بحلول نهاية الأسبوع الراهن، أي عند ليل نهار الأحد المقبل بالتحديد، تنتهي المهلة التي حددها مجلس إدارة جمعيّة المصارف، قبل رفع دعاوى المصارف الأعضاء ضد الدولة اللبنانيّة. والذريعة المعلنة من هذا التحذير، كما بات معلومًا، هي حفظ حق المصارف في فوائد سندات اليوروبوند، تلافيًا لسقوط هذا الحق بمرور خمس سنوات على امتناع الدولة عن الدفع. إذًا، أيّام العمل الأربعة المتبقية من هذا الأسبوع، بما فيها اليوم الثلاثاء، ستكون حاسمة، لجهة اتجاه المصارف نحو الادعاء أو التراجع عن هذه الخطوة.
جميع المؤشّرات تدل على إمكانيّة تراجع الجمعيّة عن هذه الخطوة، من دون أن يكون هناك ما يؤكّد هذا السيناريو على نحوٍ قطعي. فالدولة اللبنانيّة، ممثلة بوزارة الماليّة، قامت خلال الفترة الماضية باستكمال الخطوات المطلوبة لسحب الذرائع التي تستند إليها جمعيّة المصارف، للقيام بخطوة الادعاء. والسجالات الداخليّة، في جمعيّة المصارف، ضغطت على قيادة الجمعيّة للتراجع عن هذه المغامرة المكلفة. والعديد من التحليلات والاستشارات القانونيّة أكّدت أن كلفة لعبة من هذا النوع ستكون كبيرة على المصارف والدولة والمودعين على حدٍ سواء.ذرائع جمعيّة المصارفقبل تفنيد ما قامت به الدولة اللبنانيّة مؤخرًا، لتفادي سيناريو تلقّي دعاوى المصارف، من المفيد العودة بإيجاز للإشكاليّة القانونيّة القائمة اليوم.
في 9 آذار المقبل، أي يوم الأحد، تنقضي فترة خمس سنوات على القرار الذي أفضى إلى توقّف الدولة عن سداد قيمة سندات اليوروبوند، عام 2020. وهذا ما يسمح للدولة بالإدلاء بدفوع مرور زمن المهل، لإسقاط حقوق حملة السندات بالفوائد، ومنهم المصارف، إذا لم يباشر هؤلاء خطوة "المطالبة القانونيّة" بحقوقهم. هذا الواقع، كان ذريعة مجلس إدارة جمعيّة المصارف، عندما حثّ المصارف الأعضاء في الجمعيّة على تحضير ملفات قانونيّة للادعاء على الدولة، بموجب مذكرة داخليّة مؤرّخة في 13 شباط 2025.
قبل ذلك، كانت حكومة نجيب ميقاتي قد حاولت تلافي هذا السيناريو، عندما قرّرت في الأسبوع الأوّل من السنة الراهنة "تعليق حق الدولة" في الإدلاء بدفوع مرور زمن المهل. أي أنّ الحكومة قررت تمديد المهلة التي يملكها حملة السندات، قبل المطالبة القانونيّة بحقوقهم ورفع الدعاوى. وكان الهدف الواضح من تلك الخطوة تفادي حشر الدائنين بالمهلة، والحؤول دون اضطرارهم لرفع الدعاوى على الدولة. وبطبيعة الحال، صبّت الخطوة في مصلحة الجميع، الدولة والدائنين. إذ إنّ مصلحة الطرفين اقتضت الشروع بعمليّة إعادة هيكلة متفّق عليها للدين العام، بدل تكبّد تكاليف المعارك القضائيّة في محاكم نيويورك.
