب، تكتب نصوصاً "لا يطيلها الحشو، ولا يميعها قول اللاشيء، خف توتر العلاقة باللغة ونمت ثقة الكاتبة بعربية نصها"، ويصبح للغة معنى آخر حين تكون في مصر، البلد الذي يتميز بلهجته "عربيتي خلال السنوات العشر هذه (في القاهرة) كانت ذات اتجاهات مختلفة. في بعض الحالات الملحة، كنت أضع أوتوماتيكياً الرقابة الذاتية عليها. أقول حالات ملحة، خارجة عادة عن سياق الحياة اليومية، أو الحياة العادية".في الخاتمة، بعد صولات وجولات وصداقات وكتابات وأبحاث ولغات، تعود إلى الهجرة من جديدة، إلى غربتها، وهناك تروي "غربة اللغة"، غربة اللغة العربية، تروي أن نصائح أصدقائها الكنديين كانت تصبّ كلها في اقتراح واحد:
ــ "طالما أنتِ تعرفين الفرنسية... لماذا لا تكتبين للصحافة الصادرة في مونتريال الفرانكوفونية؟ مرتّباتهم عالية... حاولي". وكانت النتيجة تلك البداهة التي لم تكن منتبهة لها؛ من أنها عاشت أكثر من نصف قرن بالعربية، وأنها في هذا العمر، أي نهاية الستينات، تحتاج إلى عمر آخر، أو على الأقل إلى ربع قرن، لترضى عما تكتبه بالفرنسية بأكثر مما ترضاه مع العربية. تقول: "شعور مزدوج بالإشفاق على اللغة العربية والحرص عليها: الإشفاق لأنها لغة يهملها أبناؤها، قبل العالم، كما سأهملها لو باشرت الكتابة بالفرنسية. أما الحرص عليها، فلأنها الهوية التي منحتني إياها طوال سعيي المستمر لتعلّمها".والهوية في الغربة، هي قرينة المهاجر والحياة تصبح لغات متداخلة، هويات كثيرة لكاتبة متنقلة مترحّلة، بين عواصم عربية، واجنبية، بين المجتمع والرفاق، بين الجمعيات النسائية والأحزاب.في تورونتو الأنغلوفونية، تنخرط المؤلفة في الشؤون اليومية، وباللغة الإنكليزية، حفاظًا على صلتها بكل ما هو حولها. فكان "اختبارًا يوميًا للعلاقة العضوية بين اللغة والحياة". تتمسّك بلغة هي العربية، يهملها أبناؤها قبل العالم. وتستندُ إلى لغة أخرى، هي الفرنسية، الآخذة بالانسحاب من انتشارها العالمي، بعدما صارت استعمارًا "سابقاً". وتقوم بعمل، كتابة نص، "في عصر تتراجع فيه القراءة سريعًا لصالح الصورة، مع ذكاء اصطناعي سوف يرمي الكُتّاب في شَتات المهن المنقرضة".


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top