لكنّ جمعيّة المصارف، وبخلاف الدائنين الأجانب الذي صبروا، كان لها رأي آخر. حيث شكّكت في مشروعيّة قرار الحكومة، لكون صلاحيّاتها اقتصرت في تلك الفترة على تصريف الأعمال. وطالبت برأي من هيئة التشريع والاستشارات، لتأكيد هذه الصلاحيّة، قبل الارتضاء بقرار تعليق المهلة كما صدر عن مجلس الوزراء. ولهذا السبب، صدرت مذكّرة مجلس إدارة جمعيّة المصارف التي أشرنا إليها، والتي أعلنت النفير العام والتحضير لإقامة الدعوى ضد الدولة.سد الذرائع من قبل الدولةسرعان ما قامت وزارة الماليّة، بعد تشكيل الحكومة الجديدة، بالعمل على سد ذرائع جمعيّة المصارف. إذ راسل الوزير ياسين جابر الجمعيّة في 21 شباط الماضي معلنًا أنّ المستشار القانوني للدولة اللبنانيّة "كليري غوتليب" أعطى رأيًا يؤكّد أنّ قرار مجلس الوزراء السابق "كافٍ بحد ذاته لإلزام الدولة اللبنانيّة بتعليق حقها بالإدلاء بدفوع مرور الزمن". أي أنّ المكتب القانوني الدولي الشهير، أكّد على أنّ القرار يمدّد بالفعل المهلة التي يملكها حملة السندات، ومنهم المصارف، قبل الاضطرار لرفع الدعوى. وهذا الرأي القانوني، يسحب من جمعيّة المصارف ورقة التشكيك بقانونيّة قرار الحكومة.
في المذكرة نفسها، يشير جابر أنّه "للمزيد من الاطمئنان"، ستعمل وزارة الماليّة على ملحق اتفاقيّة، يسمح بتمديد هذه المهلة، كما ستعمل الوزارة على إرفاق هذا الملحق بجميع المستندات القانونيّة المعزّزة له، ومنه رأي هيئة التشريع والاستشارات، الذي طالبت به الجمعيّة سابقًا.
وبالفعل، قامت وزارة الماليّة يوم الثلاثاء الماضي بالإعلان عن إبرام "ملحق لاتفاقية الوكالة المالية لسندات اليوروبوند المصدرة من الجمهورية اللبنانية، لتعكس تعليق حق الدولة بالادلاء بدفوع مرور زمن المهل التعاقدية والقانونية" وفقاً لقانون ولاية نيويورك". وأرفقت الوزارة قرارها بلائحة بالسندات المشمولة بهذا القرار، وهي بطبيعة الحال جميع سندات اليوروبوند الصادرة عن الدولة اللبنانيّة، بجميع شرائحها.حسابات جمعيّة المصارف الداخليّةهكذا جرى تفكيك اللغم بعناصره القانونيّة المختلفة، ولم تعد جمعيّة المصارف تملك ثغرة تبرّر لجوئها إلى مقاضاة الدولة اللبنانيّة، وفق المذكرة التي أرسلها مجلس إدارة الجمعيّة سابقًا.
داخل الجمعيّة نفسها، كان الموضوع يتفاعل بشكلٍ موازي. إذ احتجّت مجموعة من المصارف الأكثر نضجًا في التعامل مع المسألة على المذكرة التي أرسلها أمين عام الجمعيّة، بإسم مجلس الإدارة. واعتبرت أنّ المطلوب، بحسب مقرّرات مجلس الإدارة، هو تحضير ملفات قانونيّة احتياطيّة، وليس حثّ المصارف على رفع الدعاوى وفق النص الذي جرى إرساله. واعتبر هذا الفريق أن الشروع بالدعاوى، بدون أسباب موجبة جديّة، سيدفع سائر الدائنين الأجانب للقيام بالخطوة نفسها، وهذا ما سيزيد الخناق على الدولة، التي يفترض أن تتحمّل مسؤوليّة تنفيذ خطّة التعافي المالي. وفي خلاصة الأمر، ستضر الخطوة القطاع والمودعين، خصوصًا أن كتلة أصول القطاع الأكبر هي على شكل ودائع لدى مصرف لبنان، وليس في سندات اليوروبوند.
على هذا الأساس، بدأت الأمور تأخذ منحى مختلفاً منذ أسبوعين وحتّى اليوم، داخل الجمعيّة نفسها. حيث بات الفريق القانوني المكلّف من مجلس الإدارة بمتابعة الموضوع يبحث عن المخارج، التي تسمح بتفادي خطوة الادعاء، بدل البحث عن ذريعة للادعاء على الدولة كما جرى سابقًا. وبات التوجّه أقل حدّة في التعامل مع الحكومة، مقارنة بما كان الحال عليه في بدايات شهر شباط الماضي. ولهذا السبب بالذات، رجحت العديد من المصادر الإداريّة في عدّة مصارف لبنانيّة أن يكون الاتجاه العام داخل الجمعيّة للاكتفاء بالضمانات المقدّمة من قبل وزارة الماليّة، خصوصًا إذا تم إرفاقها برأي هيئة التشريع والاستشارات. وهذا الترجيح، يبقى في إطار التكهّنات، بانتظار مرور تاريخ 9 آذار المقبل